- إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي
أقوى طريقة لإيصال رسالة إلى الاحتياطي الفيدرالي هي إقالة رئيسه، وهو ما بحثه ترمب في 2018 بعدما أغضبه باول على خلفية توالي رفع أسعار الفائدة. لكن هذا ليس سهلاً، إن كان هذا فعلاً ممكناً، بحسب خبراء في القانون.
تنصّ الفقرة 10 من قانون الاحتياطي الفيدرالي أنه يمكن إقالة أعضاء من مجلس المحافظين، ويعدّ رئيس المجلس من ضمنهم، "بقرار من رئيس البلاد استناداً إلى سبب وجيه". ويفسّر الباحثون بشكل عام "السبب الوجيه" بأنه يعني سوء سلوك جسيم أو إساءة استخدام السلطة.
ما يزيد الالتباس حول وجود سلطة للرئيس لإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي هو أن القانون لا ينصّ صراحة على أن الحماية الناشئة عن إلزامية وجود "سبب وجيه" تنطبق على رئيس الاحتياطي الفيدرالي بعينه، حسب بيتر كونتي براون، الأستاذ والمؤرخ المتخصص بالاحتياطي الفيدرالي في كلية "وارتون" في جامعة بنسلفانيا.
لكن بما أن أعضاء مجلس المحافظين يحظون بهذه الحماية، ذلك يعني أن رئيس الاحتياطي، حتى لو أُقيل من منصبه، يمكن أن يستمر عضواً في المجلس، كما سيبقى في منصب نفوذي آخر هو رئاسة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي تحدد أسعار الفائدة. فأعضاء اللجنة، لا رئيس البلاد، هم من يختارون من يقودها.
- تعديل قانون الاحتياطي الفيدرالي
إن مشروعاً طويل المدى لإعادة هيكلة الاحتياطي الفيدرالي يتطلب تعديل قانون إحداثه، ما يستلزم تشريعاً يصدر عن الكونغرس. وكانت مؤسسة "هيريتج" (Heritage Foundation) البحثية المحافظة طرحت عدّة توصيات بهذا الشأن ضمن مستند قدمته في إطار "مشروع 2025" الذي يهدف إلى تحديد أجندة سياسات الرئيس المقبل.
تدعو المؤسسة إلى فرض مزيد من القيود على طريقة تحديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية وتنظيمه لأكبر البنوك الأميركية، وتقترح تعديل التفويض المزدوج الذي وضعه الكونغرس وكلف عبره الفيدرالي بالعمل على الحفاظ على استقرار الأسعار والسعي لخلق الوظائف بالحد الأقصى، ليصبّ بدل ذلك جل تركيزه على التضخم حصرياً.
تأتي الضغوط الداعية لإحداث تغيير من جهات أخرى أيضاً. مثلاً، بعد الفضائح الأخلاقية التي طالت الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الماضية، طالب مشرّعون من الحزبين بمزيد من الشفافية على امتداد منظومة البنك المركزي، بما فيها بنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية. كما ضغطت المجموعات المدافعة عن البيئة والمستهلكين على الاحتياطي الفيدرالي من أجل بذل جهود إضافية لمكافحة تهديدات التغير المناخي للنظام المالي.
حتى أن "مركز الديمقراطية الشعبية" أطلق حملة بعنوان "سئمنا" لمطالبة الاحتياطي الفيدرالي بإعطاء الأولوية لشق التوظيف من تفويضه المزدوج، محذراً من أن رفع أسعار الفائدة قد يلحق الأذى بالعمّال الأضعف.
حاول رؤساء من الحزبين التأثير على الاحتياطي الفيدرالي في السابق عبر ضغوط علنية أو خفية. فكانوا يشتكون ويتذمّرون شخصياً، ووصل بهم الحدّ أحياناً لاستخدام الترهيب الجسدي، ومن ذلك حادثة استدعاء الرئيس ليندون جونسون لرئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك وليام ماكتشنسي مارتن الابن إلى مزرعته في تكساس عام 1965 لتأنيبه على خلفية رفع تكاليف الاقتراض.
وفي السبعينيات، مارس الرئيس ريتشارد نيكسون ضغوطاً شهيرةً على رئيس الاحتياطي الفيدرالي أرثر بيرنز، في ما يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن ذلك أسفر عن امتناع البنك المركزي عن اتخاذ خطوات فعّالة للحدّ من التضخم حينها. كما وجه ترمب خلال ولايته انتقادات علنية للاحتياطي الفيدرالي وباول على خلفية تكرار رفع أسعار الفائدة.
إلا أن بايدن كان مختلفاً، فقد أعلن في مارس إنه يتوقّع أن يخفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وعاد ليكرر ذلك في أبريل، إلا أنه امتنع بشكل عام عن الحديث علناً عن سياسة البنك المركزي. في المقابل، تحدّث بعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس بصراحة أكبر. إذ نشرت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس إليزبيث وارن تعليقاً عبر "إكس" بعدما خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، قالت فيه إن على "جيروم باول أن يلحق بالركب".
من جهته، أكّد باول مراراً أن الاحتياطي الفيدرالي ينأى عن السياسة، ويضع سياسات تركز حصراً على مصلحة الاقتصاد. وردّاً على سؤال خلال فعالية في مايو حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي عن السلطة التنفيذية، قال باول: "لا شك فيها"، وأن المشرّعين من الحزبين يدعمون استقلالية البنك المركزي.
ولكن من المعلوم على نطاق واسع أن الاحتياطي الفيدرالي ينشط في دوائر السياسة، إذ يعمل قادته عن كثب مع وزارة الخزانة، ويخصصون وقتاً للتواصل مع المشرعين في الكونغرس. ولا بد أن تأخذ سياسات الاحتياطي الفيدرالي الآثار الاقتصادية لقرارات الرئيس والكونغرس بعين الاعتبار، مثل التخفيضات الضريبية أو خطط الإنفاق الكبرى.
قال كونتي براون، المتخصص في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي إن قرارات المجلس بشأن التنظيم المالي يمكن أن تأخذ في عين الاعتبار آراء مختلف الأطراف السياسية. وأضاف: "الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة مسيّسة جداً... ولكن ثمة فرق كبير بين السياسة والشراكة".
لماذا تتمسك البنوك المركزية بالاستقلالية؟