الإعلامي د. كريستيان أوسّي
أُحْجِيةُ لبنان ليست كما سواها....
أُحجيتنا، بل أُحجياتنا، خاصة بنا، لا تَحُلّ.
ليست ابداً مثل الكلمات المتقاطعة ولا مثل أي من ألعاب الفطنة والذكاء.
أحجيتنا تفوق كل ما يشبهها، علماً ان لا شبيه لها، فهي "ماركة مسجّلة" للبنان، ولن تجد لها مثيلاً في أي دولة في العالم.
أُحجيتنا صورة طبق الاصل عن دولتنا المفككة، عن إدارتنا المهترئة، عن فسادنا المستشري، عن ضياع المسؤولية، عن فقدان المحاسبة، عن عدم مساءلة المرتكب، عن تشريع السرقة والهدر والارتكابات والعمولات والصفقات والسمسرات...
أُحجيتنا صورة عن لبناننا المشوّه.
راقبوا معي:
1- قبل 4 آب 2020، كانت "مؤسسة كهرباء لبنان "مبنى" مجهّزاً مكتمل المعالم، لكنّ كهرباءنا كانت مقطوعة، معطّلة.
-بعد 4 آب: صارت "كهرباء لبنان" أشبه بهيكل مهدّم لا يصلح لأي شيء الا أنّ الكهرباء صارت متوفّرة للمشتركين.
2- قبل 4 آب، كان مرفأ بيروت يعمل بطاقته القصوى، وكانت أهراءات القمح مثل القلعة الصامدة، ممتلئةً حبوباً وتستقبل حمولات البواخر... الا انّ الخبز كان مقطوعاً، والأفران تهدّد بعدم التسليم أو الاقفال، فتهافت الناس على شراء الطحين وصار الخّبْزُ منزلياً، لا بل كاد الطحين ينفذ من الاسواق التجارية،
-بعد 4 آب: تدمّر مرفأ بيروت، صارت أهراءات القمح أثراً بعد عين وتناثر القمح مع أطنان الاسمنت، ضاع كل شيء... الا انّ الخبز صار متوفراً وما عاد الطحين مقطوعاً ولا يتهددّه اي سوء.
3- قبل 4 آب، كانت "الدولة" قائمة: أجهزة ومؤسسات، الا أنّ البنزين والمازوت تحوّلا سلعة موسمية وقعت بين مصالح شركات وخذلان دولة، توقّف الناس أحياناً طوابير بسياراتهم أمام خراطيم المحطات، هدّد أصحاب المولدات بإسكاتها لعدم توافر المازوت... سرى تقنين وعمّ ظلام.
-بعد 4 آب، وفي ظلّ تراجع قدرة الاستيراد، امتلأت المحطات محروقات وقدم أصحاب المولدات خدماتهم مجاناً للمتضررين لم تسكت أصوات المحركات.
4- قبل 4 آب، كانت "الدولة" شغّالة: مصرف مركزي يصدر تعاميم، مصارف تعمل، ... الا أنّ سعر الدولار قارب العشرة آلاف ليرة.
-بعد 4 آب، خسائر تقديرية للانفجار المريب تقارب 15 مليار دولار. بيروت مكلومة، مؤسسات مهدمة، وسعر الدولار يتراجع الى سبعة آلاف وأحياناً الى ما دون ذلك.
5- قبل 4 آب، كانت حكومة، كانت ثورة وكانت حركات شعبية.
بعد 4 آب، استقالت الحكومة، هدأت الثورة واستكان الشعب.
6- قبل 4 آب كان انتظار لقرار المحكمة الدولية التي أرجأت النطق بالحكم: تخوّف كثيرون، خشي الناس من صدامات أهلية، وضع الجيش والقوى الامنية في حال استنفار تحسُّباً.
بعد 4 آب، صدر الحكم: كانت المفاجأة كبيرة، ساد التعجّب، عمّ الهدوء مختلف المحاور والمناطق المتقاربة والمتداخلة.
يبقى السؤال:
هل يكون الوضع العام في البلاد مختلفاً بعد 18 آب، تاريخ صدور الحكم في لاهاي، عمّا كان عليه قبل 4 آب تاريخ الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت؟
في الجواب نستقرىء مستقبل الوطن!