كريم حسامي
أتت الأوامر الفرنسية بعد التوكيل من الأميركي لتغيير وجه المنطقة والتي وصل صداها إلى لبنان، فكان البلد التي تحكمه عصابة السلطة السياسية والشعب يحتاجان إلى صدمة عميقة لن ننساها لفترة طويلة، تسمَح بانطلاق مسيرة تغيير ركائز النظام. لذلك وقع الانفجار-الهجوم الاسرائيلي الذي دفعَ ثمنه الشعب كالعادة ثم "نزل" الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان في عملية فائقة الدقة والحساسية من أجل إعطاء الضوء الأخضر لبدء مسيرة ما يُسمّى بالاصلاح السياسي والهيكلي.
واعتراف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ الغارة أمس، عندما قال خلال اتصال هاتفي مع ماكرون: "للحيلولة دون وقع كوارث كانفجار ميناء بيروت، فإن على لبنان إبعاد المواد المتفجرة والصواريخ التي أخفاها حزب الله بعيداً عن كل التجمعات المدنية". وحذّر الحزب من "افتعال أزمة مع بلاده للهروب من ازماته الداخلية"، خصوصاً بعد خسارته غطائه عبر الحكومة.
فماكرون لم يأتِ لنجدة اللبنانيين من الطبقة السياسية التي انتهت فعلياً، بل أتى وفق ما تقتضيه طبيعة المرحلة من تغييرات جذرية بدأت ترتسم بتسلسل الاستقالات وإسقاط الحكومة وصولاً لفتح الملفات التي يمكن أخذ تنازلات منها مقابل مساعدة البلد على إعادة الإعمار كترسيم الحدود مع إسرائيل والذي كان من المفترض على وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل مناقشتها أمس قبل تأجيل الزيارة.
والدليل على ذلك قول نتنياهو: "تحدثت مع ماكرون وهنأته على دوره القيادي في الساحة اللبنانية".
وإذا تريد فرنسا مساعدتنا على التخلص من الفساد، فلماذا تُطالب بحكومة وحدة أو انقاذ ستكون كسابقاتها مع نفس الأحزاب؟ كيف تُطالب من الطبقة السياسية التي دمّرت البلاد بالفساد محاربته وتطبيق الاصلاحات وإلّا ستُفرَض العقوبات وتُجمّد حسابات الذين لا يتعاونون؟
ما ترونه من استقالات لا علاقة له بشعور النواب والوزراء والحكومة بمعاناة الناس ولن تكون كذلك أبداً، ولو كانت على هذا النحو لحصلت في نفس ليلة الانفجار أو بعدها بيوم وليس بعد أسبوع وخصوصاً بعد مغادرة ماكرون لبنان.
وفي السياق، تفيد المصادر الديبلوماسية ان "هدف المؤتمر الدولي الذي انعقد الأحد، وضع خريطة لكيفية تعامل الدول العظمى مع الوضع اللبناني واستغلال ما حصل، والدليل على ذلك ضعف المبلغ المقدم من المؤتمر المقدّر بـ298 مليون دولار نظراً لهول الابادة"، مضيفة انه "لو كان المؤتمر لمساعدة لبنان انسانياً فقط، فلا ضرورة لمشاركة الرؤساء شخصياً مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وماكرون وغيرهم، بل كان يمكن مشاركة وزراء او مندوبين".
إلى ذلك، ألمح ماكرون إلى موضوع يتعلق ببدء التطبيع مع إسرائيل "انسانياً" كما فعل نتنياهو أيضاً، وفق المصادر، عندما قال ان "الأخيرة لمحت الى استعدادها لتقديم المساعدة للبنان"، فضلا عن تأكيد نتنياهو استعداد إسرائيل لتقديم مساعدات إلى لبنان وإيجب رسالها مباشرة إلى اللبنانيين". هذه التصاريح تؤشر الى تحويل النزاع أكثر دموي في ظل رفض حزب الله مطالب أميركا وفرنسا في مناقشة سلاحه، خصوصاً مع اقتراب صدور حكم المحكمة الدولية وعودة ماكرون الشهر المقبل.
وتشير المصادر إلى أنّ "توافق المجتمعين على ان تكون مساعداتهم منسقة جيدا تحت قيادة الامم المتحدة، وان تُسلّم مباشرة للشعب اللبناني بأعلى درجات الفعالية والشفافية الأحد، كان عبارة عن رسالة مباشرة للحكومة مفادها أن لا جدوى من وجودها بعد الآن فأتت استقالتها بعد يوم فقط أي الإثنين".
لكن السؤال الجوهري هو: كيف للامم المتحدة او USAID توزيع الممساعدة من دون أي ادارة محلية؟ وهل هذا يُعتبر نوعاً من الوصاية الدولية على "بلاد الأرز"؟
في غضون ذلك، لم تهتّم السياسات الدولية يوماً لأيّ خسائر بشرية أينما كانت والأمثلة كثيرة، والأهم عندما أكّدت وزير الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت ان وفاة 500 ألف طفل عراقي جراء العقوبات الأميركية على البلد عام 1991، كان ثمن يستحق العناء “It was worth it”، فهل سيهتم المجتمع الدولي لخسائر انفجار المرفأ الذي لن يُفتح تحقيق دولي حوله؟
"يتم الآن رسم مستقبل لبنان مع شركائه الدوليين"، بهذه الكلمات اختصر ماكرون الوضع في مئوية لبنان المأسوية حيث تكون الفرصة متاحة لكل استخبارات العالم للاستثمار السياسي بمآسي البلاد.