الشرق
تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بالعمل معاً لمواجهة ما وصفوه بالضغوط الأميركية "المدمرة والعدائية" وإظهار الدعم لبعضهما البعض والعمل كـ"جبهة موحدة"، داعين إلى بناء عالم متعدد الأقطاب.
جاء ذلك في بيان مشترك تم توقيعه من قبل الزعيمين بعد اجتماع مع كبار المسؤولين أعقبته محادثات مصغرة مع المساعدين المقربين، إذ أكد الزعيمان مجدداً أن كل دولة هي "شريك ذو أولوية" للطرف الآخر.
ووجه الزعيمان انتقادات حادة إلى الولايات المتحدة وألقوا باللوم عليها في كل شيء، بدءاً من "توسيع الردع النووي" مع حلفائها بما في ذلك أستراليا، إلى "تطوير أسلحة غير نووية عالية الدقة، والصعوبات الاقتصادية في أفغانستان، والترهيب والاستفزاز الذي تتعرض له كوريا الشمالية".
وشدد البيان على أن الولايات المتحدة "لا تزال تفكر من منظور الحرب الباردة وتسترشد بمنطق المواجهة بين الكتل، وتضع أمن المجموعات الضيقة، فوق الأمن والاستقرار الإقليميين، مما يخلق تهديداً أمنياً لجميع دول المنطقة".
وحض البيان الولايات المتحدة على أن "تتخلى عن هذا السلوك"، وفق صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج"، ومقرها هونج كونج.
"عالم متعدد الأقطاب"
وأكد بوتين وشي من جديد رؤيتهما المشتركة لنظام عالمي "متعدد الأقطاب"، حيث تستطيع الدول بقيادة الصين وروسيا أن تعمل "وفقاً لمجموعة مختلفة من القواعد عن تلك التي وضعتها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات الليبرالية".
واعتبرت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن زيارة بوتين الرسمية، وهي أول رحلة خارجية له منذ أن أدى اليمين لولاية خامسة كرئيس الأسبوع الماضي، بمثابة "رسالة واضحة للولايات المتحدة"، بعد أن حض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الشهر الماضي الصين، على التخلي عن دعمها لحرب روسيا في أوكرانيا.
وتدرس واشنطن أيضاً فرض عقوبات على المؤسسات المالية الصينية إذا لم توقف بكين دعمها لموسكو.
وشدد البيان على ضرورة "إرساء عالم متعدد الأقطاب مع ضرورة إعادة توزيع الموارد والفرص على الأسواق الناشئة والبلدان النامية"، وأضاف: "باعتبارهما قوتين مستقلتين في عملية بناء عالم متعدد الأقطاب، فإن الصين وروسيا سوف تستغلان إمكانات علاقاتهما بالكامل، وتعززان تحقيق عالم متعدد الأقطاب وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية بطريقة عادلة ومنظمة، وتوحيد جهودهما من أجل تحقيق ذلك".
وتعهدت روسيا والصين بتوثيق العلاقات بين جيشيهما وتوسيع نطاق تدريباتهما المشتركة، فيما أدان البيان، ما قال إنه نشر الصواريخ النووية الأميركية التي تهدد روسيا والصين، وكذلك قيادة واشنطن لتحالف "أوكوس" مع بريطانيا وأستراليا.
ووصف البيان العلاقة بين البلدين بأنها "تجاوزت نموذج التحالف العسكري السياسي في حقبة الحرب الباردة"، وأنها "في أفضل مستوى في التاريخ".
وفي إشارة للتضامن بين أكبر قوتين غير غربيتين في العالم، قال شي وبوتين إن الصين وروسيا "مصممتان على الدفاع عن حقوقهما ومصالحهما المشروعة، ومقاومة أي محاولات لعرقلة التطور الطبيعي للعلاقات الثنائية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدولتين، أو الحد من الإمكانات الاقتصادية أو التكنولوجية أو إمكانات السياسة الخارجية" بين البلدين.
كما وضعا أرضية مشتركة بشأن مصالحهما السياسية، إذ أدانت الصين بشدة "الهجوم الإرهابي الذي وقع في 22 مارس على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو ودعمت جهود روسيا في مكافحة الإرهاب والتطرف".
وفي المقابل، أكدت موسكو مجدداً "اعترافها بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وتعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال، وتدعم بقوة تصرفات الصين لحماية سيادتها وسلامة أراضيها، وكذلك لتوحيد البلاد".
التسوية السياسية لأزمة أوكرانيا
وجددت الصين دعوتها إلى "تسوية سياسية" للحرب في أوكرانيا، وقال الرئيس الصيني بعد محادثات مع بوتين في قاعة الشعب الكبرى الخميس "الجانبان متفقان على أن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية هي الاتجاه الصحيح".
وأضاف شي: "موقف الصين بشأن هذه القضية ثابت وواضح بما في ذلك احترام سيادة ووحدة أراضي جميع الدول والمخاوف الأمنية المشروعة لجميع الأطراف.
وذكر أن "الصين تتطلع إلى استعادة السلام والاستقرار في القارة الأوروبية، وهي مستعدة لمواصلة لعب دور بناء".
وأضاف أن البلدين سيعززان الزخم الإيجابي في التجارة، ويطلقان العنان للإمكانات في المجالات المتطورة، مع الحفاظ بشكل مشترك على استقرار سلسلة الصناعة والتوريد العالمية.
وقال شي، إن العلاقات الصينية الروسية صمدت أمام "العواصف والتغيرات في الديناميكية الدولية"، و"وضعت نموذجاً للدول الكبرى والمجاورة في الاحترام المتبادل والصدق والتعايش المتناغم والتعاون متبادل المنفعة".
وأصبحت علاقة روسيا مع الصين أكثر أهمية من أي وقت مضى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي ظل العقوبات الغربية الشديدة، تنظر روسيا إلى الصين باعتبارها شريكاً اقتصادياً حيوياً وبديلاً محتملاً لأسواق الطاقة الأوروبية التي خسرتها.
ووصلت التجارة بين الصين وروسيا إلى مستوى قياسي بلغ 240 مليار دولار أميركي في عام 2023، أي أكثر من ضعف الرقم الذي تم تحقيقه في عام 2020 والذي بلغ 108 مليارات دولار أميركي، مدفوعاً إلى حد كبير بالواردات الصينية من النفط الروسي وصادرات السيارات والإلكترونيات والمعدات الصناعية.
"باور أوف سيبيريا 2"
وفي سياق متصل، قال كبير مسؤولي الطاقة في روسيا الخميس، إن موسكو تهدف إلى وضع اللمسات النهائية على اتفاق بشأن خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي، قوة سيبيريا 2، بين البلدين "في المستقبل القريب".
وقال وزير الطاقة ألكسندر نوفاك للتلفزيون الرسمي الروسي: "نخطط لاستكمال المراجعة وتوقيع عقد لبناء خط أنابيب للغاز بطاقة 50 مليار متر مكعب (سنويا) في المستقبل القريب".
ويمثل خط أنابيب الغاز الطبيعي المصمم لربط روسيا والصين عبر منغوليا، مشروعاً ذا رمزية كبيرة ويعكس الشراكة الاستراتيجية "بلا حدود" بين بكين وموسكو. وإذا اكتمل المشروع، فإنه سيحول 50 مليار متر مكعب (1.8 تريليون قدم مكعب) من الغاز الطبيعي سنوياً إلى شمال الصين، مما يعيد توجيه الإمدادات التي كانت تذهب في السابق إلى أوروبا.
وتعد الصين أيضاً، سوقاً رئيسية لتصدير إمدادات الطاقة. وقبل أيام من غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، أعلنت بكين وموسكو شراكة "لا حدود لها" وعزّزتا منذ ذلك الحين التجارة بينهما إلى مستويات قياسية.
وفي داخل روسيا، لا يزال المشروع موضع قدر كبير من الاهتمام. وقالت وكالة أنباء IA REX، إن المشروع ظل في الظل، مشيرة إلى تكهنات بأن "بكين لم تكن بحاجة إلى المشروع" أو أن هناك خلافات بشأن السعر.
وفي أعقاب التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على المؤسسات التي تساعد موسكو، انخفضت الصادرات الصينية إلى روسيا في مارس وأبريل الماضيين.
ويتزامن هذا التراجع مع تصاعد الضغوط على بكين لقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا. والعواقب المحتملة المترتبة على الفشل في القيام بذلك قد تكون ضارة بشكل خاص لاقتصاد الصين المتوتر بالفعل.