الانباء الكويتية
بعد 24 ساعة على انفجارات أجهزة الاتصال «بيجر»، هزت الضاحية الجنوبية لبيروت والمناطق اللبنانية في الجنوب والبقاع سلسلة انفجارات طالت أجهزة اتصال لاسلكية محمولة من طراز «ووكي توكي» وغيرها، وأوقعت ضحايا، حيث أعلنت وزارة الصحة اللبنانية سقوط ١٤ قتيلا ونحو ٤٥٠ مصابا مرشحة للارتفاع، في سلسلة التفجيرات الجديدة للأجهزة اللاسلكية في لبنان أمس.وبدا واضحا ان إسرائيل نقلت حربها في غزة إلى الداخل اللبناني، بضربات كبيرة ظاهرها تكنولوجي، ولكنها نتيجة عمليات استخباراتية متقدمة وغير مسبوقة في هذا المجال.
ولعل تصريح وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب عن أن «الانفجارات الجديدة نذير حرب تتسع»، يعكس تدحرج الأمور نحو الأسوأ.
وذكرت الضربتان الإسرائيليتان في يومين، بالأسلوب الذي اتبعته إسرائيل في حرب يوليو 2006، باستهداف البنى التحتية من جسور ومحطات كهرباء وغيرها. ومما لا شك فيه ان الحرب في لبنان دخلت منحى جديدا خرجت منه من كل ضوابط والتي كانت تعرف بـ«قواعد الاشتباك»، وتركت حالا من القلق لدى اللبنانيين الذين تغلبوا عليه وعلى صعاب أخرى واجهوها بمزيد من التضامن الوطني بعد انفجارات السابع عشر من سبتمبر.
وأفادت «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية اللبنانية بأن ثلاثة من الضحايا قضوا في بلدة سحمر بالبقاع الغربي وراشيا.
في أي حال، سارعت حركة «أمل» إلى مساندة «الحزب» بتأمين المناطق ليل الثلاثاء – الأربعاء، وتولى أفرادها قصف مواقع إسرائيلية من الجنوب، منعا لظهور خلل على «جبهة الإسناد».
وقد حدد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الخامسة بعد ظهر اليوم الخميس موعدا لمخاطبة جمهوره، ما يعني ذلك انه لا ردة فعل قبل الكلمة.
وكان لبنان الرسمي والشعبي يحاول نفض الغبار الثقيل عنه أمس، بعد تبيان حجم ما جرى، ضمن سلسلة المواجهات المفتوحة مع إسرائيل منذ قيامها في 1948، وصولا إلى نقطة التحول في مصلحة «وطن الأرز» في هذا الصراع، بفرض الانسحاب الإسرائيلي شبه الكامل العام 2000، والخروج بانتصار في حرب يوليو 2006، ثبت الصمود اللبناني أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة عالميا.
ولابد من الاعتراف بأن اللبنانيين يقيمون هول ما جرى، ويدركون أثمان الحرب مع إسرائيل، وان كانت ضربة الـ 17 من سبتمبر ستسجل في تاريخ الحروب اللبنانية – الإسرائيلية، وفي سجلات العالم عن كبرى العمليات الاستخباراتية.
والسؤال المطروح: هل ستخرج الحرب عن قواعد الاشتباك المعمول بها، ويوسع الحزب رقعة الاستهداف المحصورة في المواقع العسكرية الحدودية؟
وكان لافتا الالتفاف اللبناني حول المواجهة مع إسرائيل واعتداءاتها على اللبنانيين، على الرغم من ملاحظات وخلافات سابقة أرخت بظلالها على العلاقة بين مكونات لبنانية عدة، من حلفاء وخصوم.
وتضامن لبنان مع نفسه أمس أمام هول ما جرى، وسط دعوات لتكريس التضامن والإفادة منه للسير نحو حلول لأزمات متفاقمة تعصف بالبلاد، ليس أقلها الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية الشاغر منذ 31 أكتوبر 2022.
وأفاد مصدر أمني لبناني غير رسمي بأن زنة العبوات المزروعة في الأجهزة بلغت 25 غراما، ووضعت في جزء من بطارية الليثيوم الخاصة بكل جهاز.
وكانت سجلت حركة لافتة للسفراء في هذا الإطار، أبرزها من السفيرين السعودي وليد بخاري والفرنسي هيرفيه ماغرو، في محاولة لفتح كوة لدى رافضي الحوار والتشاور، سعيا إلى تأمين مساحات تلاق تتيح العبور نحو إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وبدا واضحا من حركة السفير السعودي في اتجاه البطريركية المارونية ثم باتجاه حزب «القوات اللبنانية»، وكذلك السفير الفرنسي ان الاتجاه إلى تأمين تجاوب مع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع توقع وصول الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت في القسم الأخير من الشهر الجاري.
وفي أبرز اللقاءات أمس، زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للرئيس نبيه بري في عين التينة ظهرا.
طبيا، عملت المستشفيات التخصصية بطاقة كاملة، واستقبلت جرحى سلسلة الانفجارات الأولى بحسب اختصاصات هذه المستشفيات. وأفاد رئيس مجلس إدارة مستشفى الأذن والعين التخصصي في النقاش بالمتن الشمالي شرق بيروت رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية بيار جلخ لـ «الأنباء»، بأن المستشفى «استقبل عددا كبيرا من الجرحى الذين احتاجوا إلى عمليات جراحية في العيون. وقد عملنا على فرز الجرحى وحصرنا الاستقبال بالمصابين في عيونهم. وحضر الطاقم الطبي كاملا واستمرت المعالجات والعمليات الجراحية حتى الساعة الرابعة فجر الأربعاء. ومنذ ساعات الصبح الأولى ليوم الأربعاء، استأنف الطاقم العمل، وبعض أفراده لم يغادروا إلى بيوتهم».
والشيء عينه تكرر في مستشفى شرفان التخصصي للعيون في منطقة المتحف، على مسافة أمتار من مستشفى «أوتيل ديو دو فرانس»، وفي مستشفيات تخصصية أخرى. ولم يأخذ الأطباء والجراحون استراحة، بل عملوا بطريقة غير معهودة للمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتخفيف عن الجرحى.
بدوره، استقبل مستشفى النجدة الشعبية بالنبطية المصابين من الحالات الحرجة بعيونهم، واستمرت العمليات الجراحية حتى ساعات الظهر من يوم أمس الأربعاء.
في حين كانت الحركة خفيفة أمس في العاصمة بيروت وضواحيها، نظرا إلى تعليق الدروس في المدارس والجامعات، ودعوة الاتحاد العمالي العام إلى التوقف عن العمل. كذلك كانت حركة السير أقل من عادية لقاصدي بيروت من الشمال، وأخف منها من جهة الجنوب. في حين داوم العاملون في القطاع الخاص والمنظمات الأجنبية غير الحكومية. وافتقدت الضاحية الجنوبية حركتها المعتادة، وخلت الشوارع من المارة والسيارات وحتى الدراجات النارية.
وكتب رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون على «إكس»: «العزاء اليوم هو لنا جميعا، لكل اللبنانيين، فكلنا مصابون، وكلنا جرحى، وكلنا متألمون. ولكن التعزية الأكبر هي بمؤسسات دولية يفترض ان تحمي السلام والعدالة في العالم، ولكنها تقف ضعيفة عاجزة أمام مشاهد القتل الوحشية، خصوصا بحق الأطفال، والجرائم ضد الإنسانية المتكررة يوميا في غزة، والتي ضربت بالأمس لبنان».