شانتال عاصي - الديار
تحت وطأة الصراعات المتكررة، يعاني لبنان من نزيف مستمر في مقدراته البشرية والاقتصادية. ومع كل صراع، تزداد الأعباء على المجتمعات المتضررة، حيث لا تقتصر الخسائر على الأرواح والممتلكات، بل تتعداها لتشمل البيئة. فالحروب تلحق أضرارًا جسيمة بالتربة والمياه، مما يهدد الأمن الغذائي ويقوض قدرة المجتمعات على تلبية احتياجاتها الأساسية. هذه الآثار البيئية السلبية تعرقل جهود إعادة الإعمار والتطوير، مما يطيل أمد المعاناة ويحرم الأجيال المقبلة من مستقبل مستدام.
التربة هي الركيزة الأساسية للأمن الغذائي والتنمية المستدامة، خاصة في الدول التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل. فهي توفر البيئة اللازمة لنمو المحاصيل، وتدعم سبل عيش ملايين الأشخاص. في لبنان، تشتهر الأراضي بخصوبتها وتنوعها الزراعي، مما يجعلها مساهماً رئيسياً في الأمن الغذائي الوطني.
ولكن هذه الخصوبة تتعرض للخطر جراء الصراعات المسلحة التي تؤدي إلى تدهور التربة وتلوثها. فعمليات القصف والتفجير تسبب أضرارًا جسيمة للتربة، مما يؤدي إلى فقدان خصوبتها وتدهور جودتها، وبالتالي تهديد الإنتاج الزراعي وتقويض الأمن الغذائي.
أنواع أضرار التربة الناجمة عن القصف
- الأضرار المادية المباشرة: تتعرض التربة لأضرار جسيمة نتيجة القصف، والتي تتجلى بشكل واضح في التدمير المباشر لطبقتها السطحية، وهي الجزء الأكثر خصوبة فيها. تؤدي الانفجارات الناجمة عن القنابل والألغام إلى تشكيل حفر عميقة وإزاحة كميات كبيرة من التربة، مما يقلل بشكل كبير من قدرتها على الاحتفاظ بالماء والمغذيات الضرورية لنمو النباتات. بالإضافة إلى ذلك، فإن التغيرات التي تحدث في تضاريس الأرض نتيجة للقصف تزيد من خطر التآكل، حيث تجرف المياه والأمطار الطبقة السطحية الخصبة، مما يؤدي إلى تدهور جودة التربة وفقدان خصوبتها.
- التلوث الكيميائي: يترك القصف آثارًا مدمرة في البيئة، حيث تؤدي إلى تلوث التربة بمجموعة متنوعة من المواد السامة، بما في ذلك المعادن الثقيلة مثل الرصاص والزرنيخ والزئبق. تتسرب هذه المواد إلى التربة من خلال الذخائر غير المنفجرة والمتفجرات، وتبقى فيها لفترات طويلة، مما يجعلها غير صالحة للزراعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الأسلحة الكيميائية والقنابل التقليدية يؤدي إلى إطلاق مواد ضارة في التربة، مما يشكل تهديدًا خطرًا على الصحة العامة والبيئة. فالمحاصيل المزروعة في هذه التربة الملوثة تمتص المواد السامة، وتنتقل هذه السموم عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
- التآكل والتصحر: يساهم القصف بشكل كبير في تدهور الأراضي وتسريع عملية التصحر. فالتدمير واسع النطاق للغطاء النباتي، سواء كان ذلك بسبب الحرائق الناجمة عن القصف أو إزالة الغابات لأغراض عسكرية، يكشف التربة عن عوامل التعرية، مما يؤدي إلى فقدان الطبقة السطحية الخصبة وجرف التربة. وبالتالي، تفقد الأراضي قدرتها على الاحتفاظ بالماء والمغذيات، مما يجعلها غير صالحة للزراعة ويحولها إلى أراضٍ قاحلة.
التأثير في الأمن الزراعي
إن الأضرار التي تلحق بالتربة أثناء القصف لها عواقب وخيمة على الأمن الزراعي، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد واستقرار الغذاء. وفي لبنان، حيث تؤدي الزراعة دوراً هاماً في الاقتصاد الريفي، فإن تدهور التربة يعطل إنتاج الغذاء وسبل عيش المزارعين. وفي ما يلي بعض الطرق الأساسية التي يؤثر بها الضرر الذي يلحق بالتربة بسبب الحرب على الأمن الزراعي:
- فقدان غلة المحاصيل: يؤدي تدهور التربة الناتج من القصف إلى انخفاض كبير في غلة المحاصيل. فالأضرار التي تلحق بالتربة، مثل التلوث والتآكل، تؤدي إلى نقص العناصر الغذائية الأساسية وتدهور بنيتها، مما يجعل من الصعب على النباتات النمو والازدهار. وبالتالي، تنخفض كمية الإنتاج الزراعي، مما يؤدي إلى نقص الغذاء وارتفاع أسعاره، وزيادة الاعتماد على الاستيراد، مما يهدد الأمن الغذائي للسكان.
- الصعوبات الاقتصادية للمزارعين: تعتمد المجتمعات الريفية في لبنان بشكل كبير على الزراعة في معيشتها. إن المزارعين الذين يرون أراضيهم مدمرة بسبب القصف لا يواجهون خسارة فورية في الدخل فحسب، بل يواجهون أيضاً تحديات طويلة الأجل في إعادة بناء أنشطتهم الزراعية. وفي كثير من الحالات، يضطر المزارعون إلى التخلي عن أراضيهم إما لأنها أصبحت خطرة جدا للزراعة أو ملوثة جدا بحيث لا يمكن زراعة الغذاء بأمان. ونتيجة لذلك، قد يضطر السكان الريفيون إلى الهجرة إلى المراكز الحضرية بحثاً عن عمل، مما يزيد من الضغط على البنية التحتية الحضرية المتوترة بالفعل ويزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي.
- المخاطر الصحية الناجمة عن المنتجات الملوثة: تشكل التربة الملوثة تهديدًا مباشرًا لصحة الإنسان، خاصة في المناطق التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء. فالمحاصيل المزروعة في تربة ملوثة بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية تمتص هذه السموم وتنقلها عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان، مما يؤدي إلى العديد من الأمراض المزمنة. وبالتالي، فإن تلوث التربة لا يهدد فقط الإنتاج الزراعي، بل يعرض أيضًا سلامة الغذاء للخطر، مما يمثل تحديًا كبيرًا للصحة العامة.