العربي الجديد
ريتا الجمّال
تصف اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) حجم المأساة الإنسانية في لبنان بـ "الهائل"، معبّرة في حديثٍ خاص لـ"العربي الجديد" عن بالغ قلقها إزاء العائلات التي تواجه صعوبات في إيجاد مراكز إيواء ومواد غذائية ومياه نظيفة، والتي تفتقر إلى الرعاية المنقذة للحياة التي هي في أمسّ الحاجة إليها.
أجرى "العربي الجديد" حديثاً شاملاً ومفصّلاً مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أشارت خلاله إلى أنه "مع تصاعد حدّة النزاع، وبحسب أرقام السلطات اللبنانية، نشهد نزوح نحو 1.2 مليون شخص من منازلهم مرّة أخرى، وقد عانى الكثير منهم بالفعل عمليات نزوح متعدّدة بسبب النزاعات السابقة". أضافت: "هذه العائلات، التي تحمل في قلوبها وعقولها ندوباً نفسية وجسدية من الأزمات السابقة، تجد نفسها الآن في وضعٍ أكثر خطورة. ما من منازل يعودون إليها، وفقد عددٌ كبيرٌ منهم كلّ شيء في قراهم. الشوارع تكتظ بالناس، في حين أنّ مراكز الإيواء تجاوزت سعتها الاستيعابية بشكلٍ كبيرٍ وباتت تكافح لتلبية الاحتياجات المتزايدة".
ولفتت إلى أنّ "حجم الأزمة الإنسانية هائل، ومن الضروري أن تتّخذ جميع الجهات المعنيّة خطوات سريعة لتقديم الدعم العاجل والحماية إلى الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها". وقالت إنّ "معاناة السكان هائلة. يؤثر النزوح والمصاعب الاقتصادية والنزاع المستمرّ على كلّ جانب من جوانب الحياة اليومية، وتترك هذه المسائل ندوباً عميقة على أحلام الناس ورفاههم. وأجبرت الأعمال العدائية عائلات بأكملها على الفرار من منازلها، علماً أنّه لم يكن لديها إلّا القليل من الوقت لجمع أمتعتها الشخصيّة، تاركةً وراءها سبل عيشها".
وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ "الاحتياجات لا شكّ كانت موجودة قبل التصعيد الأخير، وزادت حدّتها نتيجة النزوح. كانت اللجنة الدولية بالفعل تعمل على تلبية هذه الاحتياجات في المناطق القريبة من الحدود، وفي القرى الواقعة بين 5 و10 كيلومترات من الخط الأزرق، إذ وزعنا المواد الغذائية على حوالي 9000 وقدمنا مساعداتٍ نقدية، لكن اضطررنا إلى تعليقها مع تغيّر الأوضاع. نحن الآن في صدد طلب تمويل ورصد موارد إضافية لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً".
وتبين في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنّ "التداعيات الإنسانية للنزاع هي أكثر ما يشغل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ يتحمّل المدنيون حتماً العبء الأكبر في أوقات الحرب. وإذا تصاعد النزاع أكثر، فسيكون المدنيون الأكثر معاناة، وسيواجهون مخاطر أكبر على سلامتهم، ويعانون النزوح وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية. ويتمثّل دورنا في الحدّ من آثار النزاعات المسلّحة من خلال أنشطتنا في مجال الحماية وبرامج المساعدة التي نقدّمها".
وتوقفت اللجنة عند عبور مئات العائلات الحدود إلى الأراضي السورية في سيارات الأجرة أو الحافلات أو سيراً على الأقدام، "إذ وصلت مرهقة ومنهكة، تجهل ما قد يخبئه لها المستقبل. بعد رحلتها الطويلة وساعات من الانتظار في الدور، كانت هذه العائلات في أمسّ الحاجة إلى المياه والطعام والرعاية الطبيّة الأساسية، إضافة إلى الوصول إلى المراحيض المتنقلة. استجابت بعثة اللجنة الدوليّة في سورية، بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري، لتلبية الاحتياجات الأساسية الطارئة، بما في ذلك توزيع زجاجات مياه وتقديم الرعاية الصحيّة في حالات الطوارئ، وتنظيم حملات تنظيف وتركيب مراحيض متنقلة، كما أنها ساعدت الأفراد في التواصل مع أحبائهم في لبنان بعد وصولهم".
في سياقٍ متّصل بالاستهدافات الإسرائيلية على الأطقم الصحية والمستشفيات، تقول ICRC لـ"العربي الجديد"، إنّ "أيّ أذى يلحق بالطواقم والمرافق الطبّية غير مقبول. يجب في جميع الظروف احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية والمستشفيات والوحدات الطبية الأخرى، وسيارات الإسعاف ووسائل النقل الطبية التي تكون مُخصّصة حصراً لمهامّ أو أغراضٍ طبية، ويجب تيسير عمل هؤلاء الأفراد وتلك الخدمات".وتؤكد أنّ "العاملين الإنسانيّين والعاملين في المجال الطبّي يسعون لإنقاذ الأرواح"، داعيةً "جميع الأطراف إلى احترامهم وحمايتهم في كلّ الظروف"، مشددة في حديثها لـ "العربي الجديد" على أنها "تواصل حوارها الثنائي والسرّي مع أطراف النزاع لتذكيرها بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني. فمن واجبها احترام هذه الالتزامات والامتثال لها".
علاوةً على ذلك، تستمرّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دعمها للقطاع الطبي، ولا سيّما المستشفيات، بالتعاون أيضاً مع وزارة الصحة اللبنانية. وأبرز تأكيد لالتزام اللجنة الدولية بهذا الدعم هو وضع حصول الجرحى والمرضى على رعاية طبية وجراحية عالية الجودة من ضمن أولويات اللجنة في ظل تصاعد النزاع.
من هذا المنطلق، أرسلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر فريقاً جراحياً متخصصاً لديه خبرة في معالجة إصابات الحرب إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، من أجل تقديم الرعاية المنقذة للأرواح والمساعدة في تخفيف العبء عن الطاقم الطبي المُنهَك هناك. وساهمت شحنة إمدادات طبية أرسلتها اللجنة الدولية إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي في وقتٍ سابق من هذا الشهر في تجهيز وحدة علاج الإصابات في المستشفى وإمدادها باللوازم الطبية الضرورية. وستساعد هذه الشحنة أيضاً في تجهيز وحدة مماثلة في مستشفى إلياس الهراوي الحكومي في قضاء زحلة بمحافظة البقاع، حيث سيتم قريباً نشر 10 اختصاصيين إضافيين في المجال الاستشفائي من اللجنة الدولية، منهم أفراد تمريض وأطباء.نزح أكثر من مليون و200 ألف في لبنان حتى الآن، 21 أكتوبر 2024 (فاضل عيتاني/ فرانس برس)
كما تدعم اللجنة الدولية مقدّمي الرعاية الصحية الأولية وخدمات الطوارئ قبل دخول المستشفى من خلال تقديم هبات بالأدوية والمواد الاستهلاكية وتنظيم أنشطة لبناء القدرات. وتقدّم أيضاً خدمات دعم الصحة النفسيّة والدعم النفسي والاجتماعي إلى النازحين داخلياً.
في أعقاب التصعيد في الأعمال العدائية في جنوب لبنان الذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كثّفت ICRC أنشطتها في مجال تعزيز مستوى الجهوزية في حالات الطوارئ والاستجابة لها، مُركّزة جهودها على ضمان إمكانية وصول السكان المتضرّرين من جرّاء النزاع إلى الخدمات الأساسيّة، بما في ذلك الرعاية الصحيّة والمياه والصرف الصحيّ، إضافة إلى الأمن الاقتصادي والغذائي.
أما مع تصاعد النزاع وحركة النزوح الكبيرة التي شهدناها، فقد قدّمت اللجنة الدولية، بحسب قولها لـ "العربي الجديد"، دعماً حيوياً إلى العائلات الضعيفة في لبنان، ووزّعت بطانيات وفرشاً وأدوات منزلية أساسية وحزمات من مستلزمات النظافة الشخصية في مراكز إيواء في أنحاء لبنان.يشهد لبنان، منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، عدواناً إسرائيلياً موسّعاً على أراضيه، خصوصاً في البقاع، بعلبك - الهرمل، الجنوب، والضاحية الجنوبية لبيروت ومحيطها، بعدما كانت المواجهات بين حزب الله والاحتلال محصورة في الخط الحدودي على مدى 11 شهراً تقريباً، مع تسجيل بعض الخروقات لما عُرف بـ"قواعد الاشتباك".
وأسفر العدوان عن استشهاد أكثر من 2600 شخص وجرح ما يزيد عن 12 ألفاً حتى الساعة، ونزوح نحو مليون و200 ألف شخص، ما اضطرّ المسؤولين والمعنيين إلى فتح مراكز للإيواء تخطّى عددها الألف. ووصلت غالبيتها إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، فيما سجّل الأمن العام عبور نحو 400 ألف مواطن سوري و160 ألف مواطن لبناني إلى الأراضي السورية.
وكثّف الاحتلال في الأيام الماضية استهدافه للأطقم الصحية، ما أسفر بحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة اللبنانية، عن استشهاد 168 مسعفاً، و275 جريحاً، في ما يشكل جريمة حرب. كما سجّل 55 اعتداءً على المستشفيات، 36 منها استُهدف بطريقة مباشرة، الأمر الذي أدّى إلى إقفال ثمانية مستشفيات قسراً، فيما تعمل سبعة أخرى جزئياً، عدا عن الاعتداءات التي طاولت الهيئات الإسعافية ومراكزها، وسيارات الإسعاف والإطفاء وآليات الإنقاذ.