كتب أحمد منصور في “الأنباء الكويتية”:
بات من الواضح أن سياسة تدمير المدن اللبنانية ومسح القرى الحدودية التي تعتمدها إسرائيل، مستمرة بلا هوادة ودون أي رادع.
الدور على «مدينة الحضارة» صور، رابع أكبر مدينة لبنانية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والتي تأسست في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكانت واحدة من أهم حواضر العالم في العهد الفينيقي.
تتعرض صور، التي تعاقبت عليها الحضارات والأمم، لأبشع وأشرس أنواع التدمير والإبادة الإسرائيلية، لضرب وجودها وإلغاء هويتها.
هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية لا يفارق سماء المدينة، وهي تبث الخوف والرعب في نفوس الأهالي، وتصب حممها على الأحياء والأبنية السكنية التي تحولت إلى أهداف يومية لصواريخها التي لم توفر معالم المدينة وأسواقها، وكل ما تبقى من مقومات الحياة، لتعميم ثقافة الموت والتهجير، وقد تسببت بنزوح 70% من الأهالي، وتدمير حوالي 85% من مؤسساتها التجارية.
صور اليوم مدينة منكوبة ومفجوعة وجريحة، تصارع الموت للبقاء والحفاظ على وجودها وسط زنار النار الذي رسمته الطائرات الحربية الإسرائيلية، بعد عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق أهداف في المواجهة البرية.
وعلى رغم الآلام والجراح، يتمسك أبناء المدينة بإرادة الحياة، وخيار إعادة إعمارها ولو بعد حين مهما كانت التضحيات.
في هذا الإطار، تحدث نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي لـ «الأنباء» بحسرة كبيرة عن مشاهد المجازر والدمار والخراب التي لحقت بمدينته، وقال «كنا نعتقد أن صور لن تستهدف، وأنها في منأى من العدوان الإسرائيلي، كونها من المدن التي وضعت على خارطة التراث العالمي. إلا أن الإسرائيلي لا يقيم وزنا لأي اعتبار، فهاجم المدينة المسالمة ودك حصونها السكنية بأعتى وأحدث الصواريخ».
وأكد صبراوي «أن أحياء المدينة القديمة والحديثة، تتعرض يوميا لأعنف الغارات وقد تغيرت معالمها، وضربت قطاعاتها التجارية والسياحية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية».
وأضاف «لم يوفر العدوان الكورنيش البحري الذي يحمل اسم الرئيس نبيه بري، ويشكل أحد أهم المعالم السياحية في المدينة بعد آثارها، ويضم العديد من الفنادق والمطاعم والمؤسسات السياحية. للأسف تعرضت كلها للقصف وقطعت الطرقات وشوهت المدينة بصريا».
وأشار صبراوي إلى «أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة تسببت بتغيير معالم أحياء المدينة، وبات الأهالي يجدون صعوبة في التعرف على مواقع منازلهم».
وذهب صبراوي إلى أبعد مما يزعم به الجيش الإسرائيلي، بالقول «تحاول إسرائيل إلغاء تاريخ صور ومحاولة إزالتها عن الخارطة الدولية، وضرب عراقتها وجمالها ونموذج العيش المشترك والوحدة الوطنية التي تتجلى أبهى صورها فيها»، وتابع «تتحدث الصحف العالمية عن صور وتصفها بأهم مدينة سياحية في الشرق الأوسط، وثالث مدينة جمالية في العالم».
وأشار إلى «ان معظم أهالي المدينة غادروها بفعل الغارات، وبقي فيها حوالي 30%. والبلدية والعمال وكشافة الرسالة الإسلامية يعرضون أنفسهم للمخاطر والموت عند كل غارة أثناء تنفيذ عمليات الإغاثة وفتح الطرقات. وعلى رغم ذلك هناك ناس ترفض مغادرة المدينة».
مدير المواقع الأثرية في صور د.علي بدوي قال «لم تصب المواقع الأثرية في شكل مباشر، إذ ان الغارات حتى الساعة استهدفت المباني المحاذية لها. الا ان المواقع تعرضت لاهتزازات تسببت بها ضخامة الصواريخ».
وأكد بدوي ان وزارة الثقافة تحاول تعزيز حمايتها، وشدد «على ان الدولة تبذل جهودا كبيرة لحماية تلك المواقع».
ولفت إلى «وجود أضرار في قلب مدينة صور التاريخية، خصوصا في مكاتب المديرية العامة للآثار، وبما يعرف بمنى الإنجليز او الكنيسة الإنجيلية القديمة. وقد استهدف الطيران منزلا في الحارة، وأدى إلى تضرر بعض المنشآت التاريخية، لأن معظم حارة صور مبنية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتضم كنيسة تديرها المديرية العامة للآثار، ومبنى المديرية العامة للآثار».
وشدد بدوي «على رمزية وأهمية صور عبر التاريخ»، وأبدى خشيته من تطور الأوضاع نحو الاسوأ وتعرض المواقع الأثرية للأذى في شكل مباشر «كون الحرب لم تنته بعد».
في حين قال أمين سر جمعية تجار صور غزوان حلواني «ما تقوم به إسرائيل ليس تدميرا للمدينة فقط، بل ازالة لمعالمها عن الخريطة».
وذكر ان صور «مدينة نموذجية وتعتبر لؤلؤة المتوسط، وتخلق أزمة للعدو الصهيوني، الذي لم يعجب برؤية جمال وسحر هذه المدينة العريقة، فحولتها إلى مدينة منكوبة».
وشدد على «ان الأسس الأساسية للسياحة تم تدميرها من مقاهي ومطاعم وأسواق تجارية ومؤسسات»، وذكر «ان الأوضاع صعبة للغاية».
وتابع «الموسم التجاري سحق وكذلك الجهد الذي مورس خلال أعوام طويلة من التعب. للأسف الشديد نرى اليوم المدينة تدمر أمام أعيننا ولا يمكننا ان نفعل شيئا».
وختم «تعتمد صور على التجارة والسياحة، وستعود إلى سابق عهدها لؤلؤة المتوسط وستنهض من بين الركام. وستبقى عصية على الإسرائيلي كما كانت في الحروب السابقة».