باريس ـ بشارة غانم البون
كيف تبدو صورة الموقف الفرنسي بعد أسبوعين من زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون إلى العاصمة اللبنانية إثر الانفجار في مرفأ بيروت وقبل أيام من إتمام زيارته الثانية الى العاصمة اللبنانية والتي لم يحدد موعدها النهائي بعد؟
التحرك الفرنسي الخارجي حيال مساعدة لبنان لإيجاد المخارج لوقف حال الإنهيار الشامل لم يعرف العطلة الصيفية. فدوائر قصر الاليزية (مقر الرئاسة الفرنسية) والكي دورسيه (مقر وزارة الخارجية) المعنية بالملف اللبناني بقيت على إتصال مستمر مع عواصم القرار (واشنطن، موسكو، بروكسيل، برلين، الرياض، طهران إضافة إلى القاهرة وأبو ظبي والدوحة). كما تواصلت باريس مع أكثر من جهة وشخصية لبنانية بهدف التنسيق مع البعض والتشاور مع البعض الآخر.
يختصر مصدر مطلع مواكب للاتصالات والمساعي الفرنسية المتعددة الإتجاهات الموقف بالنقاط الآتية:
أولاً، لا تخفي باريس إرتياحها للأجواء الداخلية اللبنانية التي رافقت صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري وإتخاذ موقف الحكمة وضبط النفس أكان على مستوى القيادات السياسية والحزبية المعنية أم على مستوى الشارع. وهي دعت، من جهة إلى المضي في التهدئة، ومن جهة أخرى، شددت على إحترام الحكم والإلتزام الكامل بحيثياته.
ثانياً، يشكل ما سبق “عاملاً ايجابياً ومشجعاً” ينبغي التعويل عليه من أجل إعتماد منهج جديد قائم على التعامل بوعي ومسؤولية بعيداً عن لعبة المزايدات والمناكفات والتوترات والمباشرة بعملية التغيير العميقة من خلال التقدم بخطوات “جريئة وشجاعة وصادقة وعملية” لملاقاة كل فريق للفريق الآخرعند منتصف الطريق للسير معاً على طريق الإنقاذ قبل فوات الآوان.
الاهتمام الفرنسي الخاص بلبنان ينطلق من إعتبارين أساسيين: الأول، عمق العلاقات الثنائية التقليدية التاريخية المميزة بين الشعبين اللبناني والفرنسي؛ الثاني، حرص فرنسا على إستقرار لبنان والمحافظة على حريته وصيانة سيادته إنما يندرج من ضمن أهداف إستراتيجيتها المتوسطية
ثالثاً، يحرص المصدر على نقل توضيح حازم يرفض أي إتهام يصدر من أية جهة تحاول وضع مساعي فرنسا وجهودها في خانة “التدخل الخارجي” أو “الحنين إلى الإنتداب” أو “بسط النفوذ”، في وقت تجهد باريس في توظيف علاقاتها وصداقاتها واتصالاتها الدولية من أجل تجنيب لبنان السقوط على حلبة الصراعات الاقليمية والتجاذبات الدولية وتحويل ساحته الداخلية إلى ساحة مفتوحة تزيد في معاناة شعبه وتقضي على البقية الباقية من مقومات وجوده.
وفي هذا الاطار، يشير المصدر نفسه إلى أن الاهتمام الفرنسي الخاص بلبنان ينطلق من إعتبارين أساسيين: الأول، عمق العلاقات الثنائية التقليدية التاريخية المميزة بين الشعبين اللبناني والفرنسي؛ الثاني، حرص فرنسا على إستقرار لبنان والمحافظة على حريته وصيانة سيادته إنما يندرج من ضمن أهداف إستراتيجيتها المتوسطية.
رابعاً، الجهود الفرنسية “التحفيزية” مُنصبة حالياً على تهيئة الأجواء وإزالة العقبات أمام تشكيل حكومة لبنانية جديدة. ويسارع المصدر هنا إلى الدعوة للكف عن التلهي بإشاعة التفسيرات المغلوطة وإطلاق التأويلات المتعددة المحيطة بالتسميات المتداولة حول عنوان الحكومة الجديدة وشكلها. فباريس موقفها واضح، فهي ترغب في أن يكون للبنان، وفي أقرب فرصة، “حكومة مهمات فاعلة”.
