لبنان ليس جاهزاً للكهرباء الأردنية ولا المصرية ولا حتّى التركية
لبنان ليس جاهزاً للكهرباء الأردنية ولا المصرية ولا حتّى التركية

أخبار البلد - Monday, January 13, 2025 6:35:00 AM

كتبت رنى سعرتي في “نداء الوطن”:

 

تنطلق تركيا ضمن استراتيجيتها لتعزيز نفوذها الإقليمي، بعرض مشاريع الطاقة والبنية التحتية وإعلان التزامها بدعم استقرار وإعادة إعمار دول الجوار، أولاها سوريا، حيث أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار مؤخراً أن بلاده مستعدة لتزويد سوريا ولبنان بالكهرباء، وأن فريقاً من المسؤولين الحكوميين موجود في سوريا لبحث كيفية حلّ مشاكلها في ما يتعلق بالطاقة.

 

أوضح الوزير التركي أنه “ربما تتمّ تلبية الكهرباء التي تحتاجها سوريا ولبنان في البداية عن طريق تصديرها من تركيا”، لافتاً إلى أن الطاقة الكهربائية في سوريا بقدرة 8500 ميغاوات قبل الحرب انخفضت إلى نحو 3500 ميغاواط. وبالفعل، أعلن مدير مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء في حكومة تصريف الأعمال السورية خالد أبو دي، أنّ بوارج تركية وقطرية لتوليد الكهرباء سترسو في الميناء، لتزويد سوريا بـ 800 ميغاواط خلال شهر أو شهرين. موضحاً أنّ الحكومة تحتاج إلى أكثر من نصف عام لإعادة تأهيل خطوط الكهرباء مع دول الجوار مثل تركيا والأردن.

 

فهل يكون للبنان نصيب من الطاقة الكهربائية التركية؟

 

في أوائل العام 2022 وبعد توقف لبنان عن استيراد الكهرباء من سوريا بسبب نقص الفيول والغاز هناك، وقّع لبنان والأردن اتفاقاً لتوصيل الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، حيث كان من المقرر أن يزوّد الأردن لبنان بنحو 400 ميغاواط يومياً، أي ما يوازي حوالى ساعتين كاملتين من استهلاك الكهرباء، على أن يموّل البنك الدولي تلك العملية. كما كان هناك اتفاق مع مصر في 2023 لاستخدام الغاز المصري لتوليد الطاقة في لبنان، بالإضافة إلى الاتفاق الأردني بما سيزيد حوالى 700 ميغاواط إلى شبكة لبنان، اي حوالى 4 ساعات إضافية للساعات الأربع التي تنتجها المعامل اللبنانية يومياً بالفيول العراقي. إلاأن الاتفاقيتين بقيتا حبراً على ورق، بسبب العقوبات المفروضة على سوريا، وبسبب عدم تنفيذ لبنان الإصلاحات المطلوبة من البنك الدولي باستثناء رفع تعرفة الكيلوواط.

 

ورغم التهديدات المتواصلة خلال العام 2024 بالعتمة الشاملة في لبنان مع كلّ تأخير في دفع المُستحقات لاستيراد الفيول العراقي، وهو المصدر الوحيد لتوليد الطاقة منذ 2021، فان الأضرار التي ولّدتها الحرب الاسرائيلية في البنية التحتية، أدّت إلى تحويل كامل إنتاج الكهرباء إلى المناطق غير المتضررة، مما رفع التغذية إلى اكثر من 10 ساعات يومياً تقريباً. إلا أن وضع الكهرباء بقي على حاله من دون حلّ جذري، لا بل أصبح متردّياً أكثر بوجود دمار كامل في البنية التحتية للإمدادات في المناطق المتضررة وعدم وجود التمويل المالي لإصلاحها في مقابل تراجع حجم الجباية إلى النصف وتكبيد مؤسسة كهرباء لبنان خسائر مالية إضافية!

 

في هذا السياق، أشارت مصادر مؤسسة كهرباء لبنان لـ”نداء الوطن” إلى أن العرض التركي والمفاوضات في شأنه كانت قائمة منذ العام 2010 وقد تم الاتفاق على أطره آنذاك لكنّه تعطّل مع اشتعال الحرب في سوريا في العام 2011. موضحة أنه على الصعيد التقني، لا يمكن ربط الشبكة بشكل مباشر للحصول على الكهرباء التركية، بل إن الجانب التركي يمكن أن يزوّد محطة حلب بالكهرباء، ومن ثم تتم عملية swap على غرار الغاز، مع محطة طرطوس أو محطة كسارا.

 

ولفتت مصادر مؤسسة كهرباء لبنان إلى أن تلك العملية تقوم على عقد اتفاقية بين 3 أطراف على عكس الاتفاقية المصرية التي يمكن عقدها مباشرة بين لبنان ومصر، على اعتبار أن تركيا تتّبع المعايير الأوروبية وليس أنظمة الدول العربية، وبالتالي، يتمّ تزويد مدينة حلب بالكهرباء عبر جزيرة إيلو بحوالى 200 ميغاواط، على أن يقوم الجانب اللبناني بعملية سواب من حلب عبر إما محطة طرطوس أو كسارا. وأكدت المصادر أن تلك الاتفاقية مدروسة وموجودة لدى مؤسسة كهرباء لبنان على أن يتم الاتفاق لاحقاً على السعر الذي سيتم اعتماده لشراء الطاقة من تركيا.

 

من جهتها، أكدت المحامية والخبيرة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر أنه على الصعيد التقني، فإن عملية استيراد الكهرباء من تركيا إلى سوريا ولبنان، دونها عوائق بسبب الأضرار التي أصابت البنية التحتية، والتي تحتاج إلى إصلاحات في شبكة الإمدادات من تركيا إلى سوريا وصولاً إلى شمال لبنان الذي يحتاج أيضاً إلى إعادة تأهيل وتجهيز البنية التحتية لوصول تلك الإمدادات في حال تمّ إصلاحها في سوريا. وسألت أبي حيدر: من سيتكفّل في تمويل عملية تأهيل شبكة الإمدادات؟

 

من الناحية المالية، أشارت أبي حيدر لـ”نداء الوطن” إلى أنه يجب البحث في السعر الذي سيقدمه الجانب التركي، وما إذا كان يتضمّن تأهيل البنية التحيتة أم لا، وفي القدرة المالية على تأمين التمويل اللازم للاستيراد من تركيا، خصوصاً أن لبنان يؤمّن الكهرباء حالياً من خلال عقد وحيد مع العراق مؤجّل الدّفع منذ 3 أعوام، ولم يسدّد كافة مستحقاته لدولة العراق. “وبالتالي، هل لدى الدولة اللبنانية أو مؤسسة كهرباء لبنان القدرة المالية على فتح جبهة ثانية من الاستحقاقات المالية والمتوجبات المالية وتراكم الديون، خصوصاً بعد الأضرار والخسائر المالية التي تكبّدتها نتيجة الحرب الاسرائيلية؟”.

 

وذكّرت أبي حيدر بملف البواخر التركية الذي ما زال عالقاً بين لبنان وتركيا، وبعدم تسديد لبنان مستحقات الشركة التركية، وهو الأمر الذي يمكن أن يشكّل عائقاً إضافياً أمام إمكانية توقيع أي اتفاقية جديدة بين البلدين.

 

الغاز المصري والكهرباء الأردنية

 

وحول مصير اتفاقية استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، شدّدت أبي حيدر على أهميّتهما، مؤكدة ضرورة السعي لتعدّد مصادر الطاقة، “ولكنّ العقبات أمام تطبيق هذه الاتفاقية لم تكن مرتبطة فقط بالعقوبات الأميركية التي يمكن أن تزول في المستقبل، بل بالجزء المالي أيضاً، حيث اشترط البنك الدولي تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في قطاع الكهرباء، لتحرير قرض تمويل تلك العملية، وهو الأمر الذي لم يتم لغاية اليوم باستثناء رفع التعرفة. مشيرةإلى أن البنك الدولي طالب بتحقيق توازن مالي في مؤسسة كهرباء لبنان للتأكد من قدرتها على سداد القرض لاحقاً، وذلك من خلال تطبيق سلّة إصلاحات تتضمّن التدقيق المالي، تخفيف الهدر غير الفني من خلال الجباية الشاملة لكل المناطق، تطبيق القانون 462 وتعيين الهيئة الناظمة.

 

ولفتت إلى أن السير اليوم باتفاقية الأردن ومصر يجب أن يأخذ بالاعتبار بالإضافة إلى اإصلاحات المطلوبة من قبل البنك الدولي، إعادة تأهيل شبكة الإمدادات والبنية التحتية في لبنان وسوريا. معتبرة أن السير بتلك الاتفاقية يمكن أن يتمّ في موازاة السير أو البحث أيضاً بالعرض التركي، علماً أن لبنان ليس جاهزاً بعد، لا للاتفاقية الأردنية ولا المصرية ولا التركية، تقنياً ومالياً.

 

وختمت أبي حيدر بالقول إن مؤسسة كهرباء لبنان لم تعد قادرة منفردة على النهوض بقطاع الكهرباء في لبنان نتيجة عجزها المالي المتفاقم والخسائر في الجباية، والأضرار التي ولّدتها الحرب، مشدّدة على ضرورة السير بإصلاح جدّي في هذا القطاع فور انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، من خلال تطبيق الإصلاحات المطلوبة منذ عهود، محذّرة من أن الاتّكال على حسن نيّة الجانب العراقي في مواصلة إمداد لبنان بالفيول سيجعل البلاد مهدّدة بالعتمة الشاملة في أي لحظة وعند كلّ تأخير في وصول الشحنة أو في تسديد مستحقات الجانب العراقي، وهو الأمر الذي لا يخضع لغاية اليوم لأي إطار قانوني.

 

أضافت: لم تعد الحلول الترقيعية مقبولة وهناك ضرورة ملحّة لإعادة نهوض القطاع من خلال حلول جذرية مستدامة بعيدة عن السياسة والفساد.

 

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني