بلومبرغ
قبل نحو قرن، قرر هنري فورد أن يجعل العمل في شركته التي تصنع السيارات خمسة أيام في الأسبوع بدل ستة، وقد خرج في ذلك عن مألوف زمانه، لكنه كان مقتنعاً بأن هذا سينفع موظفيه دون إضرار بالإنتاج. وسرعان ما حذا حذوه أصحاب أعمال آخرون خلال فترة الكساد الكبير سعياً لتوظيف عدد أكبر من العاطلين عن العمل، ثم بات ذلك إلزاماً بموجب "قانون معايير العمل العادلة" لعام 1938.
فهل نحن مقبلون على أسبوع عمل يقتصر على أربعة أيام؟
أظهر استطلاع حديث من شركة "كيه بي إم جي" (KPMG) شمل 100 رئيس تنفيذي لشركات كبرى أن واحداً بين كل ثلاثة منهم تقريباً يدرس تبنّي هذا التحوّل. وكانت تجارب تطبيق أسبوع عمل أقصر ما قبل الجائحة في دول مثل أيسلندا واليابان والسويد وغيرها دعمت الرأي القائل إن العمّال وأصحاب العمل سيستفيدون على حدّ سواء من تخفيض عدد أيام العمل.
بل إن حكومات دول منها بلجيكا والدومينيكان تبنت تجارب أسابيع عمل من أربعة أيام. وقد أعلن الملياردير ستيفن كوهين أن استثماره في مشروع ملعب غولف يستند جزئياً إلى قناعته بأن "أسبوع عمل من أربعة أيام سيصبح واقعاً".
مع ذلك، ما يزال عدد كبير من أصحاب المؤسسات يعتبرون أن أسبوع عمل من أربعة أيام دون اقتطاع من الراتب سيقضي على الإنتاجية، وسيفضي إلى تراجع في عدد الزبائن وكذلك الإيرادات.
الحجج المضادة
تتراوح الحجج المعارضة لاختصار أسبوع العمل بأربعة أيام بين بديهية، مثل التساؤل عمّا يحصل إذا احتاج زبون لخدمة يوم الجمعة، إلى مقاربات أعمق.
يرى بعض المنتقدين آن التجارب الحالية في بريطانيا وغيرها من الدول لا تثبت الكثير، لأن كافة تلك المؤسسات تطوعت للتجربة واستثمرت كثيراً في التدريب والتخطيط، بالتالي كانت ميّالة أصلاً لصالح العمل أربعة أيام في الأسبوع.
وقال كيفن روكمان، أستاذ علم الإدارة في كلية "كوستيلو" لإدارة الأعمال في جامعة "جورج ميسن" إن اتساع تبني أسبوع عمل من أربعة أيام في الوظائف المكتبية لا يتحقق إلا في حال حدوث تغيير جذري في ثقافة العمل، بالأخص في الولايات المتحدة. فكثير من الأميركيين يتابعون رسائلهم الإلكترونية والمكاتبات عبر تطبيق "سلاك" طوال اليوم حتى خلال العطل، ومثل هذه العادات لن تزول بين ليلة وضحاها. وغالباً ما يكون كبار قادة الشركات هم الأكثر إدماناً على العمل فيحذو الموظفون الآخرون حذوهم.
أضاف روكمان: "إذا لم تدرّب المديرين على التأكد من أن موظفيهم يتوقفون فعلاً عن العمل، فلا يمكن استبيان كيف ستتحسن الأمور، بل إنها قد تسوء".
إن العمل لساعات أطول من الإثنين إلى الخميس مع البدء بتلقي اتصالات عبر تطبيق "زوم" عند السابعة صباحاً قد يزيد من الضغوط والتوتر، بالأخص بالنسبة للآباء والأمهات. واعتبر أن السبيل الوحيد لاختصار أسبوع العمل هو بتحديد كيف يمضي الموظفون وقتهم عبر التخلص من المهام غير المنتجة، ومن ذلك مثلاً الاجتماعات التقييمية الأسبوعية التي يمكن الاستعاضة عنها برسائل إلكترونية.
حتى الأشخاص الذين لطالما آمنوا بأسبوع عمل من أربعة أيام، مثل كونزي من "جي إتش تي" يرى أن حشر مهام أسبوع كامل في أربعة أيام فقط قد يكون صعباً، وكثيراً ما يضطر الموظفون للعمل قليلاً في اليوم الخامس. ولدى سؤاله كيف يتجنب امتداد العمل إلى يوم الجمعة، قال: "لا أعرف إن كان لدي جواب على ذلك".
أرضية مشتركة
الحل الوسط ممكن. تتضمّن الأفكار المطروحة العمل تسعة أيام بدل عشرة خلال أسبوعين، مع تعطيل يوم جمعة واحد كل أسبوعين، وهو نهج تتبعه شركات مثل "داي فورس" (Dayforce) المتخصصة بالبرامج الإلكترونية لإدارة الموارد البشرية و"غرانت ثورنتون" (Grant Thornton) للمحاسبة في بعض المناطق. بما أن الاجتماعات هي السبب الرئيسي لازدحام جدول مواعيد الموظفين، فإن التخلي عن الاجتماعات الداخلية ليوم واحد يساعد بقدر كبير في حصول الموظفين على وقت فراغ أكبر. تصف "سلاك" التي تملكها شركة "سيلزفورس" (Salesforce) ذلك بـ"أيام الجمعة المكثفة". وحتى إذا قررت الشركة عدم اتباع أسبوع عمل من أربعة أيام، فإن التخلص دورياً من الاجتماعات غير الضرورية قد يحمل منافع على المدى الطويل.
كما الحال في كافة التجارب الجيدة، فإن التحضير مهم جداً. فورد نفسه كان قد أّقرّ بأن الانتقال للعمل خمسة أيام في الأسبوع "لا يمكن أن يتحقق دفعة واحدة".
يعمل موظفو شركة "ثريد أب" (ThredUp) لإعادة بيع الملابس عبر الإنترنت البالغ وعددهم نحو 400، أربعة أيام في الأسبوع منذ 2021. وكانت الشركة أعدّت الخطط لهذا التحوّل على مدى ثلاثة أشهر، وأجرت كثيراً من النقاشات والتدريب حول هيكلية الأسبوع المختصر. كان أول ما تناوله التخفيض هو الاجتماعات التي تختصر عادة بنسبة 20% أو أكثر. ولكن برز خوف من أن يؤجّل الموظفون الأعمال التي يجب أن تنتهي بعد ظهر الخميس إلى الإثنين، لذا اتُّخذ قرار بوجوب إتمام كافة المهام القائمة بحلول نهاية أسبوع العمل المختصر.
قالت نتالي بريس، مسؤولة الموارد البشرية والتنوع في "ثريد أب" إن "الشركات غير الناجحة لا تخصص وقتاً للتعامل مع كافة القضايا القائمة... يجب أن تعرف سبب رغبتك بذلك، فإن بدأت بأن تقول إن كل ترغيب بأسبوع من أربعة أيام ثمّ حاولت التوفيق بين الأمور الأخرى، سيصبح الأمر أصعب بكثير".
تبرز في هذا الإطار أهمية تطوير وسائل لقياس إنتاجية الموظفين بخلاف الوقت الذي يمضونه في المكتب أو في العمل عن بعد. قال ويليهان إنه حين يسأل الشركات التي يتعاون معها في تجارب أسبوع العمل من أربعة أيام عن كيفية إحداثها لذلك، يجد أن كثيراً منها ليس لديها إجابة. ونصح بتطوير إجراءات أذكى، عندها حتى لو لم تتبنّ شركتك أسبوع عمل من أربعة أيام "سيكون حالك أفضل مما كان عليه قبلاً".
يُعزى هذا الرفض جزئياً إلى أسباب ثقافية، إذ يمكن اعتبار الولايات المتحدة أيقونة لثقافة العمل بلا توقف، ولكنه يُعزى أيضاً لأسباب لوجستية، نظراً لصعوبة اتباع جدول زمني من أربعة أيام بما أن قوة العمل غالباً ما تكون منتشرة على امتداد عدّة مناطق زمنية، ومنها من يعمل في المكاتب أو من المنزل. كما قال معارضو هذا التوجّه إن ما قد ينجح في إحدى المؤسسات، قد يفشل في أخرى.
من جانبه وصف المسؤول التنفيذي المخضرم في القطاع الإعلامي باري ديلر في مقابلة تلفزيونية الطيف الواسع من سياسات العمل المرنة التي تطبقها الشركات حالياً على أنها جنون "فلا يمكن أن يكون هنالك 17 ألف برنامج".
في ظل تصلب الآراء على كلتا ضفتي النقاش، هل يمكن لأصحاب العمل أن يجدوا أرضية مشتركة؟
الحجج المؤيدة