لماذا الأوغاد لا يستمعون إلى الموسيقى؟
لماذا الأوغاد لا يستمعون إلى الموسيقى؟

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, May 19, 2024 3:42:00 PM

 
النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس 
 
شغفت بالسياسة منذ يفاعتي، ولكنني أعترف بأن شغفي كان عاطفياً بحتاً رغم ما كنت أحاوله من البحث عن مرتكزات فكرية لتدعيم حماستي واندفاعي. وأظن أن جيلنا يمكن أن يوصف بجيل الخيبات لأننا وصلنا في فترة من الفترات إلى ذروة عليا من النشوة القومية، سرعان ما تدحرجنا من فوقها بعد هزيمة 1967، التي لمّا نزل نعيش في زلزالها، وبقيت ردحاً أتأمل أن الغد مستدرك نكبة الأمس، إلى أن تسرّبت الأعمار ونحن نتوغل في الانحدار.
 
أردت هذا الأحد أن ابتعد بكم عن السياسة، لأنني اكتشفت أنّ ادماني على ملاحقة الأحداث قد خلّف في ذائقتي الأدبية والفنية ثقوباً خطيرة، إذ وجدت نفسي متكيفاً مع الاستماع إلى الموسيقى الساذجة والهابطة، ومبتعداً عن روائع الفنون والانتاج الأدبي، وأنّ وقتي مستغرق من الإفاقة إلى الإغفاء في حضور الحوارات أو الاشتراك بها، في دورة تتكرر بصورة مملّة دون أن تنبت قمحاً أو شعيراً.
 
أعادني هذا إلى زمان مضى حيث كانت وسائل الاعلام مصدراً مهمّاً جداً للثقافة والرقي، بدءاً من برنامج يوسف الصيداوي على التلفزيون السوري اللغوي التعليمي المشوّق مروراً بلغتنا الجميلة التي كان يبدع في تقديمها لنا الشاعر فاروق شوشه في اذاعة القاهرة، إضافة إلى البرامج الفنية التي تعرّفنا على مواقع الابداع كبرنامج غواص في بحر النغم للموسيقار الراحل عمار الشريعي من اذاعة القاهرة أيضاً، كما أنّ أبناء جيلي يتذكرون اذاعة الشرق الأدنى التي كانت تبثّ من قبرص وكان روادها من نخب اهل فلسطين ككامل قسطندي وابراهيم ابو لغد، وصبري الشريف وغيرهم، ثم أغلقت هذه الاذاعة بعد أن تمرد عليها مذيعوها إبان العدوان الثلاثي على مصر، فحلّت محلها إذاعة لندن العربية (B.B.C) وكان من نجومها عبد الكريم الكرمي مع برامجه الرائعة ومنها قول على قول.
 
أما درّة البرامج الموسيقية فكان يقدّمها من تلفزيون دمشق الدكتور سعد الله آغا القلعة، وهو عالم موسيقي مدهش، وعازف على القانون، إضافة إلى أنه كان عميد كلية العمارة في جامعة حلب، لا أبالغ إذا قلت أن شرح الموسيقى العربية بالفصحى السلسلة للدكتور سعد الله متعة لكل متذوق بل مصعد للنفوس إلى عليا الجنان. الإخوة سحّاب، الياس وفيكتور وسليم لهم أيضاً أيادي بيضاء على الثقافة الموسيقية في مجالات مختلفة، أما الجندي المجهول الذي أغنى الاذاعة اللبنانية بروائعها ورعى المواهب الصاعدة، فهو حليم الرومي الذي اكتشف الجوهرة الفيروزية مبكراً جداً وعهد بها إلى الأخوين رحباني.
 
إننا ما زلنا نستمع إلى فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين وصباح وفيلمون وهبي، فهل من أغنية لأي منهم تشبه الأخرى وهل يستطيع الخبير الموسيقي الآن أن يمييز بين الأغاني الحديثة ويستطيع أن يحدّد المطرب أو المطربة؟
 
صحيح إنني أنتمي إلى ماضٍ قديم، ولكنه ما زال جميلاً وصالحاً لأجيال وأجيال، ولهذا أقترح على الاذاعات ومحطات التلفزة الاستثمار بما أنجزه الدكتور سعدالله آغا قلعة والمسجل على موقعه، كما أدعو أي محطة تلفزيونية أن تتعاقد مع الاستاذ الدكتور هياف ياسين ابن قرية عيات العكارية والموسيقار وعازف السنطور والضليع بالموسيقى وتاريخها إلى برنامج اسبوعي يصون المهج والأذواق السليمة من الأمراض المعدية.
 
إن اعادة الاعتبار للكنوز الثقافية والفنية من خلال إدراجها على برامج وسائل الاعلام من شأنه أن ينظّف الآذان والمهج من التلوث السمعي والرثاثة الفكرية بل أن تلفزيون لبنان الرسمي لا يستعيد مشاهديه الا باستعادة ما كان عليه من ثراء البث والابتكار والريادة.
 
أثناء ذهاب بوليوس قيصر إلى حتفه في مجلس الشيوخ اعترضه مواطن عادي وقال له: إحذر من كاسيوس إنه يكره القراءة، والقراءة نور العقول، إحذر منه إنه يكره الموسيقى والموسيقى نور النفوس.
 
هناك سؤال قديم لم يزل مطروحاً: لماذا الأوغاد لا يستمعون إلى الموسيقى؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني