"كما دخلنا كارباخ وليبيا يمكننا فعل الشيء نفسه بإسرائيل"... الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 28/07/2024
قال هاكان فيدان وزير الخارجية التركي، بعد بضعة أشهر من الحرب بين إسرائيل وحماس، إنه "إما أن تنهي إسرائيل الحرب وتقبل بسلام دائم، أو تستمر بالحرب وتتوسع في المنطقة وتصبح حربًا إقليمية". بوادر الحرب الشاملة، ظهرت في الآونة الأخيرة خلال تنفيذ إسرائيل غارات على مواقع حوثية في اليمن، ثم الحديث عن التخطيط لشن هجوم كبير على لبنان بعد حادثة مجدل الشمس في الجولان... فهل أنقرة قادرة على غزو إسرائيل فعلًا؟
من ناحية القوات البرية والبحرية تركيا قادرة على مواجهة إسرائيل وربما إلحاق الهزيمة بها. فتركيا، من الناحية العسكرية، تحتل المرتبة الثامنة عالميًا لعام 2024 وفقًا لـ Global Firepower وتحتل المركز الثاني في حلف الناتو كثاني أكبر جيش بعد الولايات المتحدة الأميركية.
لنفترض أن رجب طيب أردوغان فعلًا يريد شن حرب على تل أبيب وغزوها، هناك عقبة تعترض طريقه، وهي مشكلة سلاح القوات الجوية، فالمقاتلات التي تمتلكها تركيا هي مقاتلات أميركية الصنع من طراز F-16 ومصنوعة بتكلنوجيات شبه تقليدية تعود لثمانينات القرن الماضي.
أما على المقلب الآخر، لدى إسرائيل أحدث مقاتلات في العالم من طراز F-35 ما يجعلنا نتساءل عن فعالية وقدرة صمود مقاتلات الـ F-16 في مواجهة الـ F-35 .
وبعيدًا عن المقارنات بين سلاح جو الجيشين، لا بد من التنبه لأمر ألا وهو مدى موافقة واشنطن على استعمال تركيا للطائرات الأميركية في أي عمل عدائي تجاه إسرائيل. غير أنه إذا أقدمت أنقرة على هذه المغامرة، فقد تواجه خطر الوقوع في مأزق العقوبات الأميركية، وقد يسبق العقوبات امتناع أميركا عن تصدير ذخيرة المقاتلات إلى تركيا، فضلًا عن إيقاف مشروع بيع مقاتلات F16 جديدة لها وتعليق العمل على تحديث المقاتلات الموجودة لديها.
مغامرة، إن خاضها أردوغان، ستكلفه ثمنًا باهظًا في حال قررت الولايات المتحدة إيقاف مد أنقرة بذخيرة للمقاتلات، وذلك يعود لتعثر إطلاق صاروخ روسي أو صيني من مقاتلة أميركية الصنع.
وبحال قررت تركيا شراء مقاتلات رديفة للـ F-35 وهي FC-31 الصينية أو SU-35 الروسية، فستتعرض لعقوبات اقتصادية لن تقوى عليها وستتعرض لحظر بيع التكنولوجيا اللازمة التي تدخل في الصناعات الدفاعية كأشباه الموصلات وغيرها. غير أن تركيا قد حلّت جزءًا كبيرًا من المأزق هذا، عن طريق ابتكار برامج تصنيع ذخيرة محليًا للمقاتلات الأميركية التي تمتلكها، ما يجنبها انعكاسات الحظر الأميركي من ناحية ذخائر الـ F16.
إنما مع كل حل، تظهر عقدة أكبر من سابقاتها، فوفقًا لموقع Defense news، فمعظم المقاتلات التركية من طراز F-16 ينتهي عمرها الافتراضي عام 2030، وأنقرة عقدت صفقة مع واشنطن تشمل تحديث مقاتلاتها وإطالة عمرها الافتراضي حتى عام 2040. ومن ناحية أخرى تتضمن الصفقة قرابة 80 مقاتلة حديثة من الطراز عينه، إلا أن أي إعلان للحرب على إسرائيل في هذا التوقيت يعني ببساطة تعليق الولايات المتحدة لهذه الصفقة.
"قاآن".. محرّك أميركي لطائرة تركية
كل ما ورد آنفًا، عرضة للنقاش بالنسبة لبعض المراقبين والمحللين كون تركيا لديها بالفعل برنامج لصناعة مقاتلة محلية والتحليق بها في أقرب فرصة، غير أن شيء ما يغفل عن البعض وهو أن الطائرة المحاربة التركية "قاآن" محرّكها الأولي أميركي الصنع، والمقاتلة لن تدخل حيز الانتاج قبل حوالي عقد من اليوم، في العام 2030، حسب موقع Defense News Asia. هذا وتدخل BAE systems الشركة البريطانية كمعاون أساسي في إنجاز المشروع التركي هذا.
