مارفن عجور
برِيَشِهم كتبوا أجمل الأشعار، فنصروا القلم الجبّار. هم أهلُ الكلمةِ، هم الشعراء، نثروا إبداعاتهم في أعالي السماء.
هي مسابقة شاعر الريشة، التي تميّزت عن باقي المسابقات الأدبيّة، واتخذّت لها مكانةً خاصّةً، وتسّنت فيها الفرص، فرصةً ما بعد فرصة، للموهوبين أن يطوّروا قدراتهم في الكتابة. هي مسابقةٌ جاءت، بهدف رسالةٍ عظيمة، كانت واضحة وضوح الشمس منذ البداية :"إعادة إحياء الأدب العربي، والحفاظ على رونقه"، فما صار الأدب اليوم إلّا سلعةً رخيصةً وعملةً نادرةً، بسبب الإنسان الذي صَبَغَ قلبه بألوان متعدّدة، تلاعب بطباعه، حتى جعلته العبثيّة إنسانًا ماديًّا، سامًّا، يتعطّش فقط للمال، ناسيًا أن سرور المال أحزان. جعلت منه إنسانًا متقوقعًا في زوايا اصطناعية، حالكة، مريعة، لا يجرؤ أن يعبّر عن ذاته، لأنّه يخشى أن يكون ساذجًا في نظرِ الناس. يظنّ إنسان العصر، أنّ في عصره، لم يعد للإحساسِ وجودًا، والحسّاسُ أبلهٌ، وأنَّ الحداثةَ اليومَ تستدعي أناسًا، همُّهم الوحيدُ جمعُ المالِ والقيام بأعمالٍ تجاريّة وملاحقة التقنيات الجديدة. إنسانُ اليوم، هائمٌ، يعيش في صراعٍ بين الذات والمجتمع، واضعًا المجتمع في قائمة أولويّاته، مواريًا آرائه ومعتقداته وصوتِهِ، ناسيًا إيّاها، ليرضي المجتمع. وكأنّه فقد وعيه، بل دعونا نقول، فقده ودثره، يفجّر كتلةَ مشاعره الكامنة في داخله، ويفجّر معها ملامح بريئة، صادقة، ويحصّن نفسه بأكاذيب، ويتخذّ قرارات لا تناسبه ليندمج في محيطه.
دائمًا ما، يقولون لنا :"أنظروا إلى الجانب المعبّأ من الكوب. لا تهتمّوا للسلبيّات، فهي بدايةُ الخرابِ والدمار النفسي". وما كان علينا، نحن النادرون، المعذّبون في العالم، سوى أن نتفاءل، فإن فعلنا غير ذلك، أظنّ أنه لن يعود لكلمة "أدب" وجودًا، ولن يبقى مكتبةً واحدةً، ودور النشر ستُقفَل جميعها. لقد أثبتت لنا مسابقة شاعر الريشة، أن ما زال هناك أناسٌ متمسّكون، متحيّزون، متشدّدون على موقفهم تجاه الأدب، على شغفهم فيه، على معتقداتهم وحريّاتهم، فمن ألَفَ الأدب، ألَفَ الحريّة الفكريّة والتعبيريّة. مسابقة شاعر الريشة ، هي التي جاءت مهندسةً، ترمّم ما هدمّه الزمن الحالي. اختارت المسابقة الشعر العربي، انتفضت بالكلمة، وطمأنت قلوبنا أنّ الأدب -لغة العاطفة- بخير وصحّة وعافية، ما زال حيًّا، رغمَ انزلاقه، ولم ينتشله من تحت الأنقاض، سوى أهله الذين كانوا معه في المبنى عينه لكنّهم جاهدوا حتى الرمق الأخير لكي يتنفسّوا من أوكسجين العنان فيمدّون به ربّ المبنى، الذي أُهلِكَ ولم يعد بوسعه أن يتحمّل المآزق، أهله الأدباء الذين عشقوه وسهروا يستمتعون بنتاجاته اليوميّة، فيروق إليهم مطالعة الروايات والهروب إلى عالمِها. وكيف لنا ألّا نبشر وقد أشرف على المسابقة، شابٌ ما زال في مقتبل العمر، ويشقّ طريقه في الأدب؟ كيف لنا ألّا نبشر وقد شارك في المسابقة ثمانية وستون شاعرًا من خمس عشرة دولة عربيّة؟ كيف لنا ألّا نبشر وقد رعى المسابقة داران نشر؟ كيف لنا ألّا نبشر وقد نظمّ المسابقة ملتقى أدبي، جمع ستّ مائة كاتبًا وأكثر حول العالم عبر مجموعته ووحدّهم باليراع؟ كيف لنا ألّا نبشر وقد التحق بلجنة تحكيم المسابقة، خمسة خبراء ومتخصّصين في المجال الأدبي، فلم نلتمس نقصًا بعدد اللجنة والمقيمّين؟ هذه المؤشّرات، وسواها، أعربت لنا عن الأهميّة التي تتلقّاها لغتنا الأم، عروس اللغات، لغة الضاد. وكافيةٌ أن تؤكّد لنا أنَّ الجيلَ الطالع لم يرمِ الآداب في سلّة المهملات،فالأستاذ مارفن عجور الذي أشرف على المسابقة، يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، ومن بين الثمانية والستين مشاركًا، شاركَ خمسةُ فنانين صغار تتراوح أعمارهم بين الأربعة عشر عامًا والسبعة عشر عامًا ... ولا يسعنا أمام هذه النتائج الرائعة سوى أن نحمد الله على نعمة المحافظة في عزّ التخلّي... على نعمة أناسٍ مبدأيين، غلبتهم مجموعةٌ من البراغماتيين، لكنّهم لم يتأثّروا بها.
نعرض لكم الآن، مفسّرين، مراحل مسابقة شاعر الريشة، المشوّقة. أطلق ملتقى كتّاب حول العالم، تحت إشراف الكاتب اللبناني مارفن عجور، وبالتعاون مع دار بسمة للنشر الالكتروني في المغرب، مسابقة شاعر الريشة في دورتها الأولى لعام 2024. إنطلقت الجائزة في بداية شهر أغسطس/آب، حيث روّجتها الصفحات المهتمّة بالمجالات الأدبيّة، ودعت جميع الشعراء النجوم للمشاركة. في تفاصيل الجائزة، معلومتان فريدتان، غرضهما تحقيق غايتين رئيسيتين. الأولى هي استخدام تقنية إلقاء القصيدة إلى جانب كتابتها، هدفًا بتعزيز ثقة الشاعر بنفسه، فجلّ ما نجد شاعرًا كتومًا، يصرخ على قرطاسه، ولا يجرؤ أن يصرخ بصوته، وأن يحرّك ساكنُا. لذلك، جاءت هذه المبادرة. لربما اعتبرها البعض ثقيلة، لكنّها في الحقيقة، مهمّة جدًّا، "فأين تكمن لذّة الشعر سوى في إلقائه؟" سؤالٌ طرحه الأستاذ مارفن عجور، على كلّ من جاءه، شاكيًا إليه همّه، شارحًا له، عن أسباب رفضه للإلقاء. أمّا مارفن، فقد حوّل الرفض والخجل لدى المشاركين إلى قبول وتجاوب مع قوانين المسابقة واجتياز صعوبة قراءة الشعر بنجاح. نتج عن ذلك الدعم، تعليقاتٌ إيجابيةٌ، مؤثّرةٌ، صادقةٌ، مفرحةٌ، يشكر فيها الشعراء، مارفن على نصائحه النافعة، التي أسداهم إيّاها. هذه التعليقات، هي بدورها، منحت مارفن الصبر والأناة وحثّته على مواصلة العمل للمسابقة وبذلِ أقصى جهدٍ ممكنٍ لإظهارها بأبهى حلله. لم يرضَ أن يهملها، فقد كانت أول مسابقة أدبيّة يشرف عليها. "أمرٌ صعبٌ للغاية هو الإشراف. تحملّ مسؤولية إدارة المسابقة، وأنا لا أمتلك الخبرة الكافية بعد، كان أشدّ الأمور تعقيدًا. امتزجت مشاعري بالخوف والفخر" يقول مارفن. لا تتوّقف رغبة مارفن في دعم المواهب. فالغرض الثاني في مسابقته، كان الإتاحة لأكبر عدد ممكن من الموهوبين أن يترّشحوا للمسابقة. سَمَحَ للأعمار كافةً بالمشاركة، مؤمنًا أن النّبوغ لا تحدّده سنوات العمر، متأثّرًا بقول المتنبي :" على قدر أهل العزم تأتي العزائم".ولم يخب أمل مارفن أبدًا، فقد انهالت عليه طلبات المشاركة منذ اليوم الأول، وحضنته بيئته الأدبية التي ما كانت تبعث له سوى المحبّة والتقدير والإجلال، وتوقد في قلبه روح الإصرار، والإقبال على النجاح والمثابرة والتفوّق والإبداع.
