منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، شهدت الرواتب في مختلف القطاعات تغييرات جذرية. تفاقمت الأزمة المالية مع تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع التضخم، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للرواتب. ومع ارتفاع تكلفة المعيشة بصورة غير مسبوقة، تسعى الشركات إلى مواكبة هذه التطورات عبر زيادات متواضعة في الرواتب بالدولار الفريش. لكن يبقى السؤال: هل هذه الزيادات تكفي لتأمين احتياجات الموظفين الأساسية؟
الراتب بين الأمس واليوم
بالعودة إلى عام 2019، كانت الزيادات في الرواتب تتراوح بين 20% إلى 30% بالدولار، ومع مرور السنوات، ارتفعت النسب تدريجياً لتصل إلى 50% و60%، حتى شهدنا اليوم بعض الشركات تدفع ما يقارب 75% من رواتب 2019 بالدولار. ولكن هل هذا يكفي؟
وفقاً لأحد الموظفين لـ "vdlnews"، "الشخص الذي كان يتقاضى 1000 دولار في 2019 يجب أن يتقاضى اليوم حوالي 1300 إلى 1350 دولار للحفاظ على نفس القدرة الشرائية." ولكن الواقع أكثر قسوة، إذ أن العديد من الشركات التي تستطيع دفع 75% من الرواتب القديمة هي الأقلية، في حين أن الموظفين في القطاع العام ما زالوا يتقاضون ما بين 300 إلى 350 دولاراً فقط. الفرق بين القطاعين الخاص والعام لا يزال كبيراً، مما يفاقم من حالة الغموض التي يعيشها العامل اللبناني.
استراتيجيات الشركات في مواجهة الأزمة
أمام هذا الواقع الصعب، تبنت الشركات اللبنانية استراتيجيات متنوعة للتأقلم مع الأزمة. بعض الشركات تحملت الخسائر الكبيرة من أجل الحفاظ على موظفيها، فيما لجأت أخرى إلى تقليص الرواتب أو تقليل عدد ساعات العمل. ولكن الركيزة الأساسية لاستراتيجيات هذه الشركات كانت واضحة: البقاء في السوق ولو بحد أدنى من الأرباح.
يقول أحد المسؤولين في إحدى الشركات الكبرى لـ "vdlnews": "الشركات اللبنانية اليوم ليس همها تحقيق الربح الكبير، بل البقاء في السوق والحفاظ على موظفيها وسوقها." ويؤكد أن الرواتب ستشهد زيادات مستمرة، قد تصل إلى 80% و85% في المستقبل القريب. الهدف الرئيسي هو الوصول إلى نسبة 100% بحلول عام 2025 أو 2026، ومن المتوقع أن تبدأ القدرة الشرائية بالتحسن بشكل ملموس بحلول عام 2027، بعد انتهاء الأزمة بشكل كلي.
الأمل في الحلول المستدامة
ورغم هذه الزيادات المتفاوتة في الرواتب، فإن اللبنانيين يتطلعون إلى حلول أكثر استدامة على مستوى السياسات العامة. ارتفاع الرواتب لا يكفي وحده لتعويض التضخم وغلاء المعيشة. لذلك، يبقى الأمل معلقاً على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي قد تؤمن استقراراً طويل الأمد.
في النهاية، يمكن القول إن الأزمة الاقتصادية في لبنان قد أجبرت الشركات على اتخاذ خطوات استثنائية لضمان بقائها. ولكن من دون حلول جذرية وإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، يبقى مستقبل الرواتب والقدرة الشرائية في لبنان غامضاً، والموظفون يتساءلون: هل سيأتي اليوم الذي يستطيعون فيه تأمين احتياجاتهم الأساسية بالكامل؟