إن اعتماد "قاآن" على محرك أميركي وعلى شركة بريطانية لتنفيذ المشروع، يجعل أنقرة تعيد حساباتها قبل شن الحرب على إسرائيل، كونه من البديهي، بحال الإقدام على خطوة من هذا القبيل، ان تنسحب بريطانيا من البرنامج وتمتنع أميركا عن بيع المحرّك، مما قد يؤخر إنجاز الحلم التركي بامتلاك طائرات محلية الصنع عشرات السنين لإيجاد شركاء جدد بدلًا من واشنطن وبريطاني، في حين تحتاج مشاريع أخرى تعمل عليها تركيا لتطوير مقاتلات من طرازات أخرى مع دول أجنبية أخرى منها السعودية وباكستان مثلا إلى سنوات حتى تتبلور الخطط الأولى المتعلقة بها.
تسليح اليونان وقبرص الرومية و"العمال الكردستاني" لردع أنقرة
المشكلة لم تنته هنا بالنسبة لتركيا، بالإضافة إلى العقوبات الغربية التي قد تتعرض لها، فتسليح اليونان خيار وارد للغرب، ودعم أثينا لإعلان حدودها إلى 12 ميل في البحر إيجة خيار وارد أيضًا، الأمر الذي يعتبر بمثابة إعلان الحرب على تركيا لاعتبار رئيسي بالنسبة لها وهو حصر حدودها المائية في ساحلها فقط.
وفي خطوة مرتدّة من جانب أنقرة، فإعلان الحرب على اليونان، يعني تدخل فرنسا والولايات المتحدة، وفقًا لمعاهدة الدفاع المشتركة مع أثينا التي تنص على وجوب تدخل واشنطن وباريس بحال تعرّضها لأي عدوان. وكنوع من الضغط الإضافي على أنقرة، فقد تلجأ الدول الغربية إلى تسليح قبرص الرومية بمضادات جوية وبناء مزيد من القواعد الأميركية والأوروبية فيها لتضييق الخناق على تركيا، الأمر الذي يهدد الأمن القومي التركي.
كما لا بد من الإشارة إلى احتمالية تزويد الولايات المتحدة تنظيمي PYD في سوريا وPKK في العراق بأنظمة دفاع جوي مما قد يسبب أرقًا للمقاتلات التركية ويضع نجاح الغارات على المواقع الكردية على المحك.
عقبات داخلية تعترض "غزو إسرائيل"
تركيا الرازحة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، لا تحتمل أزمة جديدة، وبحال فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية على تركيا، فسيتعرض الاقتصاد التركي لهزة كبيرة هو بغنى عنها.
الأسبوع الماضي في البرلمان التركي، ألقى مستشار زعيم حزب المعارضة أوزغور أوزال كلمة قال فيها بما معناه "إن حدود الوطن الأزرق التركي هي خيال، لماذا نرسل أبناءنا إلى الصومال".
ووعد أكبر أحزاب المعارضة حال وصوله للحكم بسحب القوات التركية من سوريا والعراق، واعتبر أوزال أن "الجيش التركي أنشئ جبهة متقدمة خارج حدوده لمحاربة تنظيمي PKK وPYD داخل العراق وسوريا". هذا وتقول الأحزاب المعارضة إنه ما من داع للوجود التركي خارج الحدود تحت أي مبرر... فماذا لو أعلن أردوغان الحرب على إسرائيل؟
من المعروف أن معظم المحافظين الأتراك سيهللون وسيتسابقون للاشتراك بهذه الجبهة، غير أنه في المقابل التيار العلماني والقومي في تركيا سيعترض على هذه الخطوة بشدة، حيث يعتبر أن العرب أَولى بالدفاع عن فلسطين، فليتحمل العرب مسؤولياتهم تجاهها.
وقد نشهد نتيجة لذلك، ارتفاع الأصوات المناهضة لهذا الأمر وقد تخلق تحالفات قومية ويسارية وعلمانية بشكل أكبر.
إن كان ردع تركيا عن مغامرة إسرائيل عن طريق الضغط من الخارج غير كاف لكبح جماحها، فالصعوبات الداخلية تعترض طريق الرئيس التركي، الذي وفقًا للتقديرات، لم يكن يقصد ما تلفظ به، أو أنه غير مدرك لما قاله، والاحتمال الأخير هو الأبعد عن المنطق.
إسرائيل تعاملت مع التهديد بتصريحات عالية اللهجة من المسؤوليين الإسرائيليين، أما على المستوى الدبلوماسي فهذا الحدث يحمل أهمية معنوية كون تركيا أضحت الدولة الأولى في حلف شمال الأطلسي تهدد بشن حرب على إسرائيل.
وهنا تساؤلات عدة تطرح في إطار ما إذا كان حديث أردوغان مجرد حديث شعبوي لكسب ود ناخبيه، في الحقيقة، إن هذا التصريح يضر أردوغان أكثر مما ينفعه من الناحية الانتخابية، فقاعدته الشعبية والداعمون له، يشاهدونه يتوعد إسرائيل ويطلق تهديدات هو غير قادر على تنفيذها والالتزام بها.