«بزنس» الشحن الطائفي في لبنان بديل مشروع الدولة الدستوريّة!
«بزنس» الشحن الطائفي في لبنان بديل مشروع الدولة الدستوريّة!

أخبار البلد - Tuesday, July 9, 2024 7:26:00 AM

سمير حسن عاكوم-اللواء

تعلو وتيرة الشحن الطائفي في لبنان من وقت لآخر، ونشاهد استضافة مؤسسات إعلاميّة (عريقة) لأشخاص يتكلمون عن كيانيّة لبنانيّة على مقاس طائفتين على الأكثر، وبأن بقيّة الطوائف دخلاء على هذا الكيان!!! ومن الطبيعي أن يشعل هذا الكلام منصات التواصل الإجتماعي والإعلامي في الرد على هذه الغرائزيّة بسرديّة مقابلة تلغي سرديّة كيانيّة من أطلق الشرارة الأولى وهكذا دواليك...
وفق تجربتي الخاصة خلال ترشحي للإنتخابات النيابيّة السابقة، أعلم جيداً بأن استضافة هذه المؤسسات ليست من باب إكراميّة نشر المعرفة وزيادة الوعي عند المواطنين، إنما هي من باب «بزنس» الإستفادة الماليّة للمواسم المتتابعة، إذ انها طلبت فقط 40 ألف دولار أميركي مقابل 15 الى 20 دقيقة استضافة للتعريف ببرنامجي الإنتخابي، من هنا من حقنا التساؤل عن الجهة التي تموّل هذه الإستضافات التي تدفع باتجاه زيادة مستوى الشحن الطائفي في هذه المرحلة الحرجة من التهديد الوجودي للكيان اللبناني، وذلك قبل لومنا المحق لهذه المؤسسة الإعلاميّة على استضافة أمثال هذه النخبة!!!

في مقالتي السابقة بتاريخ 23 ك1 2023 «من تحت دلفة المارونيّة السياسيّة الى مزراب سلطة محاصصة الميليشيات» أوضحت معنى الطائفيّة السياسيّة والقبليّة السياسيّة التي ابتدعتها الدول الإستعماريّة للمحافظة على مصالحها في مستعمراتها، وبأن هذه السرديّة لا علاقة لها بمبادئ الطائفة أو الدين أو الوطنيّة، بل هي اخضاع فئة مسيطرة لسادية ثقافة غريبة عن قوة ثقافة، قيم ومصالح الشعب، ليشعر باقي مكونات الشعب بالدونيّة واللهث وراء سراب التبعية.. ولكن بالمقابل فإن النظام الطائفي التحاصصي لميليشيات المال والسلاح الذي حلّ مكانها هو «فيروس» دمّر برنامج مفاهيم ومقومات حكم المؤسسات الدستوريّة، وتدمير هذا البرنامج أوصل الى «بزنس» تسلّط زعماء الميليشيات وصولًا الى «الثقب الأسود» لفسادهم الذي يبتلع كل الثروات العامة والخاصة مهما وصل حجمها.

تتحوّل الديمقراطيّة بعيداً عن العمل المؤسساتي السليم والمتوازي الى دكتاتوريّة الميليشيات المقنعة بعناوين فضفاضة «شعارات المؤسسين من قادة الأحزاب والحركات، شعارات دينيّة و..» تستعمل لقمع المواطنين ووضعهم في موقع المتهم دينياً ووطنياً تمهيداً لتجريدهم من إرادتهم وكيانيتهم.
من هنا نجد أن «بزنس الخطاب الطائفي» الملتقي مع «بزنس المؤسسات الإعلامية» يستكمل مشهد المحافظة على شدّ العصب الطائفي لإطالة أمد حياة سلطة محاصصة ميليشيات المال والسلاح، بما يحقق أهداف استبدال الفكر والمنطق ومصلحة المواطن المقهور ومشروع دولة المؤسسات والإنفتاح الواعي والمسؤول على الشرق والغرب، بردّات فعل غرائزية من يتم تعبئته بانتماء مقدّس لثقافة غربيّة مقابل نقيضها الذي يهدّد وجوده ممن ينتمي لبلده ومحيطه وحضارته والعكس صحيح!!!
المدنيّة في عنوان دولة المؤسسات الراعيّة، مرتبطة بعدة محاور على رأسها فن الإستثمار بالتنوّع الطائفي والمناطقي لمصلحة «مشروع الدولة الدستوريّة ككل» من خلال عمل مؤسساتي منظم ومتكامل على مستويات السلطة المركزيّة وسطات مؤسسات اللامركزيّة المكملة لها لمنع آفة الإحتكار السياسي.
في خطاب استقالته عام 1988 وصف الرئيس الحسيني المشهد القائم، ثم ردّد عبارات «كأنّنا لم نتعلّم من تجارب الماضي، كأنّنا نريد دولةً بلا مؤسّسات، كأنّنا نريد وطناً بلا مواطنين». ليقول بعدها «لم أرَ في حياتي السياسيّة تمزيقاً للدستور كهذا التمزيق، حيث ندفع بنصّ الدستور إلى أن يكون استهزاءً بروحه» لينتقل بعدها الى التوضيح بأن الدستور هو «الإطار» وبأن هذا الإطار يحتاج لقوانين تطبيقيّة، وعدَدَ القوانين المختلفة التي لم تٌقَر ولم تُطَبق منذ الطائف والتي أوصلت الدولة الى اللادولة...


أمام ظلاميّة هذه المشهديّة من الطبيعي أن يجد المواطن اللبناني الذي ينتمي الى منطقيّة رؤيّة مشروع الدولة أنه خارج اطار اللعبة السياسيّة اللبنانيّة، وبأن مفاهيمه «وهميّة وغير واقعيّة وغير معترف فيها» في لغة «بزنس» الشحن الطائفي لمخلفات الطائفيّة السياسيّة البائدة، «بزنس» سلطة أمر واقع محاصصة المال والسلاح القائمة»، وبالطبع فمن الصعوبة لا بل من الإستحالة على هذا المواطن إيصال صوته عبر «بزنس» احتكار المؤسسات الإعلاميّة التضليليّة المسيطرة على المشهد لصالح تبادل أدوار «بزنس» الطرفين المتكاملين!!!


حمى الله لبنان وشعبه... ويبقى الأمل، فبالوعي وحده واستيعاب مبادئ لعبة «البزنس» القائمة، وحسن التعامل مع غنى التنوع الطائفي والمناطقي وبدعم المؤسسات الإعلاميّة المحترمة الحرّة نقول:
«لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر»

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني