كمن ينتظر آخر حبّات الرمل حتى تسقط من تلك الساعة المشؤومة ويصدر حكم الاعدام، هكذا انتظرت عائلتا شربل ونجيب حتي الخبر المشؤوم... قرطبا برمّتها انتظرت عودة الأبطال لتحتفل "بعرسهم"!
هكذا قالوا... ولكنني سأقول لكم شيئا آخر، تخيّلوا معي أنكم آباء وأمهات، ثم تخيّلوا أنكم سمعتم انفجار المرفأ وأنتم على دراية بأن أبناءكم هم عناصر في فوج الاطفاء الذي أرسلوه كي يموت هناك باسم التضحية والوفاء لوطن لم يقدم لهم الا المصائب والفقر!
هل تستطيعون أن تشعروا بدقات قلوبكم تتسارع؟ هل أزعجكم الموقف؟ اذا استريحوا لأنه صورة من نسج الخيال! حسنا هذا ما عاشه واقعا اهالي الشهداء حتّى اليوم.
أيام مضت على انفجار المرفأ... أيام وكأنها دهر خطفت أطياف الغوالي وابتعدت هاربة... أيام غريبة وطويلة وصعبة لم تترك لتلك الأمهات الا صورا وذكريات لصغارهن... بالأمس ركضوا ليلعبوا ومنذ أسبوع ركضوا ليطفئوا حريق المدينة واليوم ركضوا نحو السماء حيث لا زعماء ولا سياسة ولا اجرام ولا خائنين...
شربل ونجيب حتّي قريبان، شابان من عائلة واحدة قتلتهما قلة ضمير الحكام نفسها، تركا منزليهما وتوجها الى المرفأ... وانتهت القصة!
هل تتخيلون أن يدنو أحد منكم يوما ما ويقول: "وجدنا أشلاء ابنك أو شقيقك أو زوجك؟؟؟"! أشلاء، أشلاء..."!
في الواقع تختنق الكلمات أمام الفاجعة التي أصابت هذه العائلة، التي لا تزال تنتظر خبرا عن شربل كرم زوج شقيقة نجيب.
ما أظلم النهايات المؤلمة وما أصعب الواقع الذي لم يتعلم بعد كيف يختم ويضمد جروح أمهات نزفن أرواح أبنائهن في هذه البقعة من الأرض!
عذرا أيها الشبان... عذرا قرطبا... أبناؤك قدموا الاندفاع والشجاعة والرجولة و"حكام" المرفأ لم يقدموا لهم الا الموت... المسيح قام