ندى عبدالرزاق-الديار
حتى الامس القريب، كانت المستشفيات الحكومية في لبنان تقليدياً وجهة للعديد من المواطنين، خاصةً الفئات ذات الدخل المحدود، حيث توفر خدمات طبية بأسعار مقبولة أو مجانية، وتلعب دوراً حيوياً في تقديم الرعاية الصحية للعديد من اللبنانيين، الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المستشفيات الخاصة.لكن الأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدها البلد في السنوات الأخيرة، أدت إلى تضخم كبير وانخفاض في قيمة العملة المحلية،ونتيجة لذلك، ارتفعت تكاليف التشغيل والصيانة للمستشفيات بشكل كبير.
إذا، الدخول الى المستشفيات الخاصة بات مقتصرا على الطبقات الميسورة القادرة على دفع فواتيرها بالعملة الصعبة، لذلك اضطرت المستشفيات الحكومية إلى رفع تعرفة خدماتها الطبية لمواجهة هذه التحديات المالية، وبدأت في طلب الدفع بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة اللبنانية. والسؤال الذي يطرح نفسه هل مستشفياتنا الخاصة والحكومية جاهزة او "مش جاهزة" في حال توسّعت الحرب "الإسرائيلية"؟
في خطة او ما في؟!
في موازاة ذلك، أثار تسجيل صوتي لنقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، بلبلة وهلعا، بعد ان طلب تطبيق خطة الطوارئ المتفق عليها مع وزارة الصحة، كإجراء احترازي بعد تصاعد منسوب التهديدات "الإسرائيلية" الاخيرة. وقال في تصريح اعلامي "إذا كانت الضربات على غرار ما يحصل في غزة، من حيث استهداف المستشفيات باعتبارها أهدافاً عسكرية "فلا حول لنا ولا قوة"، أما إذا كانت شبيهة بحرب تموز 2006 فالمستشفيات قادرة على استيعاب الجرحى".
فإذا كانت المستشفيات الخاصة متأهبة ماذا عن الحكومية؟ يجيب الدكتور المتخصص في الصحة العامة هادي مراد: "يتذكر الجميع ان تفجير 4 آب كان على صعيد مدينة، وكان حينذاك يوجد حوالي 6000 آلاف جريح، ولم تستطع الجامعات والمستشفيات الخاصة تحمل أعباء هذا الكم الهائل من المصابين وقتذاك".وقال لـ "الديار": "باعتقادي الشخصي، إذا لا سمح الله اتسعت رقعة الحرب على مستوى لبنان، يوجد لدينا عدد مستشفيات لكنه غير كاف في حال وقوع حوادث كبيرة، على سبيل المثال كوارث طبيعية او قسرية مثل الحروب وغيرها. لذلك من المؤكد ان المستشفيات الخاصة لا تستطيع التعامل مع الحالات الصحية الطارئة". وأضاف:"اما بالنسبة الى المستشفيات الحكومية فهي غير قادرة على سد الحاجات اليومية الطبيعية، فما بالكم بحالة مثل حالة الحرب"؟
من جهته، قال الاختصاصي بأمراض القلب والشرايين في مستشفى رزق الدكتور جورج غانم لـ "الديار" إذا "لا سمح الله حدثت كارثة ما على صعيد البلد فوحدها المستشفيات الخاصة ستكون في الميدان، لأنها الوحيدة حاليا القادرة على استيعاب الحالات الطارئة والتعامل معها".
وأضاف "منذ حوالي السنة تقريبا نجري مع بعض المستشفيات الكبيرة تدريبات على الأمور الطارئة، لتهيئة الفرق العاملة بدءا من الأطباء وصولا الى الممرضين ومروا ببقية الموظفين، لمعرفة كيف يمكنهم التصرف مع المستجدات التي قد تفرض عليهم، وكيف يمكن لكل فرد الالتحاق بمركزه داخل المستشفى وما يجب عليه فعله". وأردف "لسوء الحظ استفدنا من الخبرة التي اكتسبناها في 4 آب 2020، ونحن في اتم الجهوزية ولدينا مخزون من الادوية واللوازم الطبية وحتى المازوت. اما بالنسبة الى المستشفيات الحكومية فلا اعلم مدى جهوزيتها وانا غير مطلع على حالتها".
لا اسرة ولا علاجات حتى لمرضى السرطان!
من جهته، قال طبيب في مستشفى الجعيتاوي لـ "الديار" من وجهة نظري ان المستشفيات الخاصة المهمة "لا تستطيع الصمود لأكثر من 20 يوم إذا توسعت دائرة الحرب ووقع شهداء وجرحى. في حين ان الحكومية قد "تفرط" بعد ساعات، وذلك بالاستناد الى مرضاي الذين لديهم علاجات كيمائية ولا يجدون اسرة فيها".
واكد "وجود شح في الطواقم المتخصصة، ففي مستشفى الباشق الحكومي مثلا يوجد طبيب واحد لأكثر من 50 مريضا في القسم الواحد، حيث ان الأقسام الأخرى مغلقة نتيجة عدم وجود كوادر اضافية. والطبيب نفسه يقوم بتنظيم إجراءات الدخول وتعبئة الأوراق، مما يدل أيضا على نقص في الموظفين الإداريين الذين من شأنهم متابعة مثل هذه التفاصيل".
مستشفيات بلا خطة!
من جانبها، اشارت مصادر متابعة الى "انه في حال توسيع الحرب على لبنان، نتوقع أن تواجه المستشفيات تحديات هائلة في استقبال المصابين وتقديم الرعاية اللازمة، اذ ان الوضع الحالي للمستشفيات، خاصة الحكومية منها، يظهر أنها ليست مجهزة بشكل كامل للتعامل مع مثل هذه الأزمة". ولفتت المصادر الى "النقص في المستلزمات الأساسية، مثل أجهزة التنفس الصناعي وأدوات الجراحة والأدوية الحيوية. هذا الضعف سيتفاقم في حال زيادة أعداد المصابين بشكل كبير. كما يوجد نقص في الفرق الطبية، لذلك فان الطواقم المتبقية تجد نفسها أمام أعباء عمل ضخمة تفوق طاقتها، مما يؤثر في قدرتها على التعامل مع حالات الطوارئ الكبيرة". وكشفت المصادر عن ان القطاع الخاص بات يعتمد على طلاب الطب الذي يتدربون في المستشفيات الخاصة، بسبب هجرة اليد العاملة المتخصصة، وهؤلاء غير جاهزين لتحمل المسؤوليات بعد".
وأشارت المصادر الى "ان التأهّب والإجراءات المحتملة، يجب ان تتضمن خطة طوارئ محكمة، بالإضافة الى التنسيق مع المنظمات الإنسانية والصحية الدولية، مثل الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، لتقديم الدعم الفوري في حال اندلاع حرب، هذا الدعم قد يشمل توفير المعدات الطبية والأدوية والطواقم الطبية المتخصصة". اضافت المصادر "كما يجب تخزين الأدوية والمستلزمات الطبية وتمرين الطواقم الطبية على التصرف مع الإصابات الجماعية وحالات الطوارئ الحربية، بالإضافة إلى تدريب فرق طبية متخصصة في التعامل مع الإصابات الناتجة من النزاعات المسلحة".
وختمت المصادر "المستشفيات في لبنان حالياً ليست في أفضل حالاتها للتعامل مع حرب موسعة، ولكن من خلال التخطيط السليم، والتنسيق مع المنظمات الدولية، والاستثمار في البنية التحتية والتدريب، يمكن تحسين استعداد هذه المستشفيات لاستقبال المصابين وتقديم الرعاية اللازمة في حالات الطوارئ. والسؤال الذي يطرح نفسه اين أصبحت خطة وزارة الصحة التي كانت تعدها منذ حوالي العام تقريبا؟ حتى الساعة "ما شفنا خطة" على ارض الواقع.