أُدرج لبنان في "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF) يوم الجمعة 25 تشرين الأول 2024، مما يشكل خطوةً محورية في مسار الأزمة المالية المتفاقمة التي يعاني منها منذ العام 2019. هذا القرار جاء نتيجة لعدم قدرة السلطات اللبنانية على تنفيذ آليات فعالة لمكافحة الفساد وضبط الأسواق المالية، مما يضع البلاد في مأزق اقتصادي يتزايد عمقاً.
ترتفع الأعباء الاقتصادية على الحكومة اللبنانية منذ عام 2020، حين أعلنت الدولة على الملأ توقفها عن سداد اليورو بوند وبالتالي تعثرها المالي في ظل أزمة غير مسبوقة أدت إلى انهيار العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم التي سجلت في العام 2023 معدل 221% . وقد أصبح لبنان واحدًا من أكثر الدول تأثرًا بالأزمات الاقتصادية عالميًا، مما يهدد الاستقرار المالي والاجتماعي.
تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن الدول المدرجة في "القائمة الرمادية" تشهد عادةً انخفاضًا كبيرًا في تدفقات رؤوس الأموال، وهو ما ينذر بشلل النشاط الاقتصادي اللبناني ويزيد من عزلته المالية عن الأسواق العالمية. في الوقت نفسه، قد يؤدي ضعف الثقة في النظام المصرفي إلى نفور المستثمرين، مما يعقد فرص التعافي.
في حديثٍ لـ "vdlnwes" تناول الأستاذ الجامعي والإعلامي الدكتور غسان عبد القادر، مسالة إدراج لبنان في "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF)، مشيرًا إلى أن هذا القرار يشير أنّ لبنان يُصنف كدولة تخضع لتدقيق خاص بسبب الشكوك في قدرتها على الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأوضح الدكتور عبدالقادر أن مجموعة العمل المالي لا تُدرج الدول في هذه اللائحة بشكل مفاجئ، بل بعد سلسلة من الإنذارات والتحذيرات. فقد قامت مجموعة "فاتف" بزيارة لبنان قبل عام تقريبًا، حيث تم تقييم الوضع بشكل دقيق. وأقر لبنان خلال تلك الزيارة بأنه لا يمتلك المعلومات او الداتا الكافية اللازمة لمكافحة هذه الأنشطة مما شكل بحد ذاته قضية يجب التوقف عندها. كما كانت هناك تحذيرات دولية منذ العام 2022 موجهة إلى لبنان وقطاعه المصرفي والمصرف المركزي، تُطالبهم بالامتثال للمعايير والمتطلبات الدولية.
وأشار عبد القادر إلى أن هذا الإدراج من شأنه أن يفرض أعباء إضافية على المصارف، ما سينعكس سلباً على المواطنين العاديين وقطاعات أخرى من الاقتصاد. فمع زيادة الضغوط على النظام المصرفي، قد يواجه الأفراد صعوبات في الحصول على الخدمات المصرفية الضرورية، وقد يفضي ذلك إلى تفاقم الأزمات المالية والاجتماعية في البلاد.
وأضاف الدكتور عبد القادر إلى أن هذا القرار سيفاقم من التداعيات الاقتصادية والمالية لإدراج لبنان في "اللائحة الرمادية "لمجموعة العمل المالي تأتي في سياق تراجع الثقة في الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني بشدة منذ عام 2019. إذ سيؤدي ذلك حتمًا إلى انخفاض تدفقات رأس المال الأجنبي، مما يفاقم من الأزمات المالية التي يواجهها لبنان وسيخفّض القدرة الشرائية للفرد.
وأكد عبد القادر أن صعوبة الحصول التمويل الاستثماري وعلى القروض ستكون أحد أبرز النتائج المترتبة على هذا القرار، حيث سيواجه لبنان تحديات كبيرة عند تقديم طلبات قروض إلى بنوك أو مؤسسات مالية دولية. كما أشار إلى إمكانية تقييد التحويلات المالية، وزيادة الإجراءات التي قد تصل إلى حد منع هذه التحويلات، مما يعكس أبعادًا جديدة للأزمة الاقتصادية.
واعتبر أن الأحداث الإقليمية والمواقف الدولية للبنان يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، مشيرًا إلى أن ارتفاع تكاليف التمويل قد يؤثر بشكل سلبي على التصنيف الائتماني للدولة. وفي حالة اقتراض لبنان، ستزداد الفوائد المطلوبة، مما سيزيد من عبء الدين العام على دافعي الضرائب.
كما توقع الدكتور عبد القادر أن يؤدي وضع لبنان على اللائحة الرمادية إلى إحتمال دفع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي الى مستويات قاتمة وربما سوداء أدنى من الحالية. وهذا سيتسبب في اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء، مما يعيدنا إلى مشاكل خطيرة تتعلق بالاستقرار النقدي، وقد يؤدي إلى تثبيت سعر الصرف الرسمي عند حدود 89 ألف ليرة لكل دولار.
وتطرق أيضًا إلى القيود المتزايدة التي ستفرضها البنوك المراسلة، مشيرًا إلى أنه سيكون على اللبنانيين أو المغتربين الراغبين في تحويل الأموال تقديم عدد كبير من المستندات لإثبات الهدف من التحويل وابعاد الشبهة عنهم. وفيما يتعلق بالتحويلات، اعتبر عبد القادر أن إدراج لبنان في اللائحة الرمادية سيزيد من الشكوك حول استخدام الأموال القادمة من الخارج، مما سيؤدي إلى تأخير في إجراءات التحويل وزيادة تكاليفها، مما سيقلل من حجم التحويلات.
وأفاد بأن مصرف لبنان يبذل جهودًا لتقديم صورة إيجابية عن التزامه بالإصلاحات، ولكن النتائج على الأرض لا تعكس ذلك. فبينما يسعى المصرف لتطبيق بعض الإجراءات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن النجاح في ذلك يتطلب أيضًا إصلاحات جذرية من الدولة اللبنانية، تشمل تعزيز استقلالية الجهات القضائية ومكافحة الفساد بكافة أشكاله. حيث أوضح عبد القادر أن لبنان يتراجع عامًا بعد عام على مؤشر الشفافية، مما يستدعي ضرورة التعاون مع المجتمع الدولي للحصول على دعم فعّال للإصلاحات المطلوبة.
وفي ختام حديثه، شدد على أهمية وضع خطة اقتصادية واضحة لمواجهة الأزمة الممتدة، مؤكدًا أن الحكومات السابقة والنظام السياسي لم يبذلا الجهود الكافية لوضع استراتيجيات فعالة. وأعرب عن أمله في أن يؤدي انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة إلى إحداث تغييرات إيجابية تُخرج لبنان من هذه الأزمات، شريطة الالتزام بخطط واضحة وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص، وبالأخص مع جمعية المصارف.
باختصار، فإن إدراج لبنان في "اللائحة الرمادية" ليس مجرد تصنيف، بل هو جرس إنذار يجب أن يدفع جميع الأطراف، سواء الحكومة أو المصارف، إلى اتخاذ إجراءات فعالة لتحسين الوضع المالي والاقتصادي في البلاد.