كرسيّ بكركي بين بذلة الصلاة وبذلة الحِياد
كرسيّ بكركي بين بذلة الصلاة وبذلة الحِياد

خاص - Wednesday, July 29, 2020 12:14:00 PM

الاعلاميّ بسّام برّاك

 

أن تكونَ بكركي - وشقيقتُها الصيفيّة الديمان محجًّا وموطئَ قدمِ متقدّمي الوفود السياسيّة وقلوبِهم وعقولهم، فهذه مشهديّة تُطمئن الى أنّ الموقع الكنسيّ الماروني الأعلى لا يزال يشكّل مرجِعا وقِبلةَ التكتلات والأحزاب والفُرادى من الشخصيات، ومن يعقدون توأمةً مع نزوع سياسي من خارج الرحم الطائفية، ومَن يجدون في الكرسيّ الديني عن غير قصد منه نزعة تُلاقي طموحاتِهم السياسية.

 

حتى الآن، الأمر بلا رَيب لا بدّ من حصوله، ليس لعودة نيافة الكاردينال الى الشاشة في مطلع النشرات الإخبارية لدى من كانوا يؤخّرون أخباره، وأعجلِ الأخبار العاجلة لدى من كانوا يبطّئونها على اعتبار انه لم يكن يغبطهم بمواقفه، حاذفين صورَه من مواقعهم ومنصّاتهم الإخبارية وتغريداتهم، بل ما وجب حصولُه هو تثبيت مفهومِ حياد وطني لا يتأثر بالخارج المؤقلَم أو  المستدول، علما أن كل زائر فهِم المفهوم كما يشاؤه ففسَّره واحدٌ بماءٍ وطني، وآخرُ بماء سياسي، وآخرُ آخرُ ماء مزجي.

 

هذه المشاهد - من دون الغوص في مَن حاد الى الحياد مبايِعًا الراعي، ومَن حاد عن الحياد مهادنًا غبطته - ذكّرتني فترةَ أعلن البطريرك الراعي بداية أزمة كورونا سُبحة صلوات يومية غير حيادية بل لبنانية عالمية إيمانًا منه ومن شعب الكنيسة أن الصلاة يسمعها ساكن العالي ويَقي المؤمنين خطيئةَ الكفر وخيبةَ الإحباط ويبعث فيهم الرجاء، وهذا إيماني.

حينها لم نرَ على الأقل من القطب المسيحي سياسيًا قياديًا أو استشاريًا أو برلمانيًا أو حكوميًا أو متقاعدًا مزاولاً الشأنَ العامّ، ومَن هو أعلى منصبًا أو أدنى برتبة؛ لم نرَ أحدًا منهم يخلع عليه بذلة الصلاة ويسارع الى الكنيسة القريبة (الأقرب من الديمان) لمَن هم في الساحل والعاصمة بشكل عفوي - والصلاة عدوى إيجابية فيسجد ويبتهل ويتضرع - بينما في الأيّام الأخيرة وجدنا كلَّ أحد من هؤلاء يهبُّ خالعًا عليه بذلة الحياد صاعدًا الى الديمان من أبعد مسافة ملتقيًا بالمغادرين محتكًا بالوافدين غيرَ آبه لجائحة، ليحيدَ عنهم بجسمه بل همُّه كلُّه أن "يصفّ ويصطفّ" في خط الحياد الطويل.

 

يا ليت هذا الازدحامَ الإيجابيَّ حول جبّة البطريرك نراه في الأيام القريبة المقبلة، بعد أن نسمعَ من البطريرك دعواتِه في شؤون لا حياديّة إنسانيّة واقتصاديّة واجتماعيّة شتّى، في أمور إعادة الأموال ممّن نهبوها الى من نُهِبت منهم، فتكون بكركي سلّة المواطنين مسيحيّين ومسلمين، سلّة من جمعوا الدولارات الخضراء للأيّام السوداء، أو في دعواته الى تحييد الناس عن التبعيّة للشخص والمناطقيّة وتركِهم يزرعون بسلام ويحصدون بسلام من دون إقطاعيّات تقتطع منهم، وزعامات تزعم أنها تجهد لأجلهم، أو حين يلتفت البطريرك بدعوته الى إنقاذ الغد وجيله، الى إنتشال المدارس الكاثوليكيّة وهي ابنتُه بالتبنّي الروحيّ من لجّة الغرَق، وتحييدِها عن أزمة البلد، والى مدِّها بمساعدات من رؤوس الوفود المتقاطرة الى الكرسيّ البطريركيّ حين يروق لها مضمونُ الدعوة... فهل ستمتلئ مفكُرة البطريرك بالمواعيد ويرتدي السياسيّون والمصرفيّون بذلة الإعانات بسرعة تسبق بداية عام دراسي شبهِ منتهٍ من أوّله؟ 

 

وفي أصدق الأحوال حين يدعو البطريرك للصلاة من أجل غَسل الخطايا بحقّ الشعب، هل سيبادر وجهٌ من وجوه الحياد - و اللّاحياد الى الكرسيّ البطريركي بل الى كرسيّ "الاعتراف"؟

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني