موقع الدفاع العربي
أدلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات جديدة حول إنتاج الصاروخ الباليستي الجديد متوسط المدى (MRBM) “أوريشنيك” (RS-26).
ففي اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع الروسية في 16 ديسمبر، صرّح بوتين بأن الإنتاج التسلسلي للصاروخ سيبدأ قريبًا. ولكن هذا التصريح يتناقض مع ما قاله في 28 نوفمبر، حين أكد أن “الإنتاج الكمي لصاروخ أوريشنيك قد بدأ بالفعل”.
ووصف بوتين صاروخ أوريشنيك بأنه “أحدث وأقوى سلاح” في ترسانة روسيا، وروّج له باعتباره نقطة تحول في قدرات الصواريخ الروسية.
في وقت سابق، خلال قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) في نوفمبر، شدد بوتين على إمكانيات الصاروخ، قائلًا: “في حالات الاستخدام المكثف أو الجماعي لهذه الصواريخ—عدة صواريخ في ضربة واحدة—فإن قوة مثل هذا الهجوم ستكون مماثلة لاستخدام الأسلحة النووية. ومع ذلك، فإن أوريشنيك ليس بالطبع سلاحًا للدمار الشامل”.
في 21 نوفمبر، ورد أن روسيا أطلقت صاروخًا من طراز RS-26 من منطقة أستراخان باتجاه مدينة دنيبرو في أوكرانيا. ورغم أن الهجوم تسبب في أضرار طفيفة، إلا أن تداعياته كانت ملحوظة. وفي اليوم نفسه، أكد بوتين أن الضربة الصاروخية نُفذت باستخدام نظام أوريشنيك، الذي لم يُعلن عنه رسميًا قبل هذا الحدث.
التناقض في الرسائل حول جدول إنتاج الصاروخ ونشره أثار شكوك المحللين. ورغم أن تصريحات بوتين تُظهر أوريشنيك كسلاح متطور وموثوق، إلا أن التناقضات تشير إلى أن تطويره قد لا يزال يواجه تحديات.
قادر للوصول للندن خلال 20 دقيقة فقط
يُقال إن صاروخ أوريشنيك قادر على تنفيذ ضربات دقيقة برؤوس حربية تقليدية، مما يمنح روسيا أداة استراتيجية للردع غير النووي. لكن عدم الوضوح بشأن جاهزيته يثير تساؤلات حول دوره الفعلي في الترسانة العسكرية الروسية.
وتشير مصادر أوكرانية إلى أن الصاروخ يمكن أن يضرب بولندا في 12 دقيقة، وألمانيا في 15 دقيقة، والمملكة المتحدة في 20 دقيقة إذا تم إطلاقه من الأراضي الروسية.
ورفضت المتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي فرح دخل الله فكرة أن نشر مثل هذا الصاروخ من شأنه أن يغير مسار الحرب الجارية. وبدلاً من ذلك، أكدت أن حلفاء الناتو يظلون حازمين في دعمهم لأوكرانيا.
وانتقد الرئيس فولوديمير زيلينسكي الاستجابة العالمية، وحث على اتخاذ إجراءات أقوى ضد التصعيد الروسي. وحذر زيلينسكي من أنه إذا لم يواجه بوتين رد فعل دولي حاسم، فسوف يستمر في اختبار العزيمة العالمية وتجاوز الحدود.
وقد جاء الهجوم الصاروخي على دنيبرو في أعقاب استخدام أوكرانيا لأسلحة بعيدة المدى زودتها بها دول غربية لضرب البنية التحتية العسكرية الروسية، بما في ذلك أول استخدام مؤكد لصواريخ أتاكمز ATACMS التي زودتها بها الولايات المتحدة وصواريخ ستورم شادو Storm Shadow التي زودتها بها المملكة المتحدة.
واستهدفت هذه الضربات مواقع ذات قيمة عالية مثل مراكز القيادة الروسية في منطقة بريانسك وكورسك، مما يشير إلى تحول في الاستراتيجية العسكرية الأوكرانية. وفي إحدى الضربات البارزة، ورد أن جنرالاً من كوريا الشمالية كان في زيارة لروسيا أصيب بجروح، مما يؤكد الأبعاد الدولية المعقدة للصراع.
وفي الوقت نفسه، كثفت روسيا هجماتها على المناطق الأوكرانية، حيث عانت منطقة سومي من ضربات بقذائف الهاون مملوءة بالشظايا المصممة لإلحاق أقصى قدر من الضرر.
وألغت السلطات الأوكرانية جلسة برلمانية وسط مخاوف من ضربة انتقامية ضخمة على كييف، مما يعكس التوتر المتزايد وعدم اليقين الذي يسيطر على البلاد.
لا توجد معلومات رسمية في المصادر المفتوحة بشأن المواصفات الفنية والتكتيكية للصاروخ الباليستي الروسي متوسط المدى الأسرع من الصوت “أوريشنيك”، والذي تم إطلاقه مؤخرًا ضد المنشآت الصناعية في دنيبرو.
ومع ذلك، فقد أثار نشره بالفعل تكهنات واسعة النطاق بين المحللين العسكريين في العالم.
واستنتج بعض الخبراء من تصريحات الرئيس بوتين أن الصاروخ يصل إلى سرعات تصل إلى 10 ماخ، مما يجعله أسرع من سرعة الصوت بحوالي عشر مرات.
بالسفر بهذه السرعة، سيقطع “أوريشنيك” مسافة 2-3 كيلومترات في الثانية، مما يجعله محصنًا تقريبًا ضد أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية. تتحدى هذه السرعة والقدرة على المناورة حتى أكثر تقنيات الاعتراض تقدمًا، مما يثير الإنذارات في حلف شمال الأطلسي وخارجه.
وقد قارن الخبراء بين نظام “أوريشنيك” ومنصة الصواريخ المتنقلة من الحقبة السوفييتية “بايونير”، والتي تستخدم صاروخًا باليستيًا من مرحلتين يعمل بالوقود الصلب. وعلى غرار “بايونير”، يُقال إن الصاروخ الجديد يحمل رأسًا حربيًا قادرًا على نشر مركبات إعادة دخول مستقلة متعددة [MIRVs].
تسمح هذه العناصر الضاربة باستهداف مواقع منفصلة، مما يعزز من عدم القدرة على التنبؤ التكتيكي للنظام وقوته القاتلة. كان “بايونير” قادرًا على توصيل حمولة تصل إلى 150 كيلوطن على مسافة 5000 كيلومتر، وهو مدى يتماشى مع التقديرات الحالية لـ “أوريشنيك”.
ويبدو أن تطوير روسيا لمثل هذه الأنظمة الصاروخية قد تسارع في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى [INF]. وقد صاغ خطاب بوتين هذا التطور باعتباره ضرورة تكنولوجية واستجابة استراتيجية للاستفزازات الغربية.
ومع ذلك، لا يزال المدى الكامل لقدرات الصاروخ محاطًا بالسرية، مع ظهور تفاصيل محدودة من القنوات العسكرية أو الإفصاحات العامة.
وعلق المحلل العسكري ألكسندر بوتيرين مؤخرًا لمؤسسة ريجنوم الإعلامية الروسية بأن برنامج “أوريشنيك” تم إجراؤه في ظل ظروف من السرية الشديدة. وأشار إلى أن الصاروخ يمكن تجهيزه برؤوس حربية تقليدية ونووية، مما يزيد بشكل كبير من مرونته الاستراتيجية.
يؤكد هذا التصميم المزدوج القدرات على نية روسيا الحفاظ على وسيلة ردع غير متماثلة، بهدف موازنة التفوق التكنولوجي لحلف شمال الأطلسي في الأنظمة الموجهة بدقة وبعيدة المدى.
يمثل نشر “أوريشنيك” استمرارًا لاستراتيجية روسيا الأوسع لتحديث قواتها الصاروخية وإبراز قوتها في مشهد ما بعد معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى.
وفي حين تظل قدراتها الحقيقية وسيناريوهات استخدامها المحتملة موضع تخمينات، فإن إدخال هذا السلاح يشير إلى مرحلة جديدة في العقيدة العسكرية المتطورة لموسكو ــ وهي مرحلة مصممة لتحدي الهيمنة التكنولوجية والأمن الجماعي لخصومها.