خامساً، يشير المصدر إلى أن مضمون الموقف الفرنسي حيال الحكومة العتيدة يتمحور حول حاجتين: الأولى، محاولة تمثيل أوسع شريحة من اللبنانيين من موالاة ومعارضة ومجتمع مدني والعمل للإستجابة إلى تطلعات الشباب المنتفض منذ تشرين/أكتوبر الماضي. أما الحاجة الثانية، فهي المسارعة إلى وضع المهمات الملحة وفقا لجدول أولويات يبدأ برسم خطة لإعادة بناء مدينة بيروت بعد الخراب الذي أصابها بفعل إنفجار المرفأ ومن ثم البدء بإتخاذ الخطوات الاصلاحية الجذرية على مستوى لبنان ككل، مالياً واقتصادياً وقضائياً وإجتماعياً.
سادساً، يشدد المصدر على ضرورة أن يترافق تحديد الأولويات وتوزيع المهمات مع الالتزام بـ”آلية تنفيذ عملية وفعلية وفاعلة” تعتمد “السرعة في إتخاذ القرارات وتنفيذها” نظراً لأهمية عامل الوقت.
سابعاً، المطلوب برنامج حكم متكامل تتعاون وتتشارك في تنفيذه كل السلطات على ان تتحمل كل سلطة دورها ومسؤولياتها من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى مجلس النواب.
ثامناً، “المبادرة الجدية والسريعة” لتنفيذ خارطة الطريق هذه، هي السبيل الوحيد لإستعادة ثقة الداخل من جهة، والمعبر الوحيد والالزامي لتحريك مساعدة الخارج من خلال صندوق النقد وتفعيل مسار مؤتمر “سيدر” من جهة أخرى.
إكتفت أوساط متابعة بوصف الوضع الحالي للمواقف الخارجية كالآتي:”متابعة أميركية دقيقة وحالة تشنج سعودية وترقب إيراني حذر ودعم مصري واضح”
تاسعاً، تعي باريس حجم العقد الداخلية ومدى الامتدادات الخارجية والمصالح المتناقضة. لذلك، لم تهدأ منذ إنفجار مرفأ بيروت في العمل من أجل “تذليل العقد وترطيب الأجواء وخلق المناخات وإرسال التطمينات بحيث يشعر كل فريق داخلي بأن موقعه مضمون وكل جهة خارجية بأن دورها محفوظ”.
وحول تهيئة الظروف الخارجية، يؤكد المصدر بأن الاتصالات ستتكثف في الأيام المقبلة، لكنه إمتنع عن الكشف على ما بلغته المساعي نظراً لأنها لم تصل بعد إلى خواتيمها. وقد إكتفت أوساط متابعة بوصف الوضع الحالي للمواقف الخارجية كالآتي:”متابعة أميركية دقيقة وحالة تشنج سعودية وترقب إيراني حذر ودعم مصري واضح”.
وفي سياق تأمين الظروف الملائمة لانطلاق القطار اللبناني على السكة الانقاذية، يبدو ان الديبلوماسية الفرنسية ترغب بتفادي أي ضوء أحمر أمام تحركها وتأمين ضوء أخضر أو أقله ضوء أصفر بشكل لا يعيق تقدم هذه المسيرة.
عاشراً، يلفت المصدر النظر إلى ضرورة تسليط الضوء على مدى اهتمام الرأي العام الفرنسي بالكارثة الانسانية التي حلت ببيروت والتعاطف غير المسبوق مع سكان العاصمة اللبنانية، وهو تجسد من خلال العدد الكبير من مبادرات التضامن أكان على مستوى الافراد أو الجمعيات الاهلية والدينية أو البلديات أو الشركات الخاصة من أجل مد يد المساعدة وإرسال التقديمات المتنوعة. كما أن القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي تعد برنامجاً فنياً كبيراً سيشارك فيه فنانون فرنسيون ولبنانيون ويُبث بعد إنتهاء العطلة الصيفية من أجل التعبير عن التضامن مع سكان بيروت والشعب اللبناني وجمع التبرعات للمتضررين.