بيروت العائدة إلى الحضن العربي تستقبل ضيوفها
بيروت العائدة إلى الحضن العربي تستقبل ضيوفها

أخبار البلد - Thursday, January 23, 2025 7:02:00 AM

 

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي”:

 

تنشغل بيروت في الساعات المقبلة بمشهديةٍ ستكرّس الرعايةَ العربية – الدولية الـ «ما فوق عادية»، لـ «لبنان الجديد»، مع زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اليوم الخميس، ثم رئيس الدبلوماسية الكويتية عبدالله اليحيا غداً، في محطتين بالغتيْ الأهمية تتزامنان مع تكثيف المحاولات داخلياً لاستيلاِد الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون والـ 72 ساعة الأخيرة من عمر مهلة الستين يوماً الانتقالية التي نص عليها اتفاق 27 تشرين الثاني لوقف النار بين «حزب الله» وإسرائيل.

 

وفي الوقت الذي سيلتقي فيصل بن فرحان الرئيس عون (ومسؤولين كبار) ويَنقل إليه الدعوةَ الرسمية لزيارة الرياض، التي كان وجّهها له ولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال التهنئة، فإنّ توقيتَ المحادثات التي سيُجْريها أكْسَبَها دلالاتٍ بارزةً خصوصاً أنها ستشكّل خطوةً إضافية في اتجاه مرحلة جديدة تَدخلها العلاقات بين بيروت والرياض التي انخرطت، ولا سيما عبر «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضمها إلى الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر)، في رَسْمِ الأطر الناظمة لاستعادة «بلاد الأرز» تَوازُنها المؤسساتي والسياسي، وهو ما عبّر عنه بوضوح استحقاقا انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة على وهج التحولاتِ الإقليمية الكبرى التي أصابت بالدرجة الأولى المحور الإيراني وقوس نفوذه الذي تَفَكَّك.

 

وفي وقت يَمْضي سلام في مساعيه لتصفيح طلائع التغيير الذي هبّ مع انتخاب قائد الجيش رئيساً عبر تأليف حكومةٍ يحاول أن يوائم فيها بين إرساء قواعد تشكيلٍ «غير تقليدية» وبين مراعاةِ الحاجة إلى «جواز مرور» بالثقة في البرلمان، ويكتنف الغموضُ صورة «اليوم التالي» لـ 26 كانون الثانب موعد انتهاء هدنة الـ 60 يوماً وهل تلتزم بها تل أبيب أو تؤخّر انسحابَها الكامل لِما وراء الخط الأزرق، فإن زيارة وزيريْ خارجية السعودية (هي الأولى منذ نحو 15 عاماً) ثم الكويت ستكونان مدجّجتين برسالة واضحة بأن لبنان ليس متروكاً وبأنّ عودةَ عجلة الحُكْم للدوران في شكل طبيعي وعلى ركائز إصلاحية وسيادية ستفتح الباب أمام مزيدٍ من الاحتضان الذي لا يُهدر في مغاور الفساد والثقوبِ في دفة قيادة الدولة حصراً قرارات الحرب والسلم واحتكار قواها الشرعية حمْل السلاح.

 

«مجموعة الخمس»

 

ولم يكن عادياً، أمس، أن يعقد سفراء وممثلو دول «مجموعة الخمس» أول اجتماع لهم منذ انتخاب الرئيس عون في دارة السفير المصري علاء موسى، «حيث تم تناول آخر المستجدات على الساحة اللبنانية»، في تطور اعتُبر، وخصوصاً أن أي إشارة علنية لم تصدر إلى انه كان لقاء وداعياً، بمثابة إعلان استمرار عمل «الخماسية» لمواكبة اكتمالِ ولوج لبنان فصلاً جديداً واكبتْ اللجنةُ حلقتَه الأولى وستعاين محطته التالية المتمثلة في ولادةِ حكومةٍ تترجم في روحيتها وطريقة تأليفها وتركيبتها النهجَ الذي من شأنه أن يعيد ثقة الخارج بـ «بلاد الأرز» وبأن المسارَ الذي طبع إدارة الدولة وشؤونها خصوصاً في العقدين الماضيين طُويَ.

 

ولم يعُد خافياً أن الارتياحَ الخارجي الكبير لانتخاب عون وتكليف سلام، يتطلّب كي يتحوّل اطمئناناً راسخاً تأليفَ حكومة قادرة على إطلاق الإصلاحاتِ وتمكين الدولة من استعادة سيادتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية لوحدها، وسط توقّف أوساط سياسية عند مؤشر مهم جداً برز مع كلام وزير الخارجية السعودي أول من أمس في معرض وصفه انتخاب رئيسٍ في لبنان بأنه «أمر إيجابي جداً»، حيث أكد في الوقت نفسه «نريد رؤيةَ إصلاحاتٍ حقيقيةً من أجل زيادة مشاركتنا»، ولافتاً إلى أن المحادثات التي تجري في لبنان حتى الآن تدعو للتفاؤل، الأمر الذي عَكَسَ تَرَقُباً لِما سترسو عليه عملية التأليف وما ستعبّر عنه سياسياً وإصلاحياً.

 

واستعادت الأوساط في هذا السياق ما خلصت إليه القمة الخليجية الأخيرة التي عُقدت في الكويت مطلع ديسمبر الماضي واستعادتْ في جوهرها «خريطة طريق» قديمة – جديدة لخروج لبنان من أزماته واستعادته علاقاته مع دول مجلس التعاون على قواعد من الثقة ترتكز في جوانبها الرئيسية على مضمون «المبادرة الكويتية – الخليجية – العربية – الدولية» لسنة 2022 والتي أعيد «التذكير فيها» في القمة مع تأكيد ضرورة «تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة» و«بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف»، وتطبيق القرار 1701.

 

ملف تأليف الحكومة

 

ومن هنا يمكن فهْم حساسية ملف تأليف الحكومة الذي يخضع لمعاينةٍ خارجية لصيقة، باعتبار أن أي عودةٍ لقواعد اللعب القديمة، من محاصصاتِ «تقاسُم الكعكة» وتثبيت حقائب لطوائف، أو ثلث معطّل، أياً كان شكله، أو عبارات في البيان الوزاري تضع «أقنعة» لمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي استُبدلت منذ 2011 بصيغة «التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي (…)»، ستَعني للمجتمعين العربي والدولي أنّ «القديم بقي على قدمه» وتالياً تأخير مدّ اليد كاملةً لإعادة الإعمار ولتوفير «طريق مختصر» للخروج من الحفرة المالية من ضمن خطط باتت جاهزة، كما ستعني للداخل الذي استعاد الأمل بانتخاب عون وتكليف سلام إحباطاً جديداً من شأنه أن يفرمل اندفاعة واعدة وغير مسبوقة لعهدٍ رئاسي في جمهورية الطائف، تستفيد من متغيّرات جيو – سياسية بات لبنان في مدارها.

 

ولعلّ هذه الاعتبارات هي التي تفسّر حرص سلام على أن تكون حكومته محكومةً بأسلوب عمل جديد في التأليف، وبالدستور، متعمّداً إحاطة مسار التشكيل بغموضٍ لزوم تفادي إدخاله في بازار تنافُس بين الكتل على حصص وحقائب، ومعتمداً سياسة الاستماع للمطالب من دون التسليم بها باعتبار أن مفاتيح التشكيلة تبقى في جيبه بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

 

