دخلت الحرب الموسعة بين إسرائيل و ««حزب الله» مرحلة متقدمة في ضوء التحولات العسكرية على الأرض التي صبت في مصلحة الأولى في اليومين الماضيين، لجهة توغل جيشها وفصله قضاء مرجعيون عن النبطية، وتدميره ثلاثة أحياء كبرى في بلدة الخيام، وضغطه في اتجاه الساحل البحري لتطويق بلدة الناقورة من خلال محاولات التقدم نحو تلة البياضة من بلدة شمع في قضاء صور.
في المعلومات الميدانية من قرى قضاء مرجعيون أن القرى والبلدات الشيعية كفركلا والعديسة وميس الجبل ومحيبيب ورب ثلاثين ومركبا وحولا وبليدا وطلوسة والطيبة، تبدلت معالمها بعد جرف المنازل والطرق من قبل الجيش الإسرائيلي. وقال شاهد عيان مقيم في بلدة مسيحية مجاورة لـ «الأنباء»: «بات الحديث عن إعادة تكوين للقرى وليس إعادة إعمار. وعملية رفع الردم الناجمة عن الركام تحتاج وحدها الى فترة طويلة تتخطى الأشهر».
وكان الجيش الإسرائيلي المرابض على الطريق الذي يفصل بلدات دير ميماس والقليعة وبرج الملوك نزولا نحو جسر الخردلي المؤدية إلى النبطية، فجر مراكز كان يتحصن فيها مقاتلو الحزب، ومدرجة مناطق عسكرية منذ ما بعد التحرير العام 2000، تحت دير مار ماما الواقع عقاريا في دير ميماس. وبالتزامن تم تفجير قسم واسع من الحي الشرقي لبلدة الخيام.
وحتى يوم الأحد، أمكن لمواطنين لبنانيين تصوير فيديوهات من مداخل بلدة الخيام. فيما قال شهود عيان ان السيطرة على البلدة توزعت مناصفة بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي الحزب، قبل أن يكثف الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته الأحد على البلدة، ما يعني خروج قواته البرية منها، بعد تفجير أحياء عدة فيها. في حين لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الدخول إلى مدينة بنت جبيل، على الرغم من تردد معلومات في هذا السياق. كذلك لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق بلدة الناقورة الساحلية، اذ استمرت المعارك مع مقاتلي الحزب بين بلدة شمع وتلة البياضة. واستهدف الجيش الإسرائيلي أمس نقطة للجيش اللبناني في العامرية على طريق القليلة - صور المؤدية إلى الناقورة، وأفيد عن سقوط شهيد وإصابة 18 عسكريا.
في حين يقتصر طريق العبور من بلدات قضاء مرجعيون على البقاع من طريق حاصبيا، عبر مثلث إبل - جديدة مرجعيون - الخيام.
وردا على سؤال، قال عدد من الشبان في القليعة وبرج الملوك إن الجيش اللبناني يتولى تأمين مقومات الحياة. «اللواء السابع يعمل بنشاط في منطقتنا وقائده العميد طوني فارس لا يغادر مركز الخدمة، ويحرص على التواصل مع غالبية المقيمين والسؤال عن أحوالهم وحاجاتهم».
وأجمع عدد من الشبان على تمسك الأهالي أكثر من أي وقت مضى بالبقاء في بلداتهم، وتحدث البعض عن عودة قسم من الذين غادروا مع اشتداد الضربات بعد توسيع إسرائيل الحرب اعتبارا من 23 سبتمبر الماضي. وكشف مهندس ناشط عن ان بعض أبناء بلدة القليعة المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، تمكنوا من شحن صفائح من زيت الزيتون من إنتاج السنة الحالية، على الرغم من أن قلة قليلة من الأهالي تمكنوا من الوصول إلى كرومهم، فيما لم تستطع الغالبية حصد موسم الزيتون للسنة الثانية تواليا.
في السياسة، كانت استراحة خرقها حضور مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ولقاؤه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في دارته بالواجهة البحرية ببيروت، كما انتقل بوريل إلى عين التينة والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتحدث إلى الصحافيين، مشددا على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتطبيق القرار 1701.
في حين كثرت الشكوك والتفسيرات حول مسار المفاوضات لوقف إطلاق النار المعول عليه بين إسرائيل و«حزب الله»، إلى حد اعتبار البعض انها انتهت.
فيما رأى آخرون أنها توقفت لانشغال الأميركيين بعطلة نهاية الأسبوع وعيد الشكر الخميس المقبل. غير ان مصادر مطلعة قالت لـ «الأنباء» إن «طرح فكرة عيد الشكر هي لتبديد الشكوك وإعطاء فرصة للمسؤولين الأميركيين لتقويم نتائج مهمة الموفد أموس هوكشتاين في كل من لبنان وإسرائيل، وان المسعى قائم بعد ان انجز كل ما يتطلبه لبنانيا، و80% إسرائيليا بحسب أعتراف جهات إسرائيلية».
وأضافت المصادر: «تماطل حكومة بنيامين نتنياهو في تحقيق أهداف تتعلق بالاتفاق، وأخرى وهي الأهم ترتبط بالميدان».
ورأت المصادر انه «بالنسبة إلى شروط الاتفاق فهي تتمحور حول عناوين عدة:
أولا: لجنة المراقبة، وهي ليست عقبة أساسية، ويمكن معالجتها في أي وقت متى اتخذ القرار بالوصول إلى الاتفاق. والاعتراض الإسرائيلي على فرنسا واعتراض «حزب الله» على بريطانيا وألمانيا، لن يعطل الاتفاق خصوصا أن الولايات المتحدة هي الراعية الأساسية لهذه العملية.
ثانيا: موضوع تهريب السلاح، وقد تم الاتفاق على انه لن يصل السلاح عبر المرافق اللبنانية الشرعية في المطار والمرافئ من خلال مراقبة مشددة للجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية، وإنما المشكلة هي عبر الحدود البرية. وكان التفاهم كما ذكرت مصادر ديبلوماسية باستمرار التدخل الإسرائيلي المباشر داخل الأراضي السورية كما هو حاصل اليوم.
ثالثا: فصل الساحة اللبنانية عن الساحة الفلسطينية سواء مباشرة وميدانيا، وهذا أمر ينتهي بمجرد تطبيق الاتفاق، أو غير مباشر من خلال جعل الساحة اللبنانية مقرا لتحرك المنظمات الفلسطينية، بحيث يكون كما هو في بقية الدول العربية، وليس مركزا لإدارة عمليات داخل فلسطين المحتلة.
رابعا: موضوع انتشار الجيش بالتزامن مع الانسحاب الاسرائيلي وسحب السلاح من جنوب الليطاني مع تحديد مهلة زمنيه لعودة النازحين، وهذه مسألة أساسية لا تحتمل التأخير. أمور يمكن معالجتها متى تم التفاهم على وقف النار.
أما فيما يتعلق باتفاق خاص بين إسرائيل والولايات المتحدة، فهذا شأن خارج حدود الاتفاق ومسؤولية لبنان، طالما انه لا يدخل في بنود الاتفاق ولا يمكن مناقشته. فما بين واشنطن وتل أبيب هو أكثر من أي اتفاق سري. ولا تخفي الولايات المتحدة الإعلان في كل مناسبة عن تمسكها بحماية أمن إسرائيل».
في المواقف قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد الأسبوعية من الصرح البطريركي في بكركي: «نتطلع إلى واقعنا المؤلم: حرب بالأسلحة القاتلة، قتل مدنيين وأطفال ونساء عزل، دمار منازل ومؤسسات لا يقدر ثمنها، مليون ونصف المليون من النازحين من دون مأوى. وفوق ذلك دولة من دون رئيس منذ سنتين كاملتين، في شكل مقصود ومتعمد، ومجلس نيابي فاقد هيئته التشريعية، لكونه أصبح هيئة ناخبة لا تنتخب منذ سنتين، ومجلس وزراء لتصريف الأعمال منذ أكثر من سنتين، وفاقد كامل الصلاحيات ومنقسم على ذاته. لماذا كل هذا الخراب على مستوى الشعب والمؤسسات والدولة؟ من يفاوض وقف إطلاق النار، وباسم من، ولصالح من؟ وهي أولى صلاحيات رئيس الجمهورية المغيب قصدا. ما لم ينتخب المجلس النيابي رئيسا للجمهورية، لن يتمتع مجلس النواب والحكومة بصلاحياتهما، ويبقى كل عملهما منقوصا وغير ميثاقي».
وفي العاصمة بيروت، لم يتم الكشف عن هوية المستهدف من الضربة الإسرائيلية على منطقة البسطا الفوقا فجر السبت في قلب العاصمة. وبدا من غير الممكن الحصول على معلومات، باعتبار أن «حزب الله» لن يكشف لإسرائيل وغيرها عن أسماء قادته الميدانيين الجدد. وهو نعى مسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف بعد ضربة رأس النبع الأحد الماضي، باعتباره شخصية معروفة تطل على الناس. في حين أن الآخرين يعملون في الظل، شأن محمد ماضي الذي استهدف بضربة في شارع مار الياس الأحد الماضي أيضا.
وفي أي حال، لا يمكن لإسرائيل التلطي خلف استهداف شخصيات أمنية عسكرية، لتبرير قصف مناطق سكنية وزهق أرواح ضحايا مدنيين أبرياء.
وصدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الآتي «إن استهداف العدو الإسرائيلي بشكل مباشر مركزا للجيش في الجنوب وسقوط شهداء وجرحى يمثل رسالة دموية مباشرة برفض كل المساعي والاتصالات الجارية للتوصل إلى وقف النار وتعزيز حضور الجيش في الجنوب وتنفيذ القرار الدولي 1701، وهذا العدوان المباشر يضاف إلى سلسلة الاعتداءات المتكررة للجيش وللمدنيين اللبنانيين، وهذا أمر برسم المجتمع الدولي الساكت على ما يجري في حق لبنان. إن رسائل العدو الإسرائيلي الرافض لأي حل مستمرة. وكما انقلب على النداء الأميركي ـ الفرنسي لوقف إطلاق النار في سبتمبر الماضي، ها هو مجددا يكتب بالدم اللبناني رفضا وقحا للحل الذي يجري التداول بشأنه. إن الحكومة التي عبرت عن التزامها بتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 وتعزيز حضور الجيش في الجنوب، تدعو دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية إلى تحمل مسؤولياتها في هذا الصدد».