يحيى دبوق - الاخبار
لم يكن في وسع إسرائيل أن لا تهاجم إيران؛ فهي تدرك أن الإحجام عن الردّ على الهجمات الإيرانية، كان سيمهّد لهجمات لاحقة، كما لتراجع الردع والمكانة الإقليمية لإسرائيل، فضلاً عن أنه سيعطي إشارة إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، بأن كل ما بُني في فلسطين المحتلة، قد بدأ مسار تداعيه. لكن، هل حقّقت إسرائيل ما أرادت؟
انتقلت الكرة الآن إلى الملعب الإيراني، حيث سيكون على صانع القرار أن يفاضل بين الردّ على الردّ بما يؤدي - وفقاً لتقديرات مرجّحة - إلى سلسلة ردود وردود مضادة وصولاً إلى تصعيد إقليمي كبير، سعت تل أبيب وواشنطن إلى تجنّبه، كما يبيّنه الهجوم الإسرائيلي نفسه، حجماً وإضراراً وإخطاراً مسبقاً؛ والثمن الذي سيدفعه الجانب الأميركي لامتناع طهران عن الردّ، سواء ما يتعلّق بمصالح إيرانية مباشرة مرتبطة بالحرب الدائرة في كل من لبنان وغزة، و/ أو غيرها من مصالحها المتّصلة بمجمل الصراع والمواجهة الحالية.
وبين هذا وذاك، سيأخذ الجانب الإيراني وقته لتحديد وجهة قراراته، بين الردّ، والردّ المحدود المصحوب بعوائد ومنافع، علماً أن هناك خيارات هجينة معتدّاً بها للجمع بين الخيارَين المشار إليهما. وكيفما اتُّفق، فإن عامل الوقت، وانتظار ما ستقرّره إيران، يُعدّان جزءاً لا يتجزأ ممّا سيأتي، سواء قرّرت التصعيد وما يمكن أن يؤدي إليه، أو التصعيد المدروس في مقابل أثمان ترتبط بالحرب نفسها. ويُرتقب أن يسبق القرار الإيراني، تجاذبات وتباينات على طاولة القرار في طهران، ليس في اتجاه الردّ أو اللاردّ، بل في طبيعته وحجمه وأذيته. وفي ظل ما تقدّم، يُتوقّع أن تكون الجمهورية الإسلامية أكثر حذراً إزاء الوعود الأميركية الهادفة في جانب منها إلى تبريد التوثب الإيراني، وليس شرطاً أن تكون وعوداً قابلة للتنفيذ، وهو ما حدث فعلياً أكثر من مرة.
على أن حجم الضربة وأذيتها، لم يكن متوافقاً مع التصريحات والتهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون أخيراً، والتي وصلت إلى حدّ فبركة اعتقاد خاطئ ومضلّل عن أن الهجوم الإسرائيلي على إيران سيكون «قاصماً وحاسماً». ومن هؤلاء، وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي بالغ في تقدير الردّ إلى الحدّ الذي أثار الدهشة والتساؤلات، إذ قال: «بعد أن نهاجم إيران، سيفهم الجميع القوّة وعملية الإعداد والتدريب التي تمّت، وكل مَن يحاول إيذاء إسرائيل سيدفع الثمن باهظاً». وتلك الوعود المضخّمة، تسبّبت في خيبة أمل على مستوى الجمهور الإسرائيلي، عبّرت عنها عبارات الدهشة والامتعاض والاستنكار والتشكيك. وكانت تلك بارزة جداً وفي الإمكان ملاحظتها بلا جهد في شبكات التواصل الاجتماعي، وإنْ كانت أقلّ بروزاً في وسائل الإعلام التقليدية، حيث للرقيب العسكري سطوته. ولم تقتصر خيبة الأمل على معسكر اليمين باختلاف توجهاته وجمهوره، الذي كان يطمح إلى ضربة تسقط النظام الإيراني نفسه، بل شملت أيضاً المعارضين، الذين انتقدوا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هذه المرّة على خلفية الحدث والقرار والنتيجة: «تمخّض الجبل، فولّد فأراً».
وفي النتيجة، كان الوعد الإسرائيلي، كما الأميركي، هو في أن تكون محصّلة الردّ، ردع إيران، ومنعها من توجيه ضربات عسكرية مباشرة إلى الداخل الإسرائيلي. وفي النتيجة، لم يحقّق الهجوم غاياته، بل إن السؤال السائد في إسرائيل ليس عن حجم ومدى وقوة الردع الذي تحقّق، وليس إنْ كانت إيران ارتدعت أم لا، بل عن الردود التي ستأتي من طهران. وتلك أسئلة كفيلة في ذاتها وحضورها الواسع في إسرائيل، لتظهير الفشل.
في المقابل، فإن تصغير حجم الردّ، إلى الحدّ الذي يعجب البعض، فيه نوع من المبالغة، إذ إن الردّ، بصورة عامة، يرتبط بتظهير القدرة المادية على توجيه ضربات معتدّ بها في العمق الإيراني. واللامبالغة وتصغير الهجوم والتقليل من تداعياته، كل ذلك هو في مكانه ودقيق جداً، في ما يتعلّق بقرار الردّ وحجمه ونوعه ومدى أذيّته، إذ أظهر ارتداعاً عن المضيّ قدماً في التسبّب في تصعيد المواجهة مع إيران. وضمن الحيثيتَين المشار إليهما، أرادت تل أبيب وواشنطن تظهير القدرة المادية على توجيه ضربات، وهو ما كان معلوماً، خاصة أن هكذا ضربات لا تجري ولا تُقرّر أو تُنفّذ، من دون المعونة الأميركية.
وما حدث، يُظهر فشل تل أبيب في محاولة ترسيخ الاعتقاد في وعي أعدائها كما شركائها، في أنها قادرة على فعل ما تشاء، بمعزل عن القرار والإرادة والقبول أميركياً، إذ أظهر الواقع والقرار والتنفيذ والنتيجة، كما الإعداد المسبق بمشاركة دفاعية وهجومية أميركية، أنه ليست لتل أبيب قدرة منفردة على شن هجمات بلا معونة أميركية، وتحديداً القدرة على استيعاب واحتواء التداعيات اللاحقة، ما يعني بالتبعية، أنه حتى عندما تكون الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، فهي مضطرة إلى أن تأخذ في الحسبان الموقف الأميركي، وقرار وقوّة الرد الإيراني على مصالح الجانبَين، فكيف بها إن كانت منفردة في مواجهة إيران.
لكن كيف يؤثّر كل ذلك على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان؟
الواضح أن الخشية من الوصول أو التسبّب بتصعيد ومواجهة واسعة إقليمياً، لا قدرة لإسرائيل على مواجهتهما منفردة، تدفع الجانب الأميركي، راعي الكيان وجهة إسناده الرئيسية، إلى البحث في إيقاف المواجهة قبل اتساعها، وإذا لم يكن معنياً بأن ينغمس بنفسه في القتال والمجازفة، فسيكون عليه البحث في إيقاف أهمّ العوامل التي دفعت إلى التصعيد الإقليمي، وهي الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان. وهذا العامل، إلى جانب المراوحة الإسرائيلية ميدانياً مع تآكل متلاحق ومتنامٍ للنتائج المحقّقة في القتال على الجبهتَين، وتحديداً تصاعد الأثمان المدفوعة إسرائيلياً، بشرياً ومادياً، كل ذلك يعبّد الطريق أمام التسويات، وهو ما يلزم انتظار ما سيلي، مع ترقّب المتغيرات غير المحسوبة لتقرير واستشراف الآتي، وإنْ كانت أرجح التقديرات، تنتظر جولة تصعيد أخرى، ومعاندة إسرائيلية أخرى، للنزول عن شجرة التوقعات العالية التي صعدت إليها تل أبيب.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا