رشا جدة - الشرق
استطاعت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، بعد يوم واحد فقط، من تخلي الرئيس جو بايدن عن مساعيه لإعادة ترشحه لولاية ثانية، في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترمب، حشد أصوات الديمقراطيين وتأمين أصوات المندوبين اللازمين للحصول على الترشح باسم الحزب الديمقراطي، فيما تواجه في الوقت نفسه العديد من التحديات، وفق خبراء ومحللين.
وفي أول حدث انتخابي لها، توجهت هاريس، الاثنين، إلى ويلمنجتون بولاية ديلاوير مقر الحملة الانتخابية ومقر إقامة بايدن الخاص، وقالت: "على مدار الأيام الـ106 المقبلة، سننقل قضيتنا إلى الشعب الأميركي، وسنفوز في الانتخابات المقبلة".
وكان بايدن البالغ من العمر 81 عاماً، قد تعرض إلى ضغوط شديدة من المانحين الذين أغلقوا محافظهم، والديمقراطيين في الكونجرس، الذين وصل عددهم إلى 37 نائباً، وذلك في أعقاب المناظرة التي وصفت بـ"الكارثية" مع ترمب في يونيو الماضي، من أجل الانسحاب من السباق الرئاسي.
وبعد مقاومته مطالبات التنحي، لأسابيع، أعلن بايدن الانسحاب من السباق، الأحد الماضي، ليكون بذلك أول رئيس منذ أكثر من نصف قرن يلغي حملة إعادة انتخابه.
وخرج بايدن عقب ذلك معلناً تأييد هاريس للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي بدلاً منه. وبعد ساعات، أعيد تسمية صندوق حملته الانتخابية بحملة "هاريس للرئاسة". وخلافاً لحملتها الرئاسية السابقة في عام 2019، التي اختنقت بسبب نقص الأموال، جمّعت حملتها أكثر من 100 مليون دولار خلال 24 ساعة فقط، في الفترة ما بين بعد ظهر الأحد ومساء الاثنين.
وبينما أعاد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي الطاقة والوحدة إلى الحزب المنقسم منذ أسابيع، ومنح أملاً لسباق تنافسي في نوفمبر المقبل، تواجه هاريس العديد من التحديات.
توحيد الديمقراطيين رغم فشل حملة 2020
في عام 2020، فشلت الحملة الرئاسية لهاريس، إذ كانت غير قادرة على تقديم رسالة واضحة ومتماسكة، وكانت إدارة حملتها "متعثرة". كما عانت من اضطرابات داخلية بين الموظفين، أدت إلى مغادرة الكثيرين منهم، لتعلن هاريس، حينها، أن حملتها تعاني من نقص في الموارد المالية، مما دفعها إلى إلغائها قبل أشهر من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية الأولى للحزب الديمقراطي.
وبعد مرور 5 سنوات، وبشكل مفاجئ، تدير هاريس حملة رئاسية جديدة، بعد انسحاب بايدن، ما يضع حملتها وقدرتها على الفوز محل شك، لكن الديمقراطي ومدير مؤسسة RC Communications للاتصالات، كالفين دارك، زعم أن هاريس "تحسنت بشكل كبير كسياسية عن عام 2019"، من خلال عملها كنائبة للرئيس السنوات الماضية.
وأضاف دارك، في حديثه مع "الشرق"، أن "من بين المقومات التي اكتسبتها، قدرتها على توحيد الديمقراطيين، وهو ما حدث بالفعل". وتابع : "في غضون ساعات من انسحاب بايدن وتأييده لهاريس، قام الديمقراطيون البارزون، بمن فيهم أعضاء من الفئات الرئيسية مثل تجمع أصحاب الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية، والكتلة اللاتينية داخل الكونجرس، بتأييد هاريس".
وأشار إلى أن "هذا التأيد تبعه تأييدات أخرى، منها الدعم العلني من المتبرعين ما ساعد في توحيد الحزب خلف هاريس للحصول على ترشيح الحزب".
جذب النساء والشباب
وفي الساعات الأولى لتدشين حملتها، جمعت هاريس ملايين الدولارات من المانحين والمتبرعين الذين أغلقوا محافظهم في الأسابيع الأخيرة، احتجاجاً على استمرار بايدن في السباق. وتعليقاً على ذلك، قال دارك، إن "هاريس يمكنها الوصول إلى الأموال التي جمعتها حملة بايدن، بسهولة أكثر من غيرها، لافتاً إلى أنها أول امرأة "ملونة" تسعى إلى منصب الرئيس، وهو ما يمنحها جاذبية بين النساء والشباب وبين الأميركيين من أصل إفريقي.
لكن الناشط الديمقراطي، ألين أور، اعتبر أن تلك المقومات، "قد تُصّعب من مهمة هاريس"، قائلاً في حديثه لـ"الشرق"، إن "هاريس امرأة، ورغم أن العنصر النسوي مهم في الانتخابات، إلا أن هناك قطاعات واسعة لا تفضل تأييد امرأة في أعلى وظيفة في البلاد".
ولفت أور، إلى أن هاريس نجحت في ملف حق الإجهاض والحرية الإنجابية، وهو ما يجذب قطاعات الشباب والنساء، لكن ملفات أخرى مثل الاقتصاد والهجرة تمثل تحدياً كبيراً لها، معتقداً أن "الأمر لن ينتهي بسرعة، وإذا انتهى فإن الحزب سيفوز في انتخابات نوفمبر 2024 بعد انسحاب بايدن".
في المقابل، تحّفظ أستاذ الحوكمة ومدير برنامج السياسة والقانون في "جامعة دارتموث"، دين لايسي، على وصف حملة هاريس 2020، بـ"الفاشلة".
واعتبر لايسي، أن حملة هاريس الرئاسية الأولى، لم تكن فاشلة بقدر ما كانت "فرصتها ضئيلة في مواجهة المعارضين الأكثر شهرة والأفضل تمويلاً"، لافتاً إلى أنها "منذ ذلك الوقت، اكتسبت اسماً معروفاً، وتمويلاً، وإمكانية الوصول إلى شبكة من المستشارين ذوي الخبرة".
وقال لايسي في حديثه مع "الشرق"، إن هاريس تحتاج إلى "توليد الحماس وزيادة نسبة الإقبال بين 3 مجموعات رئيسية تميل إلى الديمقراطيين، هي النساء، والشباب دون سن الثلاثين، والأقليات العرقية.
تقليص الفارق أمام ترمب
وأضاف لايسي، أن هاريس تحتاج إلى احتضان نجاحات إدارة بايدن وأن تنأى بنفسها عن مشكلاتها "وهي تتمتع بمزايا على ترمب فيما يتعلق بحقوق الإنجاب وبعض القضايا الاقتصادية، مثل النمو والتوظيف. لكنها تواجه تحديات فيما يتعلق بالهجرة وبعض القضايا الاقتصادية مثل أسعار الفائدة وتكلفة السكن". لافتاً إلى أن الأهم من ذلك كله، أن هاريس تحتاج إلى الظهور بـ"مظهر رئاسي"، وهي صفة غامضة وذاتية للغاية، على حد قوله.
من جانبه، أشار أستاذ السياسة العامة في مركز الدراسات بجامعة نيويورك، براون هيث، إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه هاريس، هو تفعيل آليات لتنظيم الحملة الانتخابية قبل 3 أشهر فقط من الانتخابات، موضحاً أن "هذا التحدي لم يواجهه أي مرشح منذ فترة طويلة جداً".
وأضاف هيث في حديثه لـ"الشرق"، أن "هاريس يمكنها التغلب على هذه المعضلة من خلال العمل بسرعة وتفعيل حملتها بقوة وعلى نطاق واسع جداً"، مشيراً إلى أن "هاريس تواجه تحديات تتمثل في تنسيق حملة رئاسية وطنية تم إعدادها في الأصل لشخص آخر (بايدن). لكن لحسن حظها، أنها كانت على التذكرة، لذا كانت في الغرفة أثناء حدوث ذلك التخطيط".
استطلاعات الرأي أظهرت، بعد انسحاب بايدن، تقلص هامش تقدم ترمب على هاريس بمقدار نقطتين مئويتين.
ووفقاً لاستطلاع أجرته جامعة "كوينيبياك" للناخبين المسجلين، ونُشر، الاثنين، أيد 49% من الناخبين ترمب، وأيد 47% من الناخبين هاريس.
وفي السياق نفسه، كشف استطلاع أجرته Morning Consult ، نُشر، الاثنين، أن ترمب يتقدم بنقطتين على هاريس، إذ حظي بـ47% من الأصوات، في مقابل 45% لهاريس.
وبينما أشاد أستاذ الشؤون الحكومية في "جامعة كورنيل"، ريتشارد بنسل، بقدرة هاريس على تقليص الفارق بينها وبين ترمب، إلا أنه لفت إلى "تحديات تواجهها باعتبارها امرأة مختلطة العرق، وأول امرأة ملونة على رأس قائمة حزب سياسي كبير، إضافة إلى طبيعة خوضها السباق الرئاسي في ظروف استثنائية".
إقناع معارضي ترمب والمستقلين
وأضاف بنسل في حديثه لـ"الشرق"، أن "التحدي الكبير أمام هاريس، هو إقناع المستقلين والجمهوريين المعارضين لترمب أنها الخيار الشعبي لحزبها بدلاً من كونها المرشحة المختارة من قبل نخبة الحزب".
واعتبر أن هاريس، بالنسبة إلى البعض، مرشحة بالتزكية لم تفز في سباق تنافسي، وأن نخبة الحزب قد أقنعت معظم الناس بأن هاريس الخيار الأنسب في ظل الوضع الحالي، مؤكداً أنه "يقع على عاتقها إقناع المستقلين والجمهوريين الرافضين لترمب أنها الخيار الشعبي من قواعد حزبها".
وأشار بنسل إلى أن "التحدي الثاني أمام هاريس، هو قدرتها على اختيار شريك في الترشح يوازن التذكرة الانتخابية، فيما يتعلق بالعرق والجنس، وإذا لم تفعل ذلك، ستجعل حملة ترمب هذا قضية رئيسية".
وافترض الأستاذ في الشؤون الحكومية، أنه "على هاريس أن تنتقل إلى مركز الطيف السياسي وتختار نائباً يوازن تذكرة الحزب الديمقراطي، حتى تستطيع هزيمة ترمب". وشدد على أن "هاريس يجب ألا تأخذ الدعم، فقط، من التقدميين والنساء والأقليات العرقية/الإثنية كأمر مسلم به، وبدلاً من ذلك، تتواصل مع المستقلين والجمهوريين المناهضين لترمب".
ورجح بنسل، أنه "إذا انتقلت هاريس إلى مركز الطيف السياسي الأوسع، فقد تفوز بسهولة في نوفمبر المقبل، وإذا لم تفعل ذلك، فستكون هذه منافسة متقاربة للغاية".
موازنة التذكرة الانتخابية
بدوره، اعتبر الباحث السياسي في مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة "فيرجينيا"، جون مايلز كولمان، أن "كون هاريس امرأة مختلطة العرق، فإنها تتعامل مع عدد من العقبات الإضافية التي لا يواجهها زملاؤها الذكور البيض، والتي تشمل الانتقادات القائمة على النوع والعرق من ترمب وحملته، وربما أطياف أخرى من الحزب الديمقراطي".
وقال كولمان، في حديث مع "الشرق"، إن "الحزب الديمقراطي إذا اتحد وراء هاريس، فإن حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو واحداً من 3 حكام من الذكور البيض على قائمة نائب الرئيس، والثاني حاكم نورث كارولينا روي كوبر، والثالث حاكم ولاية كنتاكي آندي باشير"، لافتاً إلى أن "أيا من الثلاثة سيكون خياراً قوياً يمكنه موازنة التذكرة الانتخابية للحزب".
من جانبه، أشار أستاذ الحوكمة ومدير برنامج السياسة والقانون في "جامعة دارتموث"، دين لايسي، إلى أنه "يجب على هاريس أن تختار بعناية مرشحاً قوياً لمنصب نائب الرئيس من ولاية متأرجحة، مثل ميشيجان أو بنسلفانيا أو أريزونا أو نورث كارولينا".
وأضاف: "ينبغي لها أن تُعرّف نفسها على أنها مختلفة عن بايدن، بينما تُنسب إليها الفضل في النجاحات التي حققتها في مجال الاقتصاد، إلى جانب التركيز على قضايا مثل الحقوق الإنجابية والرعاية الصحية والتعليم والنمو الاقتصادي، وتظهر الكثير من الاحترام والعقلانية اتجاه خصمها".
بدوره، لفت أستاذ السياسة العامة في مركز الدراسات بجامعة نيويورك، براون هيث، إلى أن "الكثيرين من الأميركيين لا يعرفون عن هاريس سوى اسمها فقط"، ملمحاً إلى ضرورة استغلالها "الوقت الضيق، لتروي قصتها لأكبر عدد ممكن من الأميركيين، ويشمل ذلك الحضور شخصياً في المسيرات، وعلى شاشة التلفزيون من خلال المقابلات، ومن خلال الإعلانات بشكل مكثف".
معضلة بايدن
من جانبه، اعتبر المحامي الحقوقي والمرشح السابق في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، روبرت باتيلو، أن "يوم انسحاب بايدن من السباق، هو يوم مظلم للحزب الديمقراطي ولأميركا".
وقال باتيلو لـ"الشرق"، إن المتبرعين غير المنتخبين تمكنوا من إزاحة رئيس حالي من منصبه وتجاوزوا إرادة الشعب الأميركي، في إشارة إلى الضغوطات التي مارسها المانحين على بايدن وحملته بعدما أوقفوا التبرعات من أجل إنهاء حملته الانتخابية.
وحسبما يرى باتيلو، فإن "الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الادعاء بأنها ديمقراطية، نحن بوضوح تحت حكم أقلية يقوده الأغنياء الذين يختارون المرشحين".
وتوقع أن يستقيل بايدن من منصبه في الأسابيع المقبلة، ويسمح لهاريس بمحاولة توحيد البلاد والحزب، قائلاً: "تلك هي الدفعة الأخرى التي ستحصل عليها هاريس، ستتولى الرئاسة بدلاً عن بايدن في الأشهر المقبلة، ليحدد أدائها فرصها في الانتخاب لفترة كاملة".
ويتماشى توقع باتيلو، مع مطالبات ترمب وبعض القادة الجمهوريين باستقالة بايدن من منصبه، إذ قال الجمهوري، رئيس مجلس النواب مايك جونسون: "إذا لم يكن بايدن مناسباً للترشح للرئاسة، فهو غير مناسب للعمل كرئيس"، مضيفاً: "يجب عليه أن يستقيل من منصبه فوراً".
قدرات ترمب وعمره
لكن حتى مع العقبات التي تواجه نائبة الرئيس كامالا هاريس، فإن الخبراء يتوقعون أنها ستكون أقرب إلى الفوز بالرئاسة مما كانت عليه في عام 2020.
واعتبر السياسي الديمقراطي والمبعوث الخاص للرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون لمنطقة الشرق الأوسط، ريتشارد جودستين، أن "مسألة اتحاد الحزب وراء هاريس أمر مفروغ منه"، قائلاً في حديثه لـ"الشرق"، إنه بمجرد أن تمر مرحلة التصويت الافتراضي في7 أغسطس، ستذهب هاريس إلى المؤتمر الديمقراطي في 19 أغسطس، وهي المرشحة الرسمية.
وتوقع جودستين قدراً كبيراً من "الوحدة" لهزيمة ترمب، خاصة أن القلق الرئيسي بشأن بايدن، هو أنه لم يكن قادراً على إدارة حملة فعالة ضد الرئيس السابق.
ولفت إلى أن هذه المخاوف نفسها لا تنتقل إلى هاريس، وهي سيناتور سابق ومدع عام جيد وأكثر شباباً وقوة من ترمب، قائلاً: "هاريس ستهزم ترمب في نوفمبر".
بدوره، رجح أستاذ الحوكمة دين لايسي، أن تكون انتخابات 2024 متقاربة مثل انتخابات 2016 و2020، قائلاً إن هاريس لديها فرصة جيدة للتغلب على ترمب في نوفمبر.
من جانبه، لفت أستاذ السياسة العامة في مركز الدراسات بجامعة نيويورك، براون هيث، إلى أن الولايات المتحدة تبدو كما كانت منذ فترة طويلة، منقسمة بالتساوي على أسس حزبية إلى حد كبير، قائلاً إن "الأفضلية من حيث المتأرجحين قد تصب في صالح هاريس، وبالطبع يمكن لنائبة الرئيس أن تفوز بهذه الانتخابات، لكنها ستكون صعبة للغاية، كما تدرك هي ذلك تماماً".