الشرق
قال مسؤولون إن الولايات المتحدة باتت تعترف بأن روسيا تتعافى بشكل أسرع رغم العقوبات الأوروبية، وتحقق تقدماً في ساحة المعركة في أوكرانيا، مرجعة ذلك إلى 4 عوامل رئيسية ساهمت في تحقيق هذا التقدم.
ووفقاً لموقع Defense news، فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، خلال إحدى الفعاليات في ألمانيا، خلال مارس الماضي، قائمة خسائر روسيا على مدار العامين الماضيين، لافتاً إلى أن موسكو فقدت أكثر من 315 ألف جندي بين قتيل وجريح.
وأضاف أن روسيا أنفقت أكثر من 211 مليار دولار، وخسرت أكثر من 20 سفينة متوسطة أو كبيرة، مؤكداً أن موسكو دفعت ثمناً باهظاً بسبب "أحلام بوتين الاستعمارية".
وبحلول أبريل، تغيرت لهجة أوستن، عندما تحدث عن الخسائر الروسية للمرة الثانية، لكنه أكد أن موسكو "أعادت تشكيل قوتها العسكرية"، إذ تُظهر تعليقات أوستن، تغييراً واضحاً في الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى روسيا.
وبينما عمل المسؤولون الأميركيون، منذ فترة طويلة على تفاصيل الخسائر التي تكبدتها موسكو، بدأوا في الشهرين الماضيين يعترفون بأن روسيا تتعافى بشكل أسرع مما توقعته الولايات المتحدة.
وتأتي الاعترافات الأميركية بقدرة موسكو على إعادة تجميع قواتها، تزامناً مع موافقة أميركية على مساعدات أمنية إضافية مرتبطة بأوكرانيا بقيمة 48 مليار دولار أبريل الماضي.
ويتوقع الأميركيون أن يساهم هذا الدعم بإسناد كييف لمدة عام آخر، لكن حال استمر الكرملين في إعادة بناء قواته بشكل أسرع من المتوقع، فقد يمثل ذلك مشكلة أطول أمداً وربما أكثر كلفة لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وتصف استراتيجية الدفاع الوطني التي تتبناها الإدارة الأميركية، روسيا بأنها تشكل "تهديداً حاداً"، وتأتي في المرتبة الثانية بعد "تحدي السرعة" الذي تمثله الصين.
إعادة البناء
ومع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، تدهورت الأمور سريعاً بالنسبة لموسكو، إذ أظهرت الصور التي نشرت خلال الشهرين الأولين الضعف الروسي، ما دفع الغرب إلى التساؤل بشأن مدى قدرة روسيا على التعافي.
وفي هذا السياق، قالت أفريل هاينز، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية، في مارس من العام الماضي، إن هناك إجماع في مجتمع الاستخبارات بأن روسيا ستستغرق سنوات حتى تتمكن من بناء قواتها البرية مرة أخرى.
فيما أكد كريستوفر كافولي، أكبر ضابط عسكري أميركي في أوروبا، أن "روسيا عادت إلى ما كانت عليه قبل الغزو"، لافتاً إلى أن موسكو لديها بعض الثغرات التي أحدثتها هذه الحرب، لكن قدراتها الإجمالية لا تزال كبيرة جداً، وترتفع.
وقال مسؤولون دفاعيون أوروبيون وأميركيون، إلى جانب خبراء في الجيش الروسي، لـ Defense News، إن "قوة الكرملين تعيد تشكيل نفسها بطريقة أسرع من المتوقع".
مرونة صناعة الدفاع
بدوره، قال الخبير الاقتصادي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ومقره لندن، ريتشارد كونولي، إن روسيا ضاعفت ميزانيتها الدفاعية ثلاث مرات تقريباً خلال الحرب.
وأضاف أنه "من المقرر أن تنفق روسيا ما بين 130 مليار دولار و140 مليار دولار على الدفاع في عام 2024، وهو ما يمثل حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي وثلث الميزانية الإجمالية للحكومة".
وأشار كونولي، إلى أنه بسبب التكاليف والأجور في روسيا، أقل منها في الدول ذات الدخل المرتفع، مثل العديد من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإن صندوق الدفاع التابع للكرملين يشتري كميات أكبر من الأسلحة.
وأدى اتجاه الإنفاق نفسه إلى رفع الرواتب، خاصة بعدما كان العمل في صناعة الدفاع داخل روسيا "مهنة متوسطة".
واستناداً إلى الأرقام الروسية الرسمية، التي أشار كونولي إلى أنها قد تكون مبالغ فيها، ارتفع عدد العاملين في صناعة الدفاع بنسبة 20% خلال الحرب، من 2.5 مليون إلى حوالي 3 ملايين الآن.
وأنفقت روسيا العديد من الأموال لشراء المعدات العسكرية، إذ يقدر كونولي أن هذه الحصة من ميزانية الدفاع ربما تضاعفت خلال الحرب، ما يساعد روسيا على تعويض المعدات المفقودة.
وقال كونولي إنه "يشك في أن حالة الاقتصاد الروسي ستؤثر في كيفية انتهاء الحرب"، لافتاً إلى أن موسكو لديها كادر من خبراء السياسة الذين يوجهون بلادها خلال العقوبات، ولديهم الكثير من الممارسات في القيام بذلك.
تفادي العقوبات
وأشار الموقع إلى تفادي العقوبات الغربية، كعامل آخر دعم قدرة روسيا على إعادة تجميع قواتها، إذ قال العديد من المحللين إن هذه العقوبات "لم تنجح، نظراً لقدرة موسكو على إعادة توجيه خطوط الإمداد التابعة لها عبر الدول الصديقة، وخاصة الصين".
وأقرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وشركاؤها الأوروبيون مجموعة من العقوبات التي تهدف إلى إغراق الاقتصاد الروسي، إذ تراوحت هذه الإجراءات بين حظر بيع المواد عالية التقنية، مثل الرقائق الدقيقة، إلى تحديد سقف لأسعار مبيعات النفط الروسي.
لكن التجارة بين روسيا والصين، نمت في الفترة من 2022 إلى 2023 بأكثر من 26 %، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 240 مليار دولار، وفقاً لتقرير صادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن.
وتجنبت بكين إلى حد كبير إرسال الأسلحة مباشرة، ولكن الشركات الصينية تحولت إلى مورد حيوي للعناصر التي تحتاجها موسكو لبناء الأسلحة بنفسها، عبر إمدادها بالرقائق الدقيقة والإلكترونيات الصغيرة.
دعم الحلفاء
ويبدو أن الدعم الذي قدمه حلفاء روسيا كان السبب الثالث في قدرتها على إعادة تجميع قواتها، إذ منذ أكتوبر الماضي، أرسلت كوريا الشمالية إلى روسيا حوالي 10 آلاف حاوية شحن، يمكن أن تشمل ما يصل إلى 3 ملايين قذيفة مدفعية، وفقاً لتقديرات الحكومة الأميركية.
كما قدمت إيران دعماً عسكرياً كبيراً لروسيا تمثل في إرسال الطائرة بدون طيار "شاهد-136" التي تعرف في موسكو باسم Geran-2.
ونشرت روسيا أسراباً من هذه الطائرات لتطغى على الدفاعات الجوية الأوكرانية، كما أطلقت أكثر من 3700 طائرة بدون طيار من طراز "شاهد"، والتي يوجد منها عدة أنواع.
وكشفت أرقام صادرة عن مسؤولين أميركيين، أن الناتج الإجمالي المحلي لروسيا زاد بنسبة 3 % في عام 2023، على الرغم من التوقعات بانكماشه، فيما أشارت تقارير إلى أن روسيا يمكنها إضافة 1200 دبابة وبناء ما لا يقل عن 3 ملايين قذيفة مدفعية أو صاروخ سنوياً.
ومن خلال صفقة مع إيران، تخطط روسيا لإنتاج 6 آلاف طائرة مسيرة بحلول الصيف المقبل.
وقال تقرير صادر في فبراير الماضي عن RUSI، إن روسيا يمكن أن تنتج 3 آلاف مركبة مدرعة سنوياً وزادت مخزونها من الصواريخ الدقيقة، فضلاً عن نمو قوتها داخل أوكرانيا.
ورفعت روسيا في العام الماضي، الحد الأدنى لسن التجنيد من 27 إلى 30 عاماً، ما يجعل لديها نحو مليوني مجند مؤهل.
هل النمو مستدام؟
وفي هذا الصدد، توقع قائد عسكري بارز في الجيش البريطاني، في أوائل الشهر الجاري، أن القوة العسكرية الروسية في طريقها لتكبد 500 ألف ضحية بحلول نهاية يونيو المقبل.
وأضاف أن "هذه خسارة مذهلة في الأرواح من أجل مكاسب متواضعة"، وبعد يوم واحد من حديثة، بدأت روسيا هجوماً جديداً بالقرب من مدينة خاركيف (شمال شرق)، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، ولكن التساؤلات تستمر حول مدى قدرة روسيا في شن المزيد من الهجمات.
واعتمد جزء كبير من إنتاج روسيا في زمن الحرب على مستودعات ضخمة من الأسلحة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، ولإعادة تشكيل العتاد الذي فقدته في المعركة، تعمل روسيا على إفراغ هذه المعدات وإصلاح المعدات ثم إرسالها كلها إلى الخطوط الأمامية، وهي أحد الأسباب التي تجعل تقديرات القدرة الصناعية الروسية تختلف على نطاق واسع.
وبينما قدرت شهادات أميركية رسمية، إمكانية أن تصنع روسيا ما يصل إلى 1200 دبابة سنوياً، أكد كونولي أن 400 منها كحد أقصى جديدة أو تم تجديدها بشكل كبير.
وقدر تقرير المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، الصادر في فبراير أن 80 % من إنتاج روسيا في زمن الحرب كان في الواقع مُجدداً، وهو عبارة عن مواد قديمة.
وأشار مسؤولو الدفاع الأوروبيون والأميركيون، إلى امتلاك روسيا مخزوناً هائلاً، ولكنه ليس غير محدود، وقد يكون هذا هو السبب وراء اعتمادها على شركاء مثل إيران وبيلاروس وكوريا الشمالية.