ميشال نصر - الديار
فيما انعقد مؤتمر باريس لمساعدة لبنان، وانتهى الى ما انتهى اليه من حشد للمساعدات الاغاثية والعسكرية، بقيمة مليار دولار موزعة بين 800 مليون للمساعدات الإنسانية و200 مليون للجيش اللبناني، ومع توالي المواقف بوجوب وقف النار، تستمر العمليات العسكرية «الاسرائيلية» تجتاح لبنان وتتنقل بين الجنوب والبقاع مرورا بالعاصمة وجبل لبنان، مستهدفة مواقع ومناطق جديدة، ارتفعت نسبتها بعد زيارة الوسيط الاميركي لبيروت، بالمقابل تسطر المقاومة بطولات برية وجوية بعمليات نوعية ضد جيش العدو الاسرائيلي.
فالمؤتمر الذي اجتذب نحو سبعين دولة وخمس عشرة منظمة دولية ، وتمثل لبنان فيه بوفد رأسه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي ظل على تواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، انتهى في المعلن رسميا «عالورقة والقلم» الى الحصيلة التالية: فرنسا، ١٠٠ مليون يورو، المانيا، ٩٦ مليون يورو، الامارات العربية المتحدة ١٠٠ مليون دولار، اضافة الى ٣٠ مليون دولار للنازحين اللبنانيين الى سوريا، الاتحاد الاوروبي، ٨٠ مليون يورو، و٢٠ مليون يورو للجيش على ان تصبح ٤٠ مليون في العام القادم ، ليكون المجموع في عملية حسابية بسيطة ٣٩٦ مليون دولار. وهو مبلغ بالكاد يكفي لتمويل متطلبات «شهران الا» من النزوح، وفقا لاوساط خلية الازمة اللبنانية، رغم ان الرقم في معايير وزير الخارجية الفرنسي، بلغ مجموعه ٨٠٠ مليون دولار، زائد ٢٠٠ مليون دولار للجيش اي مليار دولار. فاين الفرق بين الرقمين؟ وهل تحسب من تلك الحصص ما سبق وتم تقديمه طوال فترة الشهر المنقضية؟
مصادر ديبلوماسية متابعة اشارت الى ان الدول والجهات التي صرحت بوضوح والتزمت بالدفع، لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة، اذ ان دول الخليج لم تعلن عن اي مبالغ تعتزم تقديمها باستثناء الامارات، فيما التزمت الرياض والدوحة والكويت وغيرها الصمت، مع الاشارة الى ان الرئيس ماكرون تدخل شخصيا لدى ولي العهد الامير محمد بن سلمان لرفع مستوى التمثيل السعودي في المؤتمر، بعدما كان تقرر ان يمثل المملكة السفير وليد البخاري.
وحول اسباب «استعجال» ماكرون الدعوة لعقد المؤتمر، الذي لم تتخط مدة التحضير له وتوجيه الدعوات الاسبوعين، ما ترك تداعياته على مستوى التمثيل، وفقا للمصادر الديبلوماسية، يعود لسببين اساسيين:
- الاول: اكتشاف باريس، ان الهجمة الاميركية - الالمانية تجاه لبنان هدفها تطويق الدور الفرنسي والاوراق والحلول التي تقدمها، والتي تحمي وتحافظ على المصالح المالية الشخصية لماكرون، بالتحالف مع مجموعة سياسيين ورجال مال واعمال لبنانيين من المقرببن من حزب الله.
- الثاني: اتهام مصادر في الايليزيه الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين،»بأنه يريد حصر كل الملف اللبناني بيده، ولا يريد شراكة أحد معه»، على خلفية اجتماعه الاخير بالمستشار في قصر الإليزيه إيمانويل بون، الذي خرج من اللقاء منزعجا جدا.
في كل الاحوال، بدا واضحا ان اسلوب التعامل الرئسمي الفرنسين مع لبنان، جاء مختلفا تماما عما كانت عليه الامور خلال مرحلة «ثورة 17 تشرين» وتفجير المرفا وما بعدهما، اذ حرصت ادارة الاليزيه وتحديدا الرئيس الفرنسي على حشد الدعم للحكومة اللبنانية بما فيها من قوى سياسية، لا لصالح المنظمات غير الحكومية كما في المرات السابقة، وهو ما اثار حفيظة بعض المشاركين ومنهم المملكة العربية السعودية، التي تشرف بشكل مباشر على توزيع مساعداتها العينية، فيما اشترطت الى جانب الولايات المتحدة الاميركية ومجموعة من الدول، وجود شركة تدقيق دولية لمتابعة صرف اي مساعدات، وفقا للمصادر.
خطوة وان لاقت امتعاضا دوليا، الا انها في المقابل « اعطت نفسا» للطبقة السياسية التي عبرت ببساطة عن اندفاعها باتجاه باريس. فرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، الذي كتب على منصة «إكس»، متسائلا: «إذا كان من الأفضل الاستغناء عن بعض التصريحات أو التحليلات من قبل بعض المعلقين أو الزوار رفيعي المستوى، مثل وزيرة الخارجية الألمانيّة، والتركيز على الجهد الفرنسيّ لمساعدة لبنان»، قبل ان يعود ويحذف هذا التعليق لاحقًا.
فهل هي عملية بيع فرنسي «لسمك في البحر»، على غرار ما حصل في المؤتمرات السابقة؟ ام هي تعهدات قابلة للتنفيذ، حتمتها المصالح الاقتصادية الشخصية للرئيس الفرنسي في لبنان، الذي اضطر هذه المرة الى فضح «عمق علاقته بالطبقة الحاكمة»؟