الشرق
أثارت عملية بيع محتملة لشركة تصنيع ذخيرة أميركية لصالح شركة أسلحة تشيكية "حفيظة" بعض المشرعين في الكونجرس، كما أبرزت المخاوف بشأن الملكية الأجنبية في هذه الصناعة الرئيسية بالولايات المتحدة، وسط استمرار انخفاض كميات الأسلحة على خلفية الحروب الدائرة في أوكرانيا وغزة، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأعلنت شركة Vista Outdoor، ومقرها مينيسوتا، في أكتوبر، موافقتها على بيع نشاطاتها بقطاع صناعة الأسلحة، والتي تتضمن علامات تجارية في مجال إنتاج الذخيرة، مثل شركة Remington إلى مجموعة Czechoslovak Group CSG ومقرها براج، وهي مورد رئيسي للذخائر والمعدات العسكرية لأوكرانيا، بقيمة 1.91 مليار دولار.
وزعم معارضو الصفقة، ومنهم وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، والسيناتور الجمهوري عن أوهايو جيه دي فانس، وهو حليف الرئيس السابق دونالد ترمب، أن مجموعة CSG "تربطها علاقات بالصين وروسيا"، حاثين وزارة الخزانة الأميركية على "حظر البيع من خلال لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (Cfius)" التي تقوم بمراجعة مثل هذه الصفقات عند البيع لجهات أجنبية.
لكن المعارضون اعتبروا أن صفقة CSG ستمنح الشركة الأجنبية الهيمنة على إمدادات ذخيرة الأسلحة الأميركية المحلية الصغيرة، في الوقت الذي تتلقى فيه شركة Vista عرضاً منافساً من مجموعة استثمارية في ولاية تكساس.
وأشار الرئيس التنفيذي لشركة CSG ميشال سترناد إلى أن الصفقة "ستعمق العلاقات الصناعية الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة وجمهورية التشيك، الحليف في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تصاعد الخلافات
وقالت "وول ستريت جورنال" إنه حتى منذ بضع سنوات فقط، لم تكن فكرة قيام شركة في إحدى دول "الناتو" بشراء شركة أميركية تركز على السوق المدنية تثير الدهشة، مشيرةً إلى أن الخلاف على الصفقة الحالية يعكس المخاوف المتزايدة من النفوذ الأجنبي، ويتزامن مع النقص العالمي في الذخيرة.
كما يأتي الخلاف في الوقت الذي تبدو فيه الحكومة الأميركية مستعدة لتعطيل عمليات الاستحواذ الأجنبية التي تقرر أنها قد تشكل تهديداً على الأمن القومي الأميركي.
ويعود الصراع على الشركة إلى عام 2022، عندما قدمت مجموعة استثمارية بقيادة شركة MNC Capital Partners، ومقرها تكساس، وعضو مجلس إدارة Vista مارك جوتفريدسون، سلسلة من العروض لشراء وحدات إنتاج الأسلحة النارية في Vista، وعرضت ما يصل إلى 1.8 مليار دولار.
وفي أكتوبر 2023، أعلنت Vista قبولها عرض CSG بقيمة 1.91 مليار دولار.
وفي ديسمبر، قدمت الشركتان إشعاراً إلى لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وتم تجديده في مارس.
واستقال جوتفريدسون من مجلس إدارة Vista في يناير لتقديم عرض لشراء الشركة بأكملها، وفقاً لشركة MNC التي عرضت في وقت لاحق 3 مليارات دولار لشراء Vista بأكملها، سواء أقسام الأسلحة أو مشروعاتها الخارجية، ما في ذلك شركة Bushnell والعلامة التجارية Fox Racing.
وقامت Vista بتأجيل اجتماع المساهمين السنوي من مايو إلى يونيو، ما يمنح وقتاً إضافياً للنظر في عرض MNC، كما يُتوقع أن يصوت المساهمون على صفقة CSG بعد ذلك.
وتتوقع قيادة Vista أن تحصل صفقة CSG على موافقة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة في وقت قريب، وفقاً لما قاله مسؤول تنفيذي في الشركة لـ"وول ستريت جورنال".
وقالت Vista في بيان: "ما زلنا واثقين من قدرتنا على الحصول على موافقة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي الموافقة التنظيمية الأخيرة المطلوبة لإتمام الصفقة".
أما في حال أوصت مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي بمنع البيع، فإن هذا "سينهي عرض CSG فعلياً"، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".
ورفضت المتحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية التعليق على المراجعة، لكنها قالت إن لجنة الاستثمار الأجنبي "ملتزمة باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية في نطاق سلطاتها لحماية الأمن القومي الأميركي".
ونمت CSG من كيان لبيع السلع والمعدات العسكرية الفائضة التي تم إيقاف تشغيلها، وتنقلت عبر أوروبا الشرقية في تسعينيات القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكيك حلف وارسو، حيث قام المواطن التشيكي ياروسلاف سترناد بتجديد المركبات المدرعة، وبيعها إلى الجيوش في الخارج.
ومنذ 10 سنوات، توسع سترناد في إنتاج الذخائر، واستحوذ على شركات ومصانع دفاعية من خارج جمهورية التشيك.
وتضخمت إيرادات CSG بالتحول إلى عملاء في دول "الناتو"، وفي عام 2018، تنحى سترناد عن منصبه كمالك لشركة CSG، ورئيسها التنفيذي لصالح نجله ميشال الذي كان آنذاك في العشرينيات من عمره.
الغزو الروسي على أوكرانيا
وتوسعت الشركة بدرجة كبيرة تحت قيادة سترناد الصغير، وبعد الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في 2022، أصبحت CSG مورداً رئيسياً للأسلحة والمعدات لكييف، حيث شحنت قذائف وأنظمة مدفعية ودبابات وقاذفات صواريخ إلى أوكرانيا.
ومولت الزيادة النقدية عمليات الاستحواذ التي قامت بها CSG، بما في ذلك شراء 70% من حصة Fiocchi Munizioni، وهي شركة أسلحة إيطالية صغيرة تمتلك مرافق إنتاجية في أركنساس وميسوري.
ووافقت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة على هذه الصفقة، رغم أن العملية استغرقت أكثر من 7 أشهر، بسبب الاضطرابات التي نجمت عن الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال ديفيد ستيبان، مدير الاستثمار في قطاع المشروعات الدولية في CSGL: "نحن لا نشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وإنما نقوم بأعمال تجارية في الولايات المتحدة".
ورغم أن الملكية الأجنبية لشركات السلاح الأميركية ليست بالأمر الجديد، إلا أن تدقيق تاريخ ونوايا CSG تم بشكل مكثف نتيجة عدم توافر الذخيرة على مستوى العالم.
وفي خطابه في يناير إلى وزير الخزانة الأميركية جانيت يلين، زعم فانس أن CSG "تربطها علاقات بالقيادة الروسية"، لافتاً إلى أنه "لا يمكننا أن نتحمل سقوط إمدادات السلاح الأميركية في الأيدي الخطأ".
ورداً على فانس عبر خطاب في أبريل، أكد ميشال سترناد على عمل CSG السابق مع مقاولي الدفاع الأميركيين بما في ذلك شركة General Dynamics، والتصاريح السرية لـ"الناتو" التي يحتفظ بها العديد من الشركات التابعة لـCSG والتي لها دور في إمداد أوكرانيا بالأسلحة.
وأضاف سترناد أن "أي تكهنات بشأن علاقة CSG" بنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يجب أن يُنظر إليها على أنها محض هراء".
وقال المتحدث باسم CSG إن الشركة "لم تتعامل على الإطلاق مع الجيش الروسي"، وإنها "أغلقت أعمال الشاحنات المدنية والصناعية في روسيا" في أعقاب الغزو الروسي على أوكرانيا في 2022.
العلاقة من الصين
وفي خطابه إلى يلين، أثار السيناتور الجمهوري من لويزيانا أيضاً المخاوف بشأن تعاملات الشركة مع الصين. ففي عام 2018، قامت شركة Eldis، التابعة لـCSG، بتوقيع صفقة لإمداد وكالة الملاحة الجوية المدنية الصينية بـ13 نظام رادار وصيانتها.
وقال المتحدث باسم CSG إن العقد ينتهي "خلال العام الجاري"، مؤكداً أن الشركة "ليس لها أعمال أخرى في الصين".
ويبدو أن إدارة بايدن تمعن النظر في ملف الاستثمارات الأجنبية، فقد أعلن البيت الأبيض مؤخراً، أنه أجبر شركة تعدين عملات مشفرة على بيع الأراضي التي تمتلكها بالقرب من قاعدة صواريخ نووية أميركية في ولاية وايومنج.
وبينما تمتلك Vista عدداً كبيراً من العملاء غير العسكريين، إلا أن الذين ينتقدون الشراء التشيكي المحتمل يؤكدون أن تهديد الأمن القومي الأميركي "حقيقي".
فبعد تأسيسها في سبعينيات القرن الماضي، اكتسبت لجنة الاستثمار الأجنبي مكانة أكبر مع تفاقم المخاوف الأميركية من احتمالية استخدام قوى أجنبية معادية عمليات الاستحواذ على القطاع الخاص للتجسس، وتهديد البنية التحتية وإعاقة القدرات الدفاعية الأميركية.