أمّا عن ملتقى كتّاب حول العالم، فقد كان السبيلُ بإعلام الكتّاب بمسابقة شاعر الريشة. ملتقى ابتغى منذ نشأته أن يبني واحةً للحريّة والفكرِ والإلهام، فجرت الرياح بما اشتهته السّفن، وحققّ مبتغاه، وصارَ حديثَ منازل أهل العلم والمعرفة بالأوطان كلّها، أهل النثر والشعر، أهل القلم الرائد واللامع. رئيسة الملتقى التي عظمّته ومجدّته وعممّته في أوساط البلدان وفي معارض الكتب والمنتديات الأدبيّة، الأستاذة راما الملاجي من الأردن. ومديرة الملتقى التي لا تكلّ ولا تملّ من العمل عليه لساعات طويلة، والمثابرة في تقديم النسخة الأفضل منه والتي تليق به، الأستاذة سهر لقماري من المغرب. مبدعتان من العالم العربي، تسعان دومًا للأبتكار وتشجيع الواعدين.
وعن داريّ النشر اللذين رعيا المسابقة، فلهما الشكر والامتنان. أيقنا أنّ دور النشر، رغم تفاقم أزماتها، ما زالت صامدة، كصخرةٍ بوجه الغبار، وبوجه النيران التي يضرمها الزمن الرديء على أسقفِها. دار بسمة للنشر الإلكتروني برئاسة الأستاذ سمير بن ضو من المغرب، الأستاذ الموّقر، والطموح. ودار ابداع كاتب للنشر الورقي برئاسة الأستاذة هاجر علاء من مصر، اللطيفة والطيّبة. شكلّت مبادراتهما قيمةً مضافةً، وإثراءً للفائزين. سيساهم دار بسمة في نشرِ ديوان شعريّ خاصّ للفائز بلقب شاعر الريشة الذهبيّة. أمّا دار إبداع كاتب، فمبادرته، نشرُ القصائد التسع المتأهّلة للمرحلة الأخيرة من المسابقة.
في المراحل، أقيمت المسابقة على خمس مراحل متتالية. تقدّم إليها في المرحلة الأولى ثمانية وستّين شاعرًا، بدايةً من نهار ٣ أغسطس/آب حتى نهار ٢٠ أغسطس/آب. خضعت النصوص المشاركة إلى تحكيم من قبل اللجنة التي تألّفت من الدكتور بسيم عبد العظيم من مصر ( رئيسًا للجنة ) ؛ الدكتور عبد العزيز الطالبي من المغرب ( عضوًا في اللجنة ) ؛ الدكتورة حنين معالي من الأردن ( عضوًا في اللجنة ) ؛ الأستاذ مصطفى الخرّاز من المغرب ( عضوًا في اللجنة ) ؛ الأستاذ محمّد حمودة زلّوم من الأردن ( عضوًا في اللجنة ) . تم قبول خمسينَ قصيدة، فيما رُفِضَت الثماني عشرة الأخرى. في تاريخ ٢٥ أغسطس/آب، وصل للمتأهّلين للمرحلة الثانية رسائلَ مفادُها فوزهم في المرحلة الأولى، ومن هنا، انطلقت الرحلة مع شاعر الريشة. خاض الشعراء الإختبار الأوّلي للإلقاء، تضمّن قصيدة المرحلة الأولى. وقد عمّت المجموعة، تسجيلاتٌ صوتيّة، تخبّأ في ثناياها، سحرٌ من العبارات. كان ذلك في الثامن والعشرين من أغسطس/آب ودام حتى ٣١ أغسطس/آب. قرأت اللجنة القصائد مرّة أخرى، مضيفةً إلى نقدِها، سماع القصائد بصوت كاتبيها. خلّصت بانتقاء إحدى وعشرين قصيدة فائزة بالقائمة الطويلة للجائزة وتأهيلها للمرحلة الثالثة، لكتابة قصيدة جديدة، تقنع فيها اللجنة برئيسها وأعضائِها، بمستواها. أُعلِنَ عن القائمة الطويلة للمسابقة في الرابع من سبتمبر/أيلول. إحدى وعشرون منافسًا، بلغوا المرحلة الثالثة التي ستحتدّ فيها المنافسة لسببين. الأوّل، نقص العدد. والثاني، موضوع القصيدة محدّد وليس مخيّرًا؟ على غرار المرحلتين الأولى والثانية. وأنتَ وشطارتك!
إختارت اللجنة بعد طرح ثلاثين موضوعًا وأكثر، أن تكرّم فلسطين الرازحة تحت وطأة الحروب، فتكون القصائد المنثورة، هديّةً لها، إيمانًا بكتّاب العالم العربي بانتصارها. استمرّت المرحلة الثالثة لمدّة أربعة أيّام أيضًة من الخامس من سبتمبر/أيلول حتى الثامن من سبتمبر/أيلول. كَتَبَ مشاركو المرحلة الثالثة نصوصهم بتأنٍّ وصدقٍ، مختارين ما يليق بفلسطين، لإعطائها قيمتها، وقاموا بتلاوتها فيما بعد. أحالت الإدارة النصوصَ إلى لجنة التحكيم، فحظيت عشرة أشعار بفرصةٍ جديدةٍ، أمّا الإحدى عشر شعرًا الآخر فتمّ إقصاؤهم، ومنحهم شهاداتٍ تقديريّةً على حلولهم ضمن القائمات المتقدّمة من جائزة الشعر تلك، الرائدة. صدرت القائمة القصيرة للمسابقة، في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول. عشرة قلوبٍ تخفق بسرعة. إنجازْ عظيمٌ ونجاحٌ باهرٌ حققّه المتأهّلون . تبلّغوا خبر تأهّلهم، بفيديوهات عفويّة، سجلّها لهم الأستاذ مارفن عجور. إنتهى يوم الفرح، وحلّ يوم الجدّ والعمل. على الشعراء، أن يثبت كلّ واحد منهم، بأنّه الأفضل والمستحقّ لنيل اللقب الذهبيّ الفخم. تجهيزاتٌ وتدريباتٌ وتحضيراتٌ للمواجهة الأخيرة التي ستقرّر المتأهّلين النهائيين، الذين سيتدّرجون بحسب المراتب من الرابعة حتى الأولى، على صعيد مسابقة شاعر الريشة في الدورة الأولى. تَواجَهَ المشاركون العشرة على مسرح الشعر العربي. تلت المواجهات، تصويتٌ للجنة التحكيم والجمهور على أفضلِ شعرٍ بين العشرة أشعار. كشف الأستاذ مارفن عجور، بعد تصويتٍ استمرّ لمدّة عشر دقائق، وفرزٍ للنتائج، استمرّ لمدّة عشر دقائق أخرى ، عن أسماء المتبارين الأربعة على لقب شاعر الريشة. وبشأن الخمسة الذين استبعدوا عن المنافسة، فوُهِبوا شهاداتٍ تقديريّةً وبطاقاتٍ عضويّةً في ملتقى كتّاب حول العالم.
خُصِّصَ يوم ٢٨ سبتمبر/أيلول، للإفصاح عن إسم الفائز الأوّل في شاعر الريشة. احتفالًا بهيجًا، قدّمه الأستاذ مارفن عجور -مشرف مسابقة شاعر الريشة - وحضره كثرٌ من الشعوب، والناس، إستعرضَ فيه الأستاذ مارفن عجور تقاريرَ بصوته وركبّ الصور المناسبة مع الكلام، باذلًا في ذلك جهودًا مضنيةً، قاضيًا ساعاتٍ أمام شاشة الهاتف لإتمام العمل، فالوقتُ يمرّ بسرعة، ويحاربنا، متحدّيًّا أن نسبقه. تقاريرٌ، شملت سيرات ذاتية، ونشاطات أقامها المنظمّين ورعاة المسابقة منذ انطلاقتهم في صروحهم الأدبيّة العريقة، ملخّص لمراحل المسابقة، أسئلة للمشاركين النهائيين، عرضًا للجوائز الممنوحة للفائزين جميعهم ويبلغ عددهم إحدى وعشرين رابحًا.
في نهاية الاحتفال، تمّ الإعلان عن أسماء الفائزين وقد حلّ عمر سالم بن هشلان من اليمن في المرتبة الأولى؛ تلته علا عبد الكريم ابراهيم سليمان من السودان في المرتبة الثانية؛ فهد العسكر من سوريا في المرتبة الثالثة؛ وختام محمّد المقداد من اليمن في المرتبة الرابعة.
حاز الفائزون شهاداتٍ تقديّرية وبطاقاتِ عضو مميّز في ملتقى كتّاب حول العالم. وسيحوزون المزيدِ من الجوائز، في المستقبل القريب.
هكذا انطلقت مغامرة شاعر الريشة، وهكذا انتهت. بفرحِ النجاح وتحقيقِ الأحلام انتهت. كانت مسابقة أدبيّة رائدة، ومحفّزة. تطلّعنا فيها إلى مستقبلٍ زاهرٍ للأدب العربي، وازدادت محبّتنا له وتمسّكنا فيه.
نبارك للجميع! ونشكر اتّحاد ملتقى كتّاب حول العالم على هذه الفرصة الجميلة، ودار بسمة للنشر الالكتروني ودار إبداع كاتب للنشر والتوزيع على رعيهما الفذّ للمسابقة.
إلى الدورة الثانية العام المقبل إن شاء الله! ابقوا بخير ونراكم والأدب على خير!
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا