إلى العمّال اللبنانيين
إلى العمّال اللبنانيين

خاص - Wednesday, May 1, 2024 10:58:00 AM

مارفن عجور

يحلُّ عيد العمال، كلّ عام، في الواحد من أيّار حيثُ تُقفَل جميع المؤسسات والمحال والشركات لتعيّد العيد.
هذا العام، وعلى غرار الأعوام الأربعة السابقة، يأتي العيد وكأنّه ليس بعيدٍ، ففي لبنان يكاد العمّال لا يعيّدون كما يلزم وذلك لأنّ المشكلات المتعددّة الصعد تلقي بتداعياتها عليهم وتسبّب لهم ضغوطاتٍ نفسية ومعيشية وتخلق لهم حالةً من الضيق ويعيشون وكأنّهم على ماكينات الاوكسجين فمن يراهم يتنبأ أن يوم وفاتهم قد اقترب... نعم! يوم وفاتهم! ولعلّ لا أحد يصيبه مكروهاً، لكنّ مع الأسف، أصبح الموت من الجوع والفقر في لبنان أمراً متوَّقعاً في ظلِّ الأزمات التي تتفاقم الواحدة تلو الأخرى! أتوّجه اليوم، إلى العمّال اللبنانيين، الصامدين في وجه العواصف الحياتية، وبالرغم من كلِّ مرّةٍ شاءت المشقّات أن تُلفظهم ألفاظ الهلاك، ما زالوا يتمتَّعون بالصبر والعزيمة والاصرار على العمل، آملين أن يكون الغد أفضل! أتوّجه اليهم فأهنئّهم على أعمالهم البطولية التي يسطرّها كتابُ الحرب المعيشية اللبنانية كلّ يوم!
إلى عمّال وطني،
أنتم من أنتجتم وزرعتم وحصدتم وتعبتم وعانيتم وأقضيتم أوقات طويلة في عملكم لتتمّموا واجباتكم على أكمل وجه، أعلم جيِّداً ما تعيشونه بحيثُ تُقفَل شركاتكم التي تعملون بها نظراً للأزمة الاقتصادية التاريخية التي نمرّ بها، فالعملة تكاد ترتفع وتنخفض وكأنّها لعبةٌ، في ارتفاعها تتسارع معها دقّات قلبنا، والقلبُ يبقى ضحيّة هذه اللعبة فهو الذي يتحمّل كلَّ همٍّ وغمٍّ نعانيه نتيجةَ اضطراباتنا ونتيجةَ ضياعنا وحيرتنا وخوفنا من المستقبل، فكم من مرّة أيّها العمال سألتم : "هل تُقفَل موسساتنا؟"، "ماذا عن رواتبنا إن لم تتحسّن؟"، "هل سيبقى لنا طاقةً نستثمرها ونوّظفها أثناء العمل؟"، أفهم جيِّدًا اسئلتكم فهناك نظرية في علم الاقتصاد تقول : "كلّما ارتفعت رواتب الموّظفين زادت حماستهم على العمل بجدّيةٍ ومواصلة الانتاج والابتكار" وهذا هو حالُكم فلا يستطيع الواحد منكم جمعَ مبلغٍ كافٍ من المال ليؤمّن له ولعائلته لقمةَ العيشِ والاحتياجات الضرورية فلا الراتب يكفي والطاقة نفذت، لكن أيقنوا أنفسكم دائماً أنّكم أبطالٌ وشجاعون ولولا صمودكم لم تكونوا في العام ٢٠٢٤ أحياء وأنتم منذ العام ٢٠١٩ أموات الحياة!
أيّها الشبّان والشابات، عمّالنا الكرام، لا تهاجروا بُغيةَ الاستثمار، فبالنفس وحدها يحيا الانسان "وأنتم بالنفس لا بالجسد انسان"، لا تهاجروا فالبعدُ عن الوطنِ مرضٌ لا يعالجه مال الدنيا، لا تهاجروا من وطنكم لبنان، فأنتم من ستعمرّونه وبكم وحدكم يقوم من نكبته ويُشفى من مرضه وتُعالَج كل معضلاته، لا تهاجروا، فعلى أرضِ لبنان ترعرعتم وكبرتم ونشأتم وتعلّمتم في مدارسه الفخمة وبجامعاته الفخمة التحقتم فمنكم من درس الطب ومنكم من درس الهندسة ومنكم من درس الصحافة ومنكم من درس الاقتصاد ومنكم من أراد أن يكون معلّماً فحَمِلَ القلم والورقة وحفظ الدرس ليلّقنه لتلاميذه. لا تظنّوا أنَّ الهجرةَ قيامٌ وخلاصٌ، فكما برعتم في تعلّم مهنكم، يمكنكم أن تبرعوا في ممارستها، كونوا على قدر المسؤولية ولا تخجلوا من رواتبكم أبداً بل احمدوا الله أنَّ بين أيديكم مال تستطيعون فيه شراءَ ما يُلزمكم، واحتفظوا بما يمكن الاحتفاظ به فتؤمّنوا مستقبلكم وتجهزّوا للخطوات القادمة، احمدوا الله أنّه أشرقَ عليكم الشمسَ صباحاً لو أنَّ حياتكم قد ملأها الظلام وملأتها عواصف الدنيا، احمدوا خالقكم فالفقراء كثرٌ، بين أيديكم مال وأيديهم فارغة مفتوحة ولو لألفِ ليرةٍ!
"ولدّوا الأمل ... تعيشوه"
"ابتسموا ... فيبتسم العالم لكم"
"احيوا في قلوبكم الحياة ... تتمتعوا بها"
"ابقوا على حالكم الجيّد ... فلا تسحقكم شوائب الدنيا"
أيّها العمّال، لا تشعروا بنوباتِ هلعٍ بسبب أعمالكم ولو حتى أتعبتكم واجباتكم الكثيرة وأتعبكم وطنكم المتخبّط بالأسى واللوعة، اهدئوا، اهدئوا، اهدئوا وفقط اهدئوا، وابتسموا، فالصحةُ لا تعوّض، أمّا المال يعوّض لو مرّت دهورٌ وما الفائدة أن تدخلوا مستشفياتٍ فقط لأنَّكم غضبتم من العمل وكلّ يوم يسبّب لكم بخنقٍ؟ ما الفائدة أن تهدروا صحتّكم وأنتم قرّاء الكتب المقدّسة تعلّمتم من أديانكم الايمان؟ لا تفقدوا ايمانكم، واعلموا أنَّ الله في رفقتكم دائماً ولا يخذلكم وأن قوَّة الشرّ ستفشل أن تهزمكم وتنهي آمالكم.
أيّها العمّال اللبنانيون، لستم في جهنّم كما تعتقدون، فيمكنكم العيشَ في الجنّة إن أردتم وهذا يرتكز على ارادتكم وصلابتكم وقوّتكم وايمانكم، فلا بعملٍ قادرٌ أن يُفقدكم سيطرتكم، تخطيّتم الكثير، صرختم على مقاعد مكاتبكم "لا أوّد أن أكمل عملي"، "مللتُ والعمل لا يُحصد ما أزرع"، "سئمتُ من الأوامر المستمرّة وليتَ لو أسمع خبراً ساراً"، نعم! هذه الجمل كادت أن تتردّد على ألسنتكم في الأعوام الأخيرة لأصبحت لغةً تتكلّمون بها تعبّر عن أسفِكم لما آلت إليه الأوضاع، لكنّ هل من نتيجة من الخيبة والعناء؟ فلا! وأينَ أغفلتم نظركم عن الصلاة؟ تعمّقوا بكلمة الله فهي مفتاحُ الفرج! وكفّوا عن الحزن فلعلَّ بعد كلّ عسرٍ يسر!
أيّها العمّال، التجّار، أنتم الذين طمعتم بالمنتجات واحتكرتم البضائع، كدستمّوها تحتَ سابعِ أرضٍ، نقّوا ضمائركم فكي يكون مستقبلكم زاهراً وآملاً، أطعموا من مدّ يده لكم طالباً الخبز ولا تحرموه منه هدفاً بالحصول على المزيد من المال، ازرعوا على أوجه زبائنكم الابتسامة لكي يزرع الله على أوجهكم الابتسامة عينها، فلستم أنتم، تجّارٌ لبنانيون، باخلاقكم اللبنانية، تستطيعون أن تقترفوا بحقّ أخيكم الانسان أعظم أنواع الجرائم الانسانية!
أيّها العمّال، لا تتركوا أعمالكم بسبب رواتبكم فمهما وقعتم التكريمُ آتٍ على أيّة حال، لا ترهقوا أنفسكم بارادتكم، تفاءلوا، تحلّوا بالايجابية، لا تجلسوا في منازلكم منتظرين الفرج، فلا حياة لمن ظلَّ واقفاً على ضفاف النهر، خائفاً من الامواج والأعاصير،كافحوا، ستنجحوا وستفشلوا، ستبكوا وستضحكوا، ستطردوا بأيديكم الأتراح وترحّبوا بالأفراح، أنتم يا من اجتهدتم، على مقاعد العلم جلستم، وبالثقافة توّلعتم، لا تعلّقوا شهاداتكم فحسب، استفيدوا منها ولو بأمورٍ بسيطةٍ، فما من ناجحٍ إلّا وقد مرَّ بالعديد من الخطوات واعلموا أنَّ الوصولَ إلى القمّة أمرٌ حتميٌّ لمن أصرَّ على العملِ!
ختاماً أيّها العمّال، الأوضاع لن تبقى على حالها، وبإذن الله، أنتم الذين تعيشون في دوامة الكوارث بسبب العمل الذي أصبح صعباً في لبنان، ستعودون الى العمل الطبيعي تدريجياً فلا تستعجلوا بالهروب والهجرة لأنَّ الوطن يحتاجكم، وتأكدّوا أن نحن من نصنع الأمل وننشره بيننا في اصرارنا على الصمود، نحن العمّال اللبنانيون لا تقوى علينا شرور الدنيا كلّها، عيدُنا كلّ يوم لأنّنا أبطالٌ تستحق قصتّهم أن تُروى وبكلّ فخرٍ!
عمّالنا، كلُّ عامٍ وأنتم بألف خيرٍ وصحةٍ وسعادةٍ حتى لو أعينكم لا تستطيع رؤية الخير، عسى ربّكم أن يشرق عليكم شمساً حارقةً بنورِها الساطع الذي لا يمدّ إلّا بالسعادة .... السعادة.... السعادة .... عيدٌ سعيدٌ أبطالنا!

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني