الانباء الكويتية
صور مدينة العراقة المتجذرة عميقا في التاريخ تسكنها الوحدة التي لم تتعود عليها يوما. هي نبض الثورات وملتقى الحريات والعيش المشترك.. ساعاتها طويلة، وتمر ببطء.
في اصعب المعارك والمواجهات لم يهجرها أهلها، وكانت ملاذا لأبناء القرى والبلدات المجاورة، سواء أيام الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، او في حرب يوليو 2006، حيث بقيت تضج فيها الحركة وتؤمن المواد الغذائية والسكن لأبناء القرى المهجرة والمجاورة.
اليوم غابت الحركة عن شوارعها الا من بعض المغامرين الذين رفضوا المغادرة، او انهم اصبحوا عاجزين عن النزوح بعدما أقفلت الطرقات وأصبحت غير آمنة.
قليل من الاعلاميين لا يزالون في المدينة، يعتصمون بجوار مقر قوات الأمم المتحدة «اليونيفيل»، يتابعون أخبار الغارات لنقلها إلى وسائل الاعلام، لكن التحرك والتوجه إلى مناطق الغارات في البلدات المجاورة محال، فالمسيرات فوق رؤوسهم ترصد كل من يتحرك، وعندما تسأل أحد المقيمين في صور: كيف تتدبرون أموركم؟ يقول «على الله».
المواد الغذائية متاح الحصول عليها من بعض المحلات التي لم يغادر أصحابها، ويفتحون في ساعات في الصباح، والخبز اما يؤتى به من مدينة صيدا، وهناك أحد الأفران يعمل لوقت قليل وفق ما تيسر، اما المياه فشحيحة، الا ان المشكلة الأكبر في غياب الكهرباء، فلا وجود لكهرباء الدولة، وأصحاب المولدات أطفأوها، اما لأنهم اضطروا إلى النزوح، او لم يعد هناك العدد الكافي من السكان لتشغيل هذه المولدات.
ونسأل مجددا: كيف تعالجون مشكلة فقدان الكهرباء لتشغيل الهاتف والمعدات الضرورية؟ تأتي الاجابة «باللجوء إلى بعض المنازل حيث لاتزال الطاقة الشمسية تسد الحاجة بالقدر المعقول».
وحال البلدات المحيطة بمدينة صور على المنوال نفسه، ان لم تكن أكثر سوءا، لنقص الإمداد وصعوبة التنقل للوصول إلى المدينة من اجل الحصول على ضرورات الحياة.
وقد اضطرتهم الظروف لملازمة منازلهم والعيش كل يوم بيومه، في انتظار أخبار تحمل الفرج اليهم، خصوصا ان كل من يتحرك في الجنوب مرشح لأن يكون هدفا للطائرات الحربية الإسرائيلية التي لا تفارق الأجواء، ويسقط يوميا الكثير في المجازر المتكررة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية.
واذا كانت مدينة صور لم تستقبل النازحين الذين تعودوا اللجوء اليها، فإنها تحتضن جثامين من يسقطون في الغارات، حيث يدفنون في المدينة كوديعة، لتتم إعادة دفنهم في مسقط رأسهم بعد ان تنتهي الحرب، نظرا إلى عدم إمكانية الوصول إلى هذه البلدات، وعدم وجود ذويهم الذين نزحوا خارج الجنوب، وقد دفن حتى الآن العشرات في المدينة، إضافة إلى المئات في مناطق النزوح بالطريقة نفسها.