أمجد اسكندر - نداء الوطن
التفاؤل مسحة. الواقع أشد ثقلاً على الأحداث. مرحلة تغيير كبير يُراد إنتاجها باللغة القديمة. فجأة انتصار خيارات صار إقصاءً لطائفة، وعادت حليمة إلى العادات القديمة، وما يحصل عملية التفاف على مستويات عدة. حركة "أمل" و"حزب الله" لم يُسميا نواف سلام رئيساً للحكومة، وقاطعا مشاوراته، لكنهما يريدان أن ينضما إلى حكومته.
وفي أول دخوله المعمعة، سلك سلام مسلكاً مستلاً من أدبيات "التقليد السياسي" وأبدى حسن نية إضافية، وأصر على القول إن المشاورات لم تنته إلا بعد أن زار هو نبيه بري في عين التينة (لا في ساحة النجمة).
"فتوى" عسى ألّا تتحول عرفاً في المستقبل، فيزور كل النواب الرئيسَ المكلف، بينما بري لا يكلف خاطره ولا يسمح لكتلته ومعها كتلة "حزب الله" بلقاء رئيس الحكومة العتيد. عندما تنتهي يا نواف عُد إليّ. ماضياً كان يقول عندما تنتهي من التشكيلة عد إليّ يا رئيس الحكومة لأعطيك أسماء الوزراء الشيعة.
التفاؤل يرسم علامة تعجب.
كل القوى السياسية في باص الموالاة، والباص مزدحم بركّاب "الوفاق" و"الميثاق"، أين المعارضة؟ غداً تطل برأسها داخل مجلس الوزراء!
التفاؤل يُحب المشاغبة.
قال نواف إنه وبري يقرآن في كتاب واحد، وثمة من تذكر المثل القائل إن من ينامان في سرير واحد يراودهما حلمان مختلفان.
التفاؤل يُصارع البقاء.
ستبقى حقيبة وزارة المال مع "الثنائي". التبرير أن "الثنائي" يملك أشخاصاً على القَدْرِ والقيمة. الزخم الإيجابي يقول، ولو كان هذا صحيحاً، على العهد الجديد أن يرسل رسالة أبعد من التبرير. من الممكن مثلاً أن تعود حقيبة المال إلى المتمسك بها بعد الانتخابات النيابية.
التفاؤل يبتدع النظريات.
لا وزراء من الحزبيين. شيطنة لا مبرر لها لمن يتغنى بتعلقه بأهداب الديمقراطية. نلهث وراء الأحزاب في مجال ونهرب منها في مجال آخر. "حزب الله" لا مشكلة عنده في هذه البدعة. أصلاً لا يستطيع تسمية وزير "حزبي"، لأن هذا الوزير قد لا يأخذ تأشيرة لزيارة خارجية إلا من إيران واليمن. التفاؤل يُعاني. البيانات الوزارية السابقة وجدت "تخريجة" لثلاثية "جيش وشعب ومقاومة"، والبيان الوزاري المقبل هناك من يَعِدُنا بأنه سيحصل على "تخريجته".
التفاؤل مُصاب بالحرج.
هناك من يقول الأمور ستمشي لأن قراراً دولياً يريد ذلك، ولكن ماذا عن أطراف الداخل؟ هل يعني ذلك أن الاستقرار سيكون ولو "كره الكافرون" به؟
التفاؤل تشوبه الحيرة.
هناك من اعتبر أن يده قطعت، لأن نواف سلام أصبح رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة، وهناك من يمد بدل اليد يديه الاثنتين. هناك من قال تعرضنا لخديعة، ثم قال لا توجد لا خديعة ولا من ينخدعون.
هناك حزب "جنوب الليطاني"، في مقابل أحزاب "جنوب الليطاني وشماله". هناك من يرى في نواف سلام عنوان اليسار القديم والتغيير و"17 تشرين"، وهناك من أعاده إلى حظيرة "باكوية" آل سلام، واستدعى شعار عمه صائب بك "لا غالب ولا مغلوب" لطمأنة رافعي راية "إن حزب الله هم الغالبون". نُقِل عنه، ثم أكد نواف، أنه أمام خيار من اثنين "التفاهم والتفاهم".
عمه صائب بك في مسألة الشعارات كان أكثر تألقاً، وبدلاً من "التفاهم 2x" ربما نحتاج إلى "التَفَهُّم والتفاهم"، شعاره الذائع الصيت الآخر. كيف سيكون الوضع إذا اضطر نواف بك أن يستعير ثالث شعارات صائب بك وهو "لبنان واحد لا لبنانان"؟ التفاؤل يتساءل... ويبدي الخشية.