اضبطوا الديبلوماسية اللبنانية... بادروا إلى بناء الدولة المقاومة
اضبطوا الديبلوماسية اللبنانية... بادروا إلى بناء الدولة المقاومة

أخبار البلد - Monday, October 14, 2024 6:25:00 AM

الاخبار

في ظل أوضاع استثنائية تفرضها ظروف الحرب، وهي حرب مفروضة على لبنان والإقليم منذ ست وسبعين سنة على الأقل، أصبح الكلام بلا جدوى إذا لم يرافقه العمل. لنا ملاحظات في هذا السياق:

 

أولاً، فيما تخرج من هنا وهناك وهنالك أرانب «ديبلوماسية-سياسية» تريد أن تبني على أوهامها وأحلامها وروايتها المزيفة و/أو الخرافية (من واشنطن وهلمّ جرَاً) لا بد من التوقّف أمام أداء ما يسمّى الديبلوماسية اللبنانية؛ مع رفض التعميم طبعاً وتأكيد الاحترام لعدد من الديبلوماسيين الذين انغرست في نفوسهم الروح الوطنية بفضل جهد شخصي وقناعات أخلاقية راسخة.

ثانياً، لنضع جانباً أداء من يُصَرِّف أعمال وزارة الخارجية، الذي اعتبر ذات يوم (بالتأكيد عن جهل دستوري، لا بل أكثر) أنه بغياب رئيس للجمهورية «كل وزير رئيس جمهورية في وزارته» (كذا) على حد قوله، والذي يتأرجح أداؤه بين «رقصة البطن» أمام واشنطن «التي لا يمكن رفض طلب لها» من جهة، واضطراره مرغماً (وعن غير قناعة وطنية)، بين الحين والآخر، إلى قراءة خطابات تستقيم نسبياً مع المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، من جهة أخرى، والتي تتناقض بالتأكيد مع مصالح العدو الصهيوني الإسرائيلي وحماته وعَرّابيه ومطامعهم.

ثالثاً، لا حاجة إلى التذكير مجدداً بأهمّية العمل الديبلوماسي الوطني في جميع المحافل، مع الدول، وتكتلات الدول، والمواقع الأممية المفصلية.

الجميع يتذكر ما حصل سنة 2006 عندما حاولت حثالات (كلمة علمية، ملطفة جداً، ومن له مسلّة تنْغُزه تحت الباط هذا شأنه) سياسية-ديبلوماسية تحويل انتصارات الميدان إلى انتكاسات في السياسة انتهت حينها إلى «تسوية» عرجاء اسمها الـ «1701»، لسنا هنا الآن بصدد مناقشتها.

رابعاً، لا حاجة إلى تأكيد مجدداً أهمية صلابة الجبهة الديبلوماسية وتماسكها ووُضوحها. لنتذكّر فقط، على سبيل المثال لا الحصر، ما حصل مطلع الحرب على سوريا، عندما حاول العدو، وهو نفسه من «يقود من الخلف» (عبارة الرئيس الأميركي أوباما) الحرب على لبنان، إِفساد الجِسم الدّيبلوماسي السوري، وفَشِلَ، بسبب التماسُك الفكري والثقافي والتنظيمي والوطني لهذا الجسم تحديداً.

خامساً، المشكلة عندنا في لبنان تقع في مكان آخر. كما يقال في العامية «السوسة منا وفينا»، وذلك بسبب إرث مُركّب منذ مَطلع التسعينيات، تتشابك فيه الانتماءات الطائفية والمذهبية، بالولاءات الفئوية والحزبية، بالجهل وقلّة الثقافة، وغياب عَصَبٍ سياسي ونظامي وطني يُؤدي، على الأقل وبالحد الأدنى، إلى ترجمة البيانات الوزارية والحكومية وخطابات القسم الجمهوري... إلخ، أي كل ما يشكل البوصلة التوجيهية للعمل الديبلوماسي، إلى خطاب وأفعال، ومنهج وسلوك. هذا في حالة السلم، فكيف بالأحرى في حالة الحرب، وقد وصلت الأمور عند البعض أخيراً إلى محاولة عِصيان طائفي على بعض توجيهات الوزارة.

الأمثِلة كثيرة ولا حاجة إلى إحصائها هنا. أحدُهم ينقل طلبات وقِحة لدولة الاعتماد وكأنه «ساعي بريدها»، آخرون يتمادون في الانفلات على مواقع التواصل ضاربين بعرض الحائط مبدأ التحفُّظ والانضباط المهني. آخرون أيضاً يتصرّفون وكأن البعثة «حانوت» تحت تصرفهم بلا حسيب ولا رقيب، البعض الآخر يقفز، أو يحاول، فوق الوزارة ليستحصل على صكّ مرجعيته الفعلية أو المزعومة. آخرون يعتمدون ازدواجية الكلام ليناقضوا في «الخاص» ما هم مُضطرون إلى قوله نظامياً على الصعيد الرسمي، آخرون يتجاهلون (عن جهل أو غباء أو خُبث) المُصطلحات والثوابت الوطنية معتمِدين خطاب العدو أو كلامه ومصطلحاته ورواياته.

وفي هذه الحالة الأخيرة، وبسبب خطورة الموضوع، لا بد من الإشارة إلى الخطأ الجسيم الذي ارتكبته ممثلة لبنان في إيطاليا حيث سمحت لنفسها بالكلام عن «الخط الأزرق» (الوهمي) و«ترسيمه»، فيما حدود لبنان مع الأراضي الفلسطينية المُحتلة واضحة، ثابتة، نهائية، مسجّلة أُممياً وغير قابلة للنقاش منذ اعتمد لبنان اتفاقية «بوليه – نيوكومب» (على علّاتها).

كما لا يجوز أن يبقى الكلام الوقِح لمندوب الكيان في مجلس الأمن، الحقير داني دانون، الذي تجرّأ على تمزيق ميثاق الأمم المتحدة علناً (دون أن يجف لإِدارة المُنظّمة جفن)، لا يجُوز أن يبقى (وبقي يومها) دون رد حازم وصارم.

سادساً، ما نريد التشديد عليه هو أن هذا الضياع والخِفّة والانفلات القائم لا يمكن أن تدوم.

باختصار، وسيكون لنا عودة ومتابعة للموضوع، على السُلطَة المُتمثّلة بمن تقع على عاتقه المسؤولية الآن، وفي غياب رئيس للجمهورية، إعطاء التوجيهات الصارِمة للبعثات الديبلوماسية، وبصورة خاصة في العواصِم والمواقع المؤثرة للانتقال من الدفاع (الخجول) إلى الهجوم الديبلوماسي.

كل الأوراق في أيدينا، وفي جعبتنا من استفراغات العدو ومن جرائمه الوحشية على أنواعِها مادة دسمة للعمل.

فهيّا!

سابعاً، لقد بدأ الجميع يعي خطورة التهديدات التي يواجِهُها لبنان أمام مشروع صهيوني منفلت من عقاله، عاد إلى تموضُعه جذرياً على جوهره الكولونيالي الوحشي الأصلي، يَضرُب كيانه بعرضِ الحائط، كعادته، بجميع القوانين والأعراف الدولية، وبرعاية كيان آخر اسمه الولايات المتحدة (وكومبارسها القدامى في «أوروبا») سبق واستبق المشروع الصهيوني في نَظرَتِه إلى فلسطين. نعم. هل نُذكّر برِسالة الرئيس الأميركي جون كوينسي ادامز (حكم من 1825 حتى 1829) وتقول بالحرف «أنا أؤمن بإعادة بناء يهودا كوطن قومي مستقل» (كذا).

لنضع جانباً ما نراه من محاولات البعض المعروف «الهوية والمآثر» الاستفادة من سوء تقدير الظرف.

الظرف الاستثنائي يوجب سُلوكاً وإجراءات استثنائييْن. اضبطوا أولاً فلتان الديبلوماسية اللبنانية.

ولنقلها بصراحة أكثر، وهذا الكلام موجّه بصورة خاصة إلى القوى الوطنية الحرة المؤمنة بالفعل بِمفاهيم السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية، إنه لا يمكن لها، وبسبب استثنائية المرحلة، وخطورة العدو الصهيوني وجذريته، والذي بات يبوح علناً وبكل وقاحة ووحشية عن أطماعه بالأرض وبكل شيء، لا يجوز لها أن تستَمِرّ (القوى تلك) على ضبابية خطاب متأرجح لا طائل سياسياً أو وطنياً منه.

أيضاً، لقد بدأت تعي القوى التي تواجه مشاريع العدو وتقاومها على أرض الميدان وبضريبة الدم، أهمية استعادة الدولة لدورها في الميادين كافة وعلى جميع جبهات المواجهة.

آن الأوان لأن ننتقل إلى بناء دولة مُقاوِمَة بكل معاني الكلِمة. هنا تكمُن الإجابة الفعلية على تحديات العدو وإجرامه. ولتبدأ المهمة من رأس الهرم.

آن الأوان لانتخاب رئيس جمهورية مُقاوِم (وقد عرفنا سابقاً حالات مماثلة) يطلِق ورشة بناء المستقبل، وتكون خطواتها مواجَهة وطنية لتحديات الظرف، وبناء لبنان المُقاوِم بدوره بجميع مؤسساته وقواه.

ملاحظة أخرى وليست الأخيرة، واهِمٌ من يظُنّ أن الميْدان (على اختلاف جبهاته المُتكامِلة) كما التضحيات الجسام التي يقدمها الشعب اللبناني (بل بسببها تحديداً)، واهِمٌ من يعْتقِد أنه لم يُترجم بالسياسة وببناء السلطَةِ الوطنية القادِمة.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني