جورج شاهين - الجمهورية
فوجئت الأوساط السياسية والديبلوماسية بالدعوة الاميركية لسفراء المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية الى اجتماع غداً في عوكر، في وقت تنامى الحديث عن تجميد عملها، بعدما اصطدم آخر خطواتها ومعها مساعي كتلة «الإعتدال الوطني» النيابية، باستحالة دعوة مجلس النواب الى جلسة انتخابية تتخلّلها دورات اقتراع متتالية لانتخاب الرئيس، قبل وقف للنار في غزة، وعقد طاولة حوار وفق آلية لم يلحظها الدستور. وعليه، طُرح السؤال: هل ستحيي الدعوة الاميركية هذه «الخماسية»؟ وعلى أية أسس؟
بعد جولتين لسفراء الخماسية على القيادات السياسية والحزبية المعنية بانتخاب رئيس الجمهورية، وقد فصلت ما بين الأولى منها التي جرت بين 18 و19 آذار الماضي والثانية بين 16 و18 نيسان الفائت عطلة عيد الفطر السعيد، تعدّدت السيناريوهات السلبية التي تحدثت عن احتمال تجميد عملها او تعليقه على الاقل في المدى المنظور. وقيل يومها ان اللجنة فشلت في تحقيق اي خرق في «الجدار السميك» الذي فصل استحقاق انتخاب الرئيس عن أي خطوة سياسية او امنية اخرى، إلى درجة أنّه بات بعيد المنال. ومردّ ذلك إلى سيل المواقف التي ربطت بين مثل هذه المحطة الدستورية وأرجأتها الى وقت غير محّدد رهناً بمصير المساعي الدولية والاقليمية المتعثرة المؤدية الى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وإنهاء العمليات العسكرية في الجنوب التي انطلقت منذ الإعلان عن حرب «الإلهاء والإسناد» التي أطلقها «حزب الله» في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى».
وما عزّز هذا الإعتقاد، لم يقف عند وقف أي نشاط على مستوى تحرك السفراء الخمسة جماعياً، واقتصار حركتهم على بعض الزيارات المتفرقة، لا بل فقد تعدّدت المواقف والتصريحات التي أطلقها اعضاء كتلة «الاعتدال الوطني» النيابية عن احتمال سحب «مبادرتها – التوأم» التي احتسبت منذ انطلاقتها على أنّها كانت «الترجمة اللبنانية» العملية لمبادرة الخماسية و»بالإنابة» عنها، بعدما حاذرت اللجنة بمختلف اعضائها التوغل في بعض تفاصيل الاستحقاق الرئاسي، وتمنّعها عن الدخول في الأسماء وإصرارها على المواصفات الرئاسية تجنّباً للكشف عن رغبات البعض منهم بتأييد وصول هذا المرشح او ذاك، وترك الخطوات العملية والتنفيذية على عاتق اللبنانيين، بعد حضّهم على الانتقال من مرحلة «المواجهة السلبية» إلى رحاب «مرحلة التوافق» على الخيار الثالث، بعيداً من الخيارين اللذين انقسم حولهما اللبنانيون عمودياً، ما حال دون التوصل الى انتخاب أحدهما.
على هذه الخلفيات والمعطيات ظهرت «النظرة المتفائلة» الى الدعوة الاميركية لأعضاء اللجنة الى لقاء لهم للمرّة الاولى في مقر السفارة الاميركية في عوكر، لتوحي باحتمال ان تكون هناك مبادرة اميركية جديدة لإحياء عمل اللجنة الخماسية، وللتعبير عن إصرارها على نفي الأجواء السلبية التي حكمت مهمتها وعبّرت عنها حال الشلل التي زرعت القلق على مصير الاستحقاق الدستوري، ما لم تطلق المجموعة إشارات واضحة في اتجاه مساعدة اللبنانيين على إنجاز المهمّة وممارسة أقصى الضغوط السياسية والمعنوية الممكنة للخروج من مسلسل المآزق. وكل ذلك من أجل ما يحتاجه لبنان من «إعادة تكوين السلطة» وإنهاء الشغور الرئاسي وإكمال عقد المؤسسات الدستورية واستعادة السلطة الإجرائية دورها في ظلّ الفشل المتمادي للسلطتين التشريعية والتنفيذية في مقاربة أي من الاستحقاقات الكبرى في المنطقة، ومواجهة الملفات الخلافية الداخلية الحادة التي ألقت بظلالها على البلاد والعباد في ظلّ أسوأ الازمات المالية والاقتصادية والنقدية المتناسلة التي زادت الحرب التي استُدرج اليها اللبنانيون في الجنوب من حدّتها وتعقيداتها، لتنعكس على حياة اللبنانيين وحاضرهم ومستقبلهم.
وما زاد من أهمية الدعوة الاميركية انّها جاءت مفاجئة وإثر عودة السفيرة الأميركية ليزا جونسون من واشنطن، بعدما التقت خلالها المسؤولين المعنيين بملفات لبنان والمنطقة، وكان منها اللقاء الذي جمعها مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومساعديه لشؤون الشرق الاوسط، حيث أجرت تقييماً شاملاً للأوضاع من مختلف جوانبها، ولا سيما منها تلك التي تعني الوضع في لبنان. ولا تنسى المراجع الربط بين ما قامت به جونسون في واشنطن وما انتهت اليه لقاءات الوفود النيابية اللبنانية التي جالت على المسؤولين الكبار في البيت الأبيض، ولا سيما لقاء مسؤولي مكتب الأمن القومي ورؤساء اللجان في مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الاميركي ووزارات الخارجية والمال والنقد، كما بالنسبة الى اللقاء الذي جمع وفداً منهم بالموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين، وما يمكن القيام به للخروج من أنفاق الأزمات المتعددة الوجوه.
وإلى هذه المؤشرات التي توحي بإمكان الاقلاع مجدداً بعمل الخماسية، يجدر التوقف عند مصير المبادرات التي أطلقها أطراف فيها، والتي تجمّدت او تعثرت واحدة بعد اخرى. وإن أُشير الى البعض منها، كالمبادرة القطرية التي لم يُفهم بعد ما أرادت الدوحة منها وما انتهت إليه مهمّة «موفدها السرّي» الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني، الذي سعى منذ زيارته الاولى لبيروت في تشرين الاول عام 2022 وأمضى فيها فترات طويلة، إلى حلّ أزمة الشغور الرئاسي بلا جدوى. والأمر نفسه ينسحب على مصير المبادرة الفرنسية وما بينهما مجموعة الأفكار والمبادرات الاخرى التي تبرّعت بها أكثر من جهة دولية.
وعليه، فإنّ التذكير بهاتين المحطتين له ما يبرره. فقد تحدثت الكواليس السياسية والديبلوماسية عن دور اميركي أدّى إلى تعطيلهما او فرملة الخطوات المقترحة، في انتظار ان تقول واشنطن كلمتها، والتي باتت رهن التوصل الى وقف للنار في غزة، ليحيي هوكشتاين مهمّته، وهو أمر سلّم به معظم الاطراف.
عند هذه الملاحظات والمؤشرات تنتهي المراجع الديبلوماسية والسياسية إلى تأكيد ضرورة إعطاء الاجتماع غداً أبعاداً جديدة، لإثبات بعض النظريات وإسقاط أخرى، على رغم من حجم العقبات والمواقف التي عبّر عن جزء منها المتحدث بإسم السفارة الأميركية في بيروت مات جوشك، الذي قال أمس الاول «إنّ اللجنة الخماسية تواصل الضغط من أجل انتخاب رئيس للجمهورية يمكنه توحيد البلاد، والوقوف ضدّ الفساد، وسنّ الإجراءات الإصلاحية الأساسية اللازمة لتعافي لبنان وتنشيطه». وهي عبارات لا يمكن البت بمدى جدّيتها قبل التثبت من حجم الضغوط الاميركية التي تستعد واشنطن لفرضها على المنطقة وعلى بقية الساحات المشتعلة، في مهل تسبق تفّرغ الإدارة الاميركية لاستحقاقها الرئاسي فور دخول مداره مطلع الصيف المقبل. وما على اللبنانيين سوى التحلّي بنعمة الصبر والانتظار، لعلّ الاسابيع المقبلة تحمل اليهم بشائر الانفراج التي تتقدّم على بوادر الانفجار.