النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
أثبتت إسرائيل بفعلتيها الأخيرتين للعالم أجمع، ان الدول الكبرى عبارة عن وحوش كبرى تواكب المجازر وتذخر الجزار. فالكيان الصهيوني قام على الإرهاب والتهجير، وثبَّت دولته باختبار أحدث ما ينتجه الغرب من أسلحة لإخضاع الفلسطنيين والعرب، بل وأشرك معه فرنسا وانجلترا في حرب السويس في العام 1956، كما انخرطت الولايات المتحدة بكل ما تملك في حرب اوكتوبر العام 1973، حيث اعترف كيسنجر قبل وفاته بأشهر أنه أقام قطاراً جوياً لتزويد إسرائيل بالمعدات اللازمة لمنع هزيمتها. ودخلت المخابرات الإسرائيلية على أنواعها، إلى أعماق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بل راحت تبيع منتجاتها كواحدة من أبرز المنتجين. تسللت الموساد والشاباك الى الشبكة العنكبوتية الدولية، بتسهيل ومعاونة دول القرار، واحرزت معلوماتها الدقيقة بمراقبة الهواتف، وطورت وسائلها، فصار الجهاز المعلق بالمُسَيَّرة، يحلل المعلومات خلال ثلاثين ثانية، لتصدر الأوامر بالاطلاق في ثلاثين ثانية أخرى، على ما شرحه لي واحد من كبار المتعاطين بالسياسة الدولية.
أرادت إسرائيل أن تعوض عن صغر جيشها العامل الذي لا يتعدى الـ 350000 جندي، بالتفوق الجوي والاستخباري، محاولة بذلك تكرار تجربة 47-48 بتهجير الفسطينيين بقتل عشرات الآلاف، وجعل حياتهم مستحيلة بتدمير المرافق والبيوت ، واصطيادهم من خلال العيون الالكترونية الخائنة، تماماً كما تفعل مع مقاتلي حزب الله، سواء من خلال الانترنت أو بتفجير أجهزة اللاسلكي التي جرى تفخيخها عند التصنيع، لما للجاسوسية الاسرائيلية من امتداد خطير، وتداخل مع كثير من أجهزة مخابرات الدول، ولقد بعثت لنا رسالة مفادها أنها تستطيع إصابة الآلاف بلحظة واحدة، من حيث لا ندري ولا نتوقع، كما بعثت من قبل رسالة إلى الجمهورية الإيرانية بأن ذراعها أطول مما يخطر في بال عندما تعمدت اغتيال الشهيد اسماعيل هنية وهو في حمى الحرس الثورى، وقد كان الأيسر عليها ان تقتله في أي مكان آخر، ولكنها اختارت المكان الصعب لاستدراج إيران إلى مواجهة ترى ظروفها مناسبة جداً لها في المرحلة الرجراجة التي تمر بها أميركا. وهي لم تزل تستفز حزب الله، منذ اغتيال الشهيد العاروري والشهيد فؤاد شكر، وصولاً إلى استهداف أكثر من ثلاثة آلاف من كوادر الحزب في آن واحد عله يخرج عن طوره ويذهب إلى اشتباك تترقبه لتجعل منه ذريعة تبرر لها حرباً واسعة على لبنان كله، يحاول الأميركان حتى الآن منعها عن ذلك.
لقد بالغت إسرائيل في إنذاراتها التي كانت تصدر عنها بالمباشر أو بالوساطة، حتى وقع في الحسبان السياسي أنها انذارات للتهويل، ولكن الذي يصدق ذلك، يقع في السذاجة السياسية، لأن هذا الكيان العدواني لم يزل يتربص بنا، مستغلاً تفوقه المشار إليه، ومعولاً على المفاصل الرخوة في البنية اللبنانية، بمعنى انه يتوقع أن تنتج عن أعماله الحربية الغادرة، انقسامات داخلية تتعدى الخطابات الى بلورة مشاريع الطلاق على ما أقرأ واسمع من مطارحات ومقاربات فتجدها سانحة لاستثمار ذلك الانقسام للقيام بعمل عدواني واسع.
أنا أتحدث بواقعية تامة، كما لا أخرج عن هذه الواقعية إذا قلت إن الشعب اللبناني يستطيع ان يصد العدوان الإسرائيلي المدجج بالطائرات والمسيرات والدبابات، بعلاج الوحدة الوطنية الذي تحدث عنه سماحة الإمام موسى الصدر، ومن قبل استطاع مقاتلو الفيتكونغ، المدعومون من الشعب الفتينامي كلّه، ان يهزموا التفوق الأميركي الفاحش بتسخير البدائيات المتاحة، من بنادق وحجارة، بل وحشرات بقيادة اعظم قائد لحروب العصابات الجنرال جياب وفي ظل أحكم قائد سياسي هو العم هوشي منه.
هذه لحظة للحزن كما صرّح معظم السياسيين وهي أيضاً لحظة للتفكير والتدبير، ولفضلية اعادة النظر المطلوبة من القوى السياسة اللبنانية، كما أنها مناسبة للاعتزاز بروح التضامن، والكفاءة العالية والحمية اللافتة للجهاز الصحي اللبناني، وزيراً ووزارة ومستشفيات واطباء ومسعفين وممرضين، بما يدل قطعاً على أن البنية اللبنانية قابلة للتعافي السريع.