باسمة عطوي - نداء الوطن
لم يتعب أمين عام حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، الدكتور شربل نحاس من وضع الاصبع على الجرح النازف منذ عقدين على الاقل، والذي أدى الى الانهيار المالي والاقتصادي في الـ2019 أو «التفليسة» كما يردد دائماً. فكان الموعد الجديد مساء الثلاثاء في مسرح المدينة وبالتعاون مع «الدولية للمعلومات». حيث شرّح نحاس على مدى ثلاث ساعات تقريباً، أسباب الازمة ونتائجها وممارسات السلطة قبل وبعد وقوعها، من خلال الاجابة على الاسئلة التالية «شو صار؟ شو عم يصير؟ وشوفينا نعمل؟.
بداية كلمة ترحيبية للفنانة نضال الاشقر، ثم عرض شربل لأسباب «التفليسة» والواقع الذي نعيش فيه، الى أن وصل للاجابة على السؤال «شوفينا نعمل». فاعتبر أننا «عند مفصل جديد: فنظام اللا-دولة تعطّل بحلقاته الثلاث، السياسية-الطائفية، والمالية، والخارجية.
في الشق الاقتصادي شدّد نحاس على ضرورة «إعادة رسم الحدود بين الخدمات ذات الصفة السلعية والخدمات التي تشكل حقوقاً، كتعميم التعليم الأساسي المجاني الإلزامي كحق اجتماعي وفق منهج موحد مع الحرص على التخالط الطبقي والطائفي، وتوجيه التعليم العالي والفني بما يخدم الحاجات الاقتصادية للبلد وليس لتصدير الشباب لأنه استثمار (الخسائر الحالية تفوق 10 مليارات دولار سنوياً) والتعاقد لذلك مع المؤسسات التعليمية بالكلفة الفعلية. وتعميم التغطية الصحية الأساسية على المقيمين وتحديد مهام الضمان من جهة ووزارة الصحة من جهة أخرى ومقدمي الخدمات من أطباء ومستشفيات ومختبرات ومراكز عناية اولية»، مشدداً على ضرورة «اعتماد الخيارات المؤسسية المالية اللازمة لطيّ تجربة العقود الأربعة الماضية وإنهاء مسارها المدمّر والخروج من الدولرة التي فرضت نفسها منذ أواسط الثمانينيات، واستعادة حرية التأثير عبر السياسات النقدية للتحكم بانحرافات الأسعار وتأثيراتها على كلف المعيشة والإنتاج، وإعادة الوساطة المالية إلى دورها المطلوب أي تمويل حلقات الإنتاج والتوزيع من جهة، وتمويل الاستثمارات من جهة أخرى، مع فصل فئتي المصارف لناحية طبيعة موارد تمويلها وأشكال تسليفها ومخاطرها، بعد التطبيق الفوري لقانون 1991 رقم 110 لإصلاح الوضع المصرفي لإنهاء المهزلة-المأساة المستمرة منذ خمس سنوات».
ودعا نحاس الى «حسم الخيارات القطاعية والاجتماعية، وهي تبقى محكومة بصغر البلد وبخسارة الموارد وبالانحرافات التي تراكمت لعقود على صعيد المؤسسات والقوى العاملة. لذا يتوجب اعتماد نهج واضح يرمي إلى تحقيق هدفين هما: توفير فرص العمل للبنانيين لوقف الهجرة وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية لوقف التسول والارتهان»، مشيراً الى ضرورة «القيام بالاستثمارات العامة الآيلة لخفض الكلف الاقتصادية الداخلية وحجم الاستيراد لا سيما في النقل والطاقة، وإرساء نظام ضريبي لا يقتصر على جمع التمويل بأسهل الطرق بل يصمَّم لتأدية دور تحفيزي خدمة للمصالح الاقتصادية العامة فلا يعتمد مقاييس المحاسبة الخاصة كمرجع مطلق. فدفع الأجور وتدريب العاملين أو حملات الدعاية ومصاريف الحفلات والترفيه لا يجوز التعامل معها وكأنها أعباء متوازية التأثير على الربح مثلًا، كما أن المبيعات الداخلية أو الصادرات لا يجوز التعامل معهما وكأنهما مداخيل متوازية التأثير».
كما شدد على «ضرورة انتظام عمل الإحصاء المركزي، استناداً إلى تعداد المقيمين والمؤسسات لإنتاج حسابات وطنية دقيقة ولتأمين مؤشرات مستمرة وسريعة تسمح برصد اقتصادي واجتماعي يوجّه السياسات العامة. وإعادة الاعتبار للأجر، ليس فقط عبر تحسينه بل أولاً عبر تحصينه، وإنهاء مهانة بدلات النقل والمساعدات الاستثنائية وغيرها من البدع التي ارتضتها جماعة اتحاد العمالة العام، وتوسعة نسبة المشاركة في العمل، لا سيما بين النساء».
وجزم بأن «الإدارة العامة تحتضر. فحوالى ربع الملاك فقط مشغول وغالبية الموظفين يتقدمون في السن وما من شاب أو شابة يتقدم الى الوظيفة العامة. واللا-دولة لا تحب الإدارة، لأن الإدارة هي أساس الدولة وركن شرعيتها. لذلك من الضروري تعزيز الإدارة وتحديثها وتجهيزها مهمة ذات أولوية».
وختم: «تصحيح الانحرافات البنيوية في الاقتصاد بعدما تمادت لعقود يعني تغييراً في المجتمع وتبدّلاً في مجالات العمل وفي المواقع الاجتماعية وفي المهن، واعتماد سياسات خارجية مسؤولة. فبعد كل الذي صار، ومواجهة لما يصير، هذا الذي علينا، وهذا الذي فينا فعله. كي تشم رائحة مختلفة عن الأسن الطاغي ونشوف شي غير مشهد الخراب».