وحَمَل كلام سلام بعد زيارته رئيس الجمهورية مساء الثلاثاء، حيث عرض تصوراً أولياً لكيفية توزيع الحقائب ضمن حكومة 24 وزيراً، إشاراتِ امتعاضٍ ضمنيّ من ملامح تهافت على توزير وتَناتُش حقائب واعتبار أخرى «ملكية طائفية» بغلافٍ ميثاقي، كما عَكَست أن عملية التأليف يصعب أن تُنجز قبل انتهاء هدنة الستين يوماً، وهو الخيار الذي كان يحبّذه الخارج تحسباً لكل الاحتمالات من إسرائيل، وأنها ربما تمتد حتى الأسبوع المقبل ما لم يَعمد الرئيس المكلف إلى إحداث خرق مفاجئ أو وضْع الجميع أمام مسؤولياتهم تجاه الداخل والمجتمع الدولي بإصدار تشكيلةٍ يتساوى فيها الجميع وفق معيار الكفاءة وبوزراء اختصاصيين ولكن غير مستفزّين للقوى البرلمانية التي ستمنح الثقة، ومع حلّ وسط لحقيبة المال التي يتمسّك بها ثنائي «حزب الله»والرئيس نبيه بري يقوم على إبقائها مع المكوّن الشيعي من باب أن الاسم الذي سيتولّاها (ويختاره سلام) هو الأنسب تقنياً.

 

«صندوق بريد»

 

وبدّد سلام من قصر بعبدا كل ما قيل عن حصص أو حقائب حُسمت، معلناً أنه هو من يشكل الحكومة وليس تالياً «صندوق بريد» لمطالب القوى والكتل، ومؤكّداً «أن تأليف الحكومة يسير بخطى ثابتة ونعمل من دون كلل مع رئيس الجمهورية ووفقاً للآلية الدستورية». وأضاف ان «وزارة المال ليست حكراً على طائفة أو ممنوعة عنها وكل الحقائب بالنسبة إليّ سيادية. وهناك آلية ومسؤوليتي تشكيل الحكومة وأنا على تواصل مع الكتل وأتداول وأتشاور معها لكنني أنا من يشكلها ولست LibanPost».

 

وجزم بأنه لم يَعِدْ أحداً بشيء، مشدداً على أن «أسلوب العمل جديد لكن علينا أن نتعلم احترام الدستور وأؤكد التزامي بالمبادئ التي حددتها في كلمتي الأولى وأعمل من دون كلل أو ملل مع فخامة الرئيس. والحكومة التي قبلتً تأليفها أريدها حكومة نهوض وإصلاح لأن عليها مسؤوليات غير مسبوقة وملتزم ألّا أوفّر أي جهد لتأليف الحكومة بسرعة والأهمّ أن تكون وفيةً لتطلّعات اللبنانيات واللبنانيين».

 

الترفّع عن الصغائر

 

وفي موازاة ذلك، أكد رئيس الجمهورية أمام زواره «ضرورة الترفع عن كل الصغائر كي يتم تأليف الحكومة لتنطلق عجلة العمل»، معتبراً أن«من أهم أهداف الاستعجال بتشكيلها هو الإسراع في إعادة إعمار المناطق التي تضررت في الحرب الإسرائيلية الأخيرة».

 

وجاء موقف عون في موازاة إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي زار بيروت الأسبوع الماضي «أنني أشعر بتفاؤل حيال لبنان، لكن لا يوجد ضمان لاستمرار وقف إطلاق النار»، في الوقت الذي تنتهي مهلة الـ60 يوماً للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان يوم الأحد المقبل.

 

ولم يكن ممكناً أمس استشراف ما ستقوم به إسرائيل بحلول اليوم الستين من الهدنة، وسط تقارير عن أن تل أبيب ربما تختار أن تبقى مرحلياً في بعض النقاط على الحدود تفادياً لأي توتراتٍ مبكرة لا يحبّذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو أن تمدّد احتلالها لبعض القرى الحدودية ولكن لوقت قصير ومحدَّد بما يجنّب أي انتكاساتٍ خطيرة، رغم اقتناع أوساط متابعة أن «حزب الله» يصعب أن يذهب أبعد من مزيدٍ من اختبار قدرة الدولة والمجتمع الدولي على لجم إسرائيل وذلك من باب تغطية عدم رغبته ولا قدرته على زجّ البلاد وبيئته في فصل جديد وقد يكون الأعتى على الإطلاق من «الحرب الأخيرة».

 

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني