فادي عيد - الديار
في قراءة للواقع الداخلي في ضوء ازدحام التطورات والمستجدات والأزمات، يجزم نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي لـ "الديار"، بأن "لبنان يمرّ بأزمة حقيقية لها وجوه عديدة، تبدأ بانهيار الدولة والمؤسّسات وانهيار النظام، وتنتهي بهذه المتغيّرات الديمغرافية الخطيرة، لأن لبنان بُني على توازن دقيق له تأثير في استقراره وطمأنة أبنائه من مختلف المكوّنات". ويشير إلى أنه "في تاريخ لبنان، مرّت عليه أزمات كثيرة، ونحن لا ننسى الأعوام 88 و89 و90 وبعد مرور 15 عاماً من الحرب الأهلية، أيضاً كانت الدولة منهارة انهياراً كاملاً، والمؤسّسات أيضاً منهارة بما فيها الجيش، أما اليوم المؤسسات الأمنية جميعها والجيش، لا تزال تحافظ على الحدّ الأدنى من الإستقرار ومن الحضور الأمني، ورغم كل ذلك، أتت الظروف الأمنية المحلية والإقليمية والدولية لتعيد إنتاج البلد على مستوى عودة مؤسّساته وإعادة الحياة إليه، ولذلك، أعتقد أن لبنان سيعود إلى سابق تألقه وازدهاره".
وبالنسبة لرئاسة الجمهورية، يرى أن "الفراغ سبق أن حصل في فترات سابقة في الأعوام 88 89 و90 لسوء الحظ، وعاد وانتخب رئيس الجمهورية".
وعن تصوّره للبنان ما بعد حرب غزة، يؤكد أنه "تماماً مثلما كان قبل هذه الحرب، فلبنان بلد تعدّدي، والإنطلاق من غير هذا الواقع يؤدي إلى الوقوع في خطأ استراتيجي في قراءة الأحداث، وكل الأجيال التي خاضت محاولات لتغيير النظام السياسي في لبنان قبل الـ 75، وكانت كاسحة وماسحة بكميات ضخمة، بحيث كان تلامذة الجامعة اليسوعية يتظاهرون جنباً إلى جنب مع تلامذة اللبنانية والعربية لتغيير النظام في البلد، وإذ بقي هذا النظام وخرج من الحرب الأهلية أكثر رسوخاً، يجب أن لا نتناسى أن البلد يضم مكوّنات طائفية، وهذه المكوّنات باقية، وبالتالي سيكون البلد على صورتها ومثالها عبر توازن دقيق، وأهم شيء عودة الحياة الدستورية والقيم الدستورية، فلدينا دستور يجب الحفاظ عليه، وأي دخول حالياً بمحاولة تغييره أو تبديله هو مخاطرة ومغامرة، لا يستطيع أحد أن يضمن نتائجها، خصوصاً في ما يتعلق بالمكوّن المسيحي".
وعن الحديث المتعاظم حول "سايكس بيكو 2"، يقول إنه "لا يوجد إعادة نظر في الجغرافيا، وهذا يجب أن يكون مفهوماً، وفي العام 1975 كل المراهنات كانت أن هناك سايكس بيكو جديد، وأن "إسرائيل" قوية وسيعاد النظر بالتركيبة الجغرافية بالمنطقة، وأن هناك دويلات طائفية ويجب أن نؤمِّن لبنان بمكونه المسيحي، وبالتالي عسى ولعل يصح هذا الهدف ففشل فشلاً ذريعاً، وكان من نتائجه أيضاً إلغاء الجمهورية الأولى لمصلحة الجمهورية الثانية، بما حملت من تنازلات من قبل المسيحيين. يجب أن يكون معلوماً اليوم أنه لا يوجد متغيرات على مستوى الجغرافيا، سايكس بيكو رسّم الحدود، اليوم تبدّل اللاعبون ولكن هناك تغيير بمناطق النفوذ وليس في الحدود".
وعن موقع لبنان والجهة التي سيتبع لها عند تبديل مناطق النفوذ، يرى أنه "سيكون شراكة كما كان في العام 1991 و1992، تماماً، عربي ـ عربي، وأميركي ـ سوري، وسعودي ـ سوري، لكن يجب أن نعترف أن إيران باتت أحد عناصر اللعبة الأساسية في الشرق الأوسط كما تركيا و"إسرائيل"، وقد تدنّت وظيفة "إسرائيل" الإستراتيجية، لأنها رسمت لنفسها معالم قوة ودور أكبر من قدرتها على هضمه، لذلك، كانت هذه الصدمات المتتالية التي أصابت المشروع "الإسرائيلي" في المنطقة، ولذلك نشعر أن هناك تدنٍّيا في وظيفتها الإستراتيجية حتى بنظر الغربيين. وعلينا أن لا ننسى أن أميركا اضطرت للمجيء في 7 تشرين بأساطيلها، وبالأمس قبل الردّ الإيراني أيضاً، اضطرت أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى القدوم بأساطيلها، بحيث أصبحت إسرائيل بحاجة لمن يحميها".
وحول الردّ الإيراني، يعتبر أن "الردّ الإيراني واضح، بعدما أراد نتنياهو من قصف القنصلية الإيرانية وقتل ضباط إيرانيين إظهار نوع من الفجور العسكري للحفاظ على الهيبة أولاً، وثانياً علّه يتمكن من توسيع دائرة الحرب لتوريط أميركا فيها، ليعود على بركة من الدم، والحقيقة أنه استطاع إلى حدٍّ ما إعادة وضع الحماية التي تأمّنت له في اليومين الماضيين ولدفع أضرار الردّ الإيراني، وهذه الحماية خلقت نوعاً من إنتاج العلاقة، بعدما كانت قد أصيبت بنكسات متعدّدة مع الأميركيين. ولكن في الوقت عينه، فإن الأميركيين مصرّون على عدم توسيع رقعة هذه الحرب، وما يسمّى وظيفة "إسرائيل" الإستراتيجية في المنطقة كقاعدة عسكرية متقدمة، لكي تقوم مقام الأميركيين والأوروبيين بفرض النظام والسيطرة، وما نشره في الأمم المتحدة من خارطة ظهر أن الأبرز فيها هو نتنياهو، أعتقد أن هذا المشروع أصيب اليوم إصابة استراتيجية تكاد تكون قاتلة".
هل لا تزال الرئاسة في الثلاجة، يجيب: "طبعاً، لأن اللبنانيين غير مستعدين للتفكير بشكل سليم بل يفكرون بكيدية، وخصوصاً المسيحيين منهم بكيدياتهم وأحقادهم، ففي العام 2016 عندما كان ميشال عون يحظى بتأييد 70% من المسيحيين، ولم يكن لدى سