منير الربيع-المدن
دخل لبنان في مسار يشبه إلى حدّ بعيد مسارات الحرب على غزة. تصعيد عسكري كبير، مع تلويح بتنفيذ عمليات برية، إلى جانب توسيع نطاق الاستهدافات التي يريد الإسرائيليون من خلالها بث الرعب في نفوس اللبنانيين عموماً، والبيئة الحاضنة لحزب الله خصوصاً. اعتمد الإسرائيليون في عملياتهم العسكرية آليات متعددة، أبرزها تدمير كبير وممنهج في المنازل والبنى التحتية، وذلك بدافع تهجير أكبر قدر ممكن من السكان، بالإضافة إلى استهداف مناطق لم تستهدف من قبل حتى في حرب تموز، كمنطقة جون في ساحل الشوف، أو منطقة المعيصرة في كسروان. وبذلك تريد تل أبيب القول إن كل منطقة لحزب الله وجود فيها ستكون مستهدفة، بالإضافة إلى شن الضربات على قرى شيعية في محيط مسيحي أو سنّي أو درزي، لإثارة المزيد من الحساسيات الطائفية والمذهبية.
سيناريو غزة؟
في موازاة التصعيد تتكثف الاتصالات الدولية والديبلوماسية، سعياً وراء الوصول إلى صيغة لخفض التصعيد. وهو ما يشبه إلى حدّ كبير مجريات وتطورات الأحداث في غزة، حيث التصعيد الإسرائيلي في موازاة المفاوضات. علماً أنه مع كل جولة تفاوضية جديدة وإحراز البعض من التقدم، كان الإسرائيليون يلجؤون إلى تصعيد عملياتهم وتكثيفها، ما يطيح بكل المساعي للوصول إلى اتفاق ديبلوماسي أو صفقة لوقف إطلاق النار.
هذا السيناريو يمكنه أن يتكرر في لبنان. في مقابل وجهة نظر أخرى تشير بوضوح إلى أن انتقال التركيز الإسرائيلي على جبهة لبنان، هو بسبب عدم وجود أهداف في غزة وعدم القدرة على تحقيق المزيد. ما يدفع أصحاب وجهة النظر هذه إلى الاعتقاد بأن التصعيد في لبنان سيؤدي إلى تدخلات دولية كبيرة لوقفه، ما يشكل مدخلاً إلى وقف الحرب في غزة. خصوصاً أنه لم يعد بالإمكان إلا الوصول إلى تسوية تطال الملفين والجبهتين.
أروقة الأمم المتحدة
جاء التصعيد الإسرائيلي يوم الأربعاء والمتواصل منذ يوم الإثنين، مترافقاً مع مساع دولية كثيفة وحثيثة في سبيل الوصول إلى تفاهم على وقف إطلاق النار. كانت أروقة الأمم المتحدة في نيويورك تضج بالتحركات واللقاءات والاجتماعات، بين جهات متعددة لبنانية وعربية ودولية، وصولاً إلى الاجتماع بين الفرنسيين والأميركيين، خصوصاً في ظل حضور المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، لإنضاج ورقة سياسية يتم إصدارها كتوصية بوقف الحرب وتحدد آليات تطبيق القرار 1701 بما يضمن عدم اتساع رقعة الصراع أو انفجاره.
سبق ذلك محاولات كثيرة في مجلس الأمن لإصدار موقف يطالب بوقف إطلاق النار ويدين الجرائم الإسرائيلية في لبنان، لكن الولايات المتحدة الأميركية عطّلت إصدار القرار عندما عقدت الجلسة المخصصة للبحث في تداعيات تفجير أجهزة الاتصال العائدة للحزب. تواصلت الاتصالات في سبيل الوصول إلى تفاهم، وقد تقدّم الفرنسيون المساعي، من خلال الدعوة إلى عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن للبحث في التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، وأصر الفرنسيون على اقتراح الخروج بقرار عن مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في لبنان.
دمج ورقتي فرنسا وأميركا
في الموازاة، كانت الأمم المتحدة تعمل على إنجاز ورقة أو تفاهم يقضي في خفض التصعيد، ويفتح مساراً جديداً لإعادة إطلاق المفاوضات مجدداً. وقد نسقت الأمم المتحدة مع أميركا، فرنسا، ودول كثيرة، ما أنتج ورقة واضحة جرى التداول بها في الاجتماعات التمهيدية ما قبل انعقاد الجلسة. وحسب المعلومات، فإن الورقة تجمع بين المقترحات الأميركية التي تقدم بها هوكشتاين والورقة الفرنسية التي قدمت سابقاً. تنص الورقة على على وقف إطلاق النار أو هدنة، لمدة 3 اسابيع. وخلالها يقوم هوكشتاين بمفاوضات وجولات مكوكية بين لبنان وإسرائيل إلى حين الوصول إلى اتفاق وتفاهم شامل، كما حصل في مرحلة ترسيم الحدود البحرية.
تتضمن هدنة الأربع أسابيع وقفاً لكل الأعمال العسكرية، بما فيها الطلعات الجوية الاسرائيلية في الأجواء اللبنانية. ويتم العمل على تخفيض العمليات العسكرية في البداية، وبعدها وقف إطلاق النار بشكل كامل، مع توفير ضمانات حول إعادة الإعمار وإعادة السكان، وبعدها فتح مسار ترسيم الحدود البرية، مع تعزيز قدرات الجيش وإنشاء أبراج مراقبة، وعدم حصول أي تحركات أو تعزيزات عسكرية لصالح حزب الله.
أساس الورقة هو الوصول إلى صيغة مقبولة من غالبية الأطراف لتطبيق القرار 1701، على أن تتضمن بعض الصيغ التوضيحية حيال كيفية تطبيق القرار، بشكل لا يعود هناك أي التباس بشأنه. وبحال لم يتم الوصول إلى توافق حول إصدار هذه التوصية بقرار عن مجلس الأمن، فلا بد من اعتمادها بناء على اتفاق بين القوى الدولية الكبرى.
“الكلمة للميدان”
في موازاة المساعي الديبلوماسية والمواقف السياسية، كان الميدان يتكلم أيضاً، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، خصوصاً أن كلا الطرفين لا يريدان التراجع، وكل منهما يحتفظ بالمزيد من الأوراق والمفاجآت الأمنية والعسكرية. حزب الله بقي متمسكاً بموقفه لوقف إطلاق النار في غزة على أن ينسحب ذلك على لبنان.
في الأثناء، واصلت إسرائيل تصعيدها العسكري لزيادة الضغط وتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف. بالنسبة إلى حزب الله فلا يمكنه التراجع أو التنازل كي لا يعطي أي صورة أو انطباع عن وجود حالة ضعف، خصوصاً بعد الضربات التي شنها الإسرائيليون. لكن المداولات معه تركزت على فكرة إقناعه بالموافقة المبدئية على أي صيغة لوقف النار، وحتى لو لم يتم تطبيقها حالياً. ولكن يكون هناك إطار معين يمكن الاستناد عليه لاحقاً.
في المقابل، فإن ما تحاول إسرائيل القيام به هو استثمار الضغط العسكري والضربات الكبيرة والقوية لفرض رؤيتها أو إرادتها على أي اتفاق أو تسوية. وهذا ما حاول الإسرائيليون تسويقه من خلال الكلام عن النافذة الديبلوماسية أو عن المساعي التي تحدث عنها المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، وهو ما لا يوافق عليه الحزب مطلقاً.