الشباب اللبناني والحرب: لغة جديدة تصنعها الأزمات أم تهدد الهوية؟
الشباب اللبناني والحرب: لغة جديدة تصنعها الأزمات أم تهدد الهوية؟

أخبار البلد - Saturday, November 23, 2024 8:35:00 PM


د. سارة ضاهر – رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان

في شوارع لبنان، تتردد أصوات بلغة جديدة تمامًا، ليست عربية تقليدية ولا إنجليزية صافية، بل مزيج فريد صنعته الأزمات المتكررة. هذه اللغة، التي ولدت من رحم الحرب الاقتصادية والتوترات الأمنية، تعكس روح الشباب اللبناني وتحدياتهم اليومية. لكنها تثير تساؤلات كبيرة: هل هذه اللغة تعبر عن إبداع جيل يواجه أزمات وجودية أم أنها تهدد هويتنا الثقافية؟

"طوابير الذل": هل الكلمات تُخدّر الغضب؟
في صيف لبنان الحارق، مشاهد السيارات التي تنتظر ساعات أمام محطات الوقود أصبحت يومية. مصطلح “طوابير الذل” ليس مجرد وصف لحالة الانتظار الطويلة، بل هو رمز للاحتقان الجماعي والانهيار الاجتماعي.
وعندما يُطلق البعض على الأفران التي تبيع الخبز اسم “مسرح الإهانة”، نرى كيف تختصر الكلمات شعورًا بالخيانة من نظام يترك شعبه عرضة للإذلال. لكن، هل يكفي هذا الغضب اللفظي؟ أم أن الشباب يكتفون بابتكار عبارات تعبر عن إحباطهم دون البحث عن حلول عملية؟

"بلد اللادولة" و"الدولار الطائر"
في ظل التدهور الاقتصادي، أصبحت تعبيرات مثل “الدولار الطائر” جزءًا من القاموس الشعبي، حيث لم يعد الدولار عملة ثابتة، بل كائنًا يتحكم في مصير الجميع.
أما تعبير "بلد اللادولة"، فقد تحول إلى شعار يومي يعبر عن فقدان الثقة بالمؤسسات، معلقًا على الوضع العام. لكن يبقى السؤال: هل هذه العبارات توصيف للواقع أم أنها تُكرّس فكرة العجز الجماعي؟

"السهام الطائرة" وصوت الحدود
مع تصاعد التوترات الأمنية على الحدود الجنوبية، دخل مصطلح “السهام الطائرة” إلى قاموس الشباب اللبناني، لوصف حالة القصف المستمر من الجانب الإسرائيلي. يقول البعض بسخرية: "السهام عم تطير فوق رؤوسنا، وأحلامنا عم تندفن تحت الركام".

الكوميديا السوداء: السلاح المزدوج للشباب
"إذا الكهرباء انقطعت، ما في مشكلة… بنشحن بالبطاريات اللي بتشتغل على المعجزات"!
هذا المثال من الميمز التي يجيد الشباب اللبناني ابتكارها يعكس كيف تحولت السخرية السوداء إلى لغة جديدة للتعامل مع الواقع المأساوي.
وعلى "تيك توك"، ينتشر فيديو ساخر يقول فيه أحدهم: “صرنا نشوف الكهربا أكتر من أصدقائنا!” هذه النكات، رغم أنها تخفف من حدة المعاناة، تثير تساؤلات: هل هذه الفكاهة مقاومة للحالة أم استسلام لها؟

"بيتنا صار حقيبة": النزوح في ظل التوتر
مع تزايد القصف على المناطق الجنوبية، أُجبر العديد من العائلات على النزوح إلى مناطق أكثر أمانًا. تعبير "بيتنا صار حقيبة" يعكس هذه الحالة، حيث تحول الشعور بالاستقرار إلى رفاهية غير متوفرة، ليصبح التنقل عنوانًا للوجود اليومي.

"اقتصاد الحرب" و"الدولار الأسود"
حتى الاقتصاد اللبناني لم يسلم من تأثير الحرب. أصبح مصطلح "اقتصاد الحرب" شائعًا للإشارة إلى النظام المالي الذي يتأثر بالنزاعات، بينما يصف "الدولار الأسود" السوق السوداء التي تهيمن على المشهد الاقتصادي. في النقاشات اليومية، يقول البعض: "الدولار الأسود صار هو اللي بيحكمنا، مش الحكومة".

أمثلة من قاموس الحرب
- "تسعيرة الدولار": تعبير يعكس السيطرة التامة للدولار على تفاصيل الحياة اليومية.
- "دولة الكبتاغون": مصطلح ساخر يعبر عن السمعة السلبية التي أُلصقت بلبنان عالميًا.
- "عيش على النكاية": فلسفة شباب يرفض الاستسلام، حيث يقولون: "إذا ما بدكن نعيش، منعيش غصب عنكن".
- "لبنان الكبير صار لبنان التعيس": عبارة تختصر الإحباط من الواقع السياسي والاقتصادي.

هل هذه اللغة تخدم السلطة أم تحاربها؟
عندما يستخدم الشباب عبارات مثل "هيدا بلد اللاشي"، هل يعبرون عن غضبهم أم يُطبعون مع الفشل؟ هذه اللغة قد تكون أداة للتنفيس، لكنها قد تتحول إلى وسيلة تُبقي الشباب عالقين في دائرة الإحباط دون فعل حقيقي.

هل اللهجات المحلية تهدد الفصحى؟
بينما تتسع رقعة اللهجات المحلية واللغة الهجينة بين العربية والإنجليزية، تُطرح تساؤلات حول مستقبل اللغة الفصحى. يقول البعض إن الفصحى تفقد مكانها لأنها لا تعبر عن الواقع اليومي، بينما يرى آخرون أنها تظل مصدرًا للقوة الثقافية والتاريخية.

الكلمات ليست كافية
الشباب اللبناني أبدع في صياغة قاموس جديد يعبر عن معاناته اليومية مع الحرب والأزمات. لكن هذه اللغة، رغم قوتها التعبيرية، ليست الحل. الكلمات وحدها لا تغير الأنظمة ولا تقدم حلولًا.
إذا أراد هذا الجيل أن يُحدث فرقًا، عليه أن يتجاوز حدود الكلمات إلى الأفعال. هل ستظل لغة الشباب مجرد وسيلة للتكيف، أم أنها ستتحول إلى أداة لصناعة مستقبل أفضل.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني