الانباء
بعد دخول الحرب الإسرائيلية على لبنان شهرها الثاني، ثمة هواجس بدأت تؤرِق، وأسئلة بدأت تُطرح ومن الواجب رفعها بشكل صارخ قبل أن تقع الواقعة ويحدث الانفجار.
محور الأسئلة والهواجس يتعلق بنحو 250 الف عائلة نزحت منذ 23 سبتمبر الماضي واستأجرت شققاً في المناطق الآمنة (أو ربما أقامت في فنادق)، في موازاة 250 الف شخص أقاموا في مراكز إيواء رسمية. وبحسب ما بيّنت الوقائع، فإن بدل الإيجار، ونظراً الى كثافة الطلب على الشقق، قد ارتفع خمسة أضعاف بحيث بات إيجار الشقة لا يقل عن 1500 دولار في الشهر الواحد. وإذا أضفنا الى كلفة الإيجار، كلفة المعيشة الشهرية للعائلة النازحة والمقدّرة بنحو 1500 دولار في ظل غلاء الأسعار المبرّر اقتصادياً بازدياد الطلب على الاستهلاك في مناطق النزوح، فإن كل عائلة نازحة تكون بحاجة الى 3 آلاف دولار شهرياً موزعة بين الإيجار والمعيشة.
والسؤال المطروح هنا: كم يمكن للعائلات النازحة المقيمة خارج مراكز الإيواء الصمود والمضي في تحمّل الأكلاف الشهرية في وقتٍ توقفت أشغال الكثيرين جراء الحرب؟
سؤال مشروع يجيب عنه خبراء اقتصاديون بالقول إن 70 % من هذه العائلات غير قادرين على الاستمرار في الاستئجار أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر. وبعد انقضاء هذه المدة، إما أن توفر لهم الحكومة المساعدة المادية أو تؤمّن لهم مراكز إيواء فينتقلون اليها، أو أن يتوقفوا عن دفع الإيجار فتقع المواجهة مع أصحاب العقارات وتنفجر بالتالي اجتماعياً.
وفي شهادة لأحد النازحين وهو ربّ عائلة، قال لـ"الأنباء" إنه تهجّر منذ بدء الحرب أكثر من مرة. "وكانت البداية من الجنوب الى الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم من الضاحية الى فندق في منطقة الأشرفية"، مكث فيه أسبوعاً مع عائلته ريثما عثر على منزل للإيجار. "لكنّ البدل كان مرتفعاً جداً"، فبدأ رحلة البحث عن شقة أخرى أقل كلفة، وجدها بعد عناء وسينتقل اليها مطلع شهر نوفمبر.
وأكد أن "مشكلة أخرى ستظهر مع بداية الشهر الجديد، لأن أكثر النازحين لا يملكون مخزوناً كافياً من المال للاستمرار في دفع الإيجار شهرين وثلاثة أشهر". وأضاف :"لا أحد يعلم ما إذا كانت الحكومة ستهتم بنا وتسأل، لكن الأكيد أننا أمام مشكلة كبرى والاستمرارية صعبة جداً من دون مساعدات".
وقال نازح آخر لـ"الأنباء" إنه حين قصد مناطق الجبل بحثاً عن منزل، "كان سقف الإيجار الأدنى 1500 دولار"، فيما هو غير قادر لا على هذا المبلغ ولا على 1000 دولار ولا حتى على 500 دولار، فما كان أمامه الا المكوث في منزل صديق له يؤوي عشرين رجلاً. أما زوجته فتدبرت أمرها مع مجموعة من النساء في منزل آخر. وأقامت ابنته الكبرى عند الأقارب في منزل تقطن فيه خمس عائلات، لكنه لا يضم سوى حمام واحد ينتظرون أمام بابه بالطابور. ويضيف :"لم يسأل عنا أحد ولم نرَ شيئاً من المساعدات التي يُحكى عنها، وناطرين رحمة الله والفرج".
منذ اليوم الأول بدأت مطالبة الحكومة بخطة استباقية لمواجهة ما يمكن أن تؤول اليه أوضاع نازحي الشقق السكنية في حال طال أمد الحرب، مع التشديد على أهمية تشكيل لجان إحصائية لتصنيف هؤلاء النازحين تبعاً لقدراتهم المادية، على أن تلحظ الخطة مثلاً مساعدة بالإيجار أو تخفيفاً لبدلاته أو مساعدة على خط المعيشة اليومية. وفي جميع الأحوال، يبقى المَخرج الأنسب لنزع فتيل الانفجار الاجتماعي هو إنهاء الحرب وفتح فصل العودة وإعادة الإعمار.