بيروت ـ عامر زين الدين
مشهد تجمع أعداد من اللبنانيين يحملون آلات التصوير أو الهواتف المحمولة قبل وأثناء تنفيذ الغارات الحربية الجوية الإسرائيلية وما بعدها، في إطار الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على لبنان، بات أمرا مألوفا جدا وعاديا، وظاهرة تبدو في ازدياد مطرد وعلى نحو أكبر وأشمل.
فاللبناني الذي عاش ويلات الحروب أصبح معتادا تلك الأجواء، ولم يعد في قاموسه الخوف حيال مشاهد خطف الأنفاس وعصف الصواريخ. فبعد بدء الحرب الأهلية عام 1975 (انتهت في 1990)، خبر اللبنانيون حربي 1982 و2006 مع إسرائيل، وبينهما حرب «عناقيد الغضب» في 1996.
لكن الحرب هذه المرة مختلفة تماما عن عدوان 2006 وأكثر ضراوة وقساوة بحسب الخبراء العسكريين المواكبين للحروب اللبنانية مع إسرائيل.
وتأتي هذه الاستنتاجات لناحية توسيع نطاق بنك الاستهدافات، وما يتأتى عنها من حجم للدمار ألحقته بالقرى والبلدات الحدودية تحديدا، والتي باتت أرضا محروقة غير قابلة للحياة، بعدما فاق إلى حد بعيد ومضاعف ما حصل في العدوان الماضي، وتاليا استخدام أسلحة متطورة تبرزها وسائل التواصل الاجتماعي.
يخرج المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي للقسم العربي أفيخاي أدرعي برسالة تحذيرية نصية في حسابه على منصة «إكس» موجهة إلى اللبنانيين، يزعم فيها ضرب هدف معين أو أكثر، ويجري تحديده على الخريطة المرفقة باللون الاحمر. ويسارع المواطنون إلى الانتشار في محاذاة النقطة المحددة لترقب تنفيذ الضربات الجوية.
وبغض النظر عن الغاية من وراء التحذير، عما اذا كانت مرتبطة بالحصول على معلومات أمنية من جراء تناقل الاتصالات كما يجري الحديث عن ذلك، أو إنها تحذيرية بحتة لإبعاد المدنيين كما تزعم تلك الرسائل، يتم التعاطي معها أحيانا على نحو مثير ومعاكس تماما.
ثمة مجموعات من المواطنين ممن تعايشوا مع هذه الحالة، يسارعون إلى مكان قريب من الموقع ويسبقون المصورين الصحافيين، كما يقول احد المصورين الحربيين لـ «الأنباء»: «نصل إلى المكان فنجد العشرات قد سبقونا واحتلوا المواقع المطلة بكاميراتهم وهواتفهم، الأمر الذي يشكل إرباكا كبيرا لعملنا ودقة تعاملنا مع اللحظة في التصوير، كما يجري أكثر الأحيان بالنسبة إلى الغارات على منطقة الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت».
فوجود مجموعات كبيرة من الأشخاص يتجمهرون دون خوف أو قلق على مصير حياتهم، لنقل مشاهد الغارات من لحظة إطلاق الصاروخ وانفجاره والدمار الذي يخلفه، لم يعد «السكوب الإعلامي» مقتصرا فيه على المصورين ومندوبي المحطات والقنوات التلفزيونية، الذين يقومون بدورهم المهني، بل تعداهم إلى أناس ينقلون بالصورة والصوت تلك المشاهد وأحيانا في شكل مباشر.
معظم هؤلاء من جيل الشباب الذي لم يعرف الحروب، لكنه يعكس بحضوره قوة هذا اللبناني، المؤمن بوطنه والمتمسك بترابه، غير الآبه بقوة وأنواع الصواريخ المدمرة. وهو يثبت كما يقول أحدهم ويدعى زياد «من خلال تلك الوقفة صمودا معينا ورفضا للحرب، والقصة أكثر من مجرد التقاط صورة معينة».
في المقابل، يناشد محمد «لا تصوروا الغارات على الضاحية، ولا تساعدوا العدو بأهداف الغارات، ولا تعملوا سبقا صحافيا على حساب نفسيات الناس، ولا تنشروا وتتناقلوا الصور والفيديوهات، وكونوا على قدر المسؤولية».
مشاهد الحرب على لبنان ومسح وتدمير أحياء وقرى بكاملها في الجنوب، وأبنية ومجمعات سكنية في الضاحية والبقاع وبعلبك، وصور الضحايا والجرحى إلى العالقين تحت الانقاض وسوى ذلك من المشاهد الدموية، انما تضع اللبنانيين مرة جديدة أمام اختبارات عدة، وربما أقلها إيلاما مشاهد النزوح السكاني لأكثر من مليون و200 شخص ممن فقدوا منازلهم أو أحباء لهم أمام هول المجازر.
لعله معروف عن اللبناني انه يستطيع التكيف مع الازمات على حدتها، ويعيش التناقضات في وقت واحد، بين فظاعات الحرب والضربات الاسرائيلية ومع السهر والمناسبات والحفلات. وهذا التأقلم مع صراع الواقع، يجعل التعايش مع الظروف الصعبة، سمة مهمة له. من اجل اكمال الحياة بشكلها الطبيعي ولو في حدها الادنى، بغض النظر عن انقسام المجتمع اليوم حول اسباب ونتائج الحرب وتداعياتها الكثيرة.
الشاب اللبناني يوثق اللحظة بالصورة والكلمة والمشاهدة، ويدون بذاكرته فصلا جديدا من صفحات تاريخ بلده. يقول احد المعلقين: رسائل التحذير الاسرائيلية ددللمدنيين لإبعادهم 500 متر عن الهدف ام لتقريبهم؟!