الحرة
كشفت وثائق استخباراتية عُثر عليها في مقرات أمنية بمدينة حمص، وسط سوريا، عن معاملة وحشية تعرض لها أطفال في ظل نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، حيث أُخضعوا للتحقيقات والمحاكمات بسبب اتهامات واهية، وفق صحيفة "التايمز" البريطانية.
وتبيّن الوثائق كيف لم يَسلَم الأطفال من شبكة المراقبة الأمنية المشددة. ومن أبرز الأمثلة التي كشفت عنها الوثائق قصة طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، تم اعتقاله في أحد الفصول الدراسية بعد أن مزّق ورقة تحمل صورة الأسد، والتي وُجدت تحت مقعده، مما أثار الشكوك بشأن نيته.
وأبلغ المعلم عن الواقعة للموجه التربوي، الذي قام بدوره بإبلاغ مركز الشرطة.
وتم استدعاء الطفل للتحقيق، وأُخذت إفادته تحت ضغوط نفسية، حيث أشار التقرير إلى أن الطفل برّر فعلته قائلاً إنه مزّق الورقة "دون أن يدرك أنها تحمل صورة الرئيس".
ورغم تأكيد المعلم أن الطفل يتمتع بأخلاق حسنة ولم يُظهر أي تصرفات سلبية من قبل، أُحيل الطفل للمحاكمة بعد 4 أيام من الحادثة، بتهمة الإساءة إلى "رمز الدولة"، وفق الصحيفة.
ولم توضح الوثائق مصير الطفل بعد المحاكمة، لكنها تسلط الضوء على استغلال النظام لأي ذريعة لقمع حتى الأطفال.تهم الهواتف
وفي حادثة أخرى، أُلقي القبض على صبي يبلغ من العمر 15 عامًا عند نقطة تفتيش في عام 2015، بعد العثور على مقطع فيديو على هاتفه اعتُقد أنه "يسيء للأسد".
وقُدّم المراهق للتحقيق، وخضع لتعذيب جسدي ونفسي ليتمكن المحققون من انتزاع أسماء أصدقاء وأقارب له في الحي، الذين يُزعم أنهم معارضون للنظام، وفق الصحيفة البريطانية.
وأظهر التحقيق أن المراهق "اعترف بأسماء 70 شخصا، شملت معلومات دقيقة عن أعمارهم، وطبيعة أنشطتهم، وحتى أوصاف ملابسهم،
وجرى ستخدام تلك المعلومات لملاحقة هؤلاء الأشخاص، وفقًا لتوصيات المحققين.
المدارس "بؤر للتجسس"
وكشفت الوثائق أن المدارس كانت واحدة من الأدوات التي استخدمها النظام الأسدي السابق لجمع المعلومات عن الأطفال وأسرهم.
وفي إحدى الحالات، أبلغ مدرس عن تلميذ بسبب تعليق ساخر أدلى به خلال الحصة الدراسية عن مادة " التربية الوطنية".
وجرى استدعاء الطفل ووالديه إلى أحد الفروع الأمنية، حيث خضعوا لاستجواب شامل حول ميولهم السياسية وعلاقاتهم الاجتماعية.الوثائق تشير كذلك إلى أن العديد من المعلمين، كانوا يُجبرون على التعاون مع أجهزة الأمن والإبلاغ عن أي سلوك قد يُعتبر "غير وطني".
وفي بعض الحالات، كان الأطفال يُعتقلون دون حتى إبلاغ أسرهم بمكان وجودهم، مما يترك العائلات في حالة من الرعب والضياع.
الانتقام من العائلات عبر أطفالهم
وأظهرت الوثائق أن الأطفال غالبًا ما كانوا يُستخدمون كوسيلة للضغط على ذويهم المتهمين بمعارضة النظام، ففي إحدى الحالات، اعتُقل صبي يبلغ من العمر 14 عامًا، بعد أن فشلت الأجهزة الأمنية في العثور على والده، الذي كان يُشتبه في دعمه لجماعات معارضة.
وخضع ذلك الطفل لاستجواب مكثف بهدف معرفة مكان والده، ورغم أنه أكد مرارًا عدم معرفته، فقد استمر احتجازه في ظروف قاسية.
ولفتت الوثائق إلى أن الهدف من اعتقال الابن كان إجبار الأب على تسليم نفسه خوفًا على حياة فلذة كبده.
والوثائق تُظهر أيضًا كيف كانت المدارس تُستخدم كمنصات لمراقبة الطلاب ونقل تقارير عنهم إلى الأجهزة الأمنية.
ففي إحدى الحوادث، أبلغ مشرف تربوي عن طفل أبدى "سلوكًا غير لائق" بسبب رسم كاريكاتيري رسمه أثناء حصة دراسية.
وتم استدعاء الطفل وإجباره على الاعتراف بدوافعه وراء تلك الرسمة البسيطة، ورغم أنه أكد أنه مجرد تعبير طفولي عفوي، أُحيل للمحاكمة بتهمة "الاستهزاء بالرموز الوطنية".
"انتهاكات اعتادها نظام الأسد"
تعليقا على تقرير الصحيفة، قال الحقوقي والصحفي السوري عبد الكريم الثلجي، لموقع "الحرة": "ليس بغريب على نظام الأسد سياسة اعتقال وتعذيب الأطفال، فالتقارير الحقوقية تؤكد أن النظام استخدم سياسة الاعتقال التعسفي والتعذيب كأدوات لترهيب السكان وقمع المعارضة، بما في ذلك اعتقال الأطفال، مما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي".
واتفقت أيضا تصريحات مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لموقع الحرة، مع ما قاله الثلجي في هذا السياق، مشيرا إلى أن اعتقال الأطفال كان يتم في الأساس خلال حكم الراحل حافظ الأسد، والد بشار.
وعاد الثلجي واستطرد: "النظام اعتقل آلاف الأطفال في سوريا منذ بداية الثورة، ورأينا كيف قتل الطفل حمزة الخطيب الذي كتب ورفاقه على جدار في درعا عبارات مناهضة للنظام، مما أشعل الثورة السورية".
ولفت الثلجي إلى أن غالبية الأطفال المعتقلين "يُتهمون بمشاركة أسرهم أو أفراد من عائلاتهم في أنشطة معارضة للنظام".
وفيما يتعلق بتعذيب الأطفال، نوه الحقوقي السوري بأن تقارير أفادت بأن الأطفال في السجون "يتعرضون لأشكال مختلفة من التعذيب، بما في ذلك الضرب المبرح، والصعق الكهربائي، والإساءة الجنسية، وتُظهر صور (قيصر) المسربة، دليلاً دامغاً على تعرض العديد من المعتقلين، وبينهم الأطفال، للتعذيب حتى الموت".
و"يُحتجز الأطفال في نفس الزنازين مع البالغين، في بيئات مكتظة وغير إنسانية، تفتقر إلى أدنى مقومات النظافة والرعاية الصحية، بالإضافة إلى حرمانهم من التعليم والعناية النفسية، مما يفاقم معاناتهم"، وفق الثلجي.
وفي هذا السياق، شدد على أن "تعذيب الأطفال واعتقالهم في السجون السورية (خلال حكم الأسد) يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. هذه الممارسات لا تستهدف فقط الأطفال كأفراد، بل تسعى لكسر إرادة المجتمع بأكمله".
واعتبر أيضا أن "التصدي لهذه الجرائم يتطلب جهوداً دولية متضافرة لتحقيق العدالة وحماية حقوق الأطفال، عبر محاسبة المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم وتقديمهم للقضاء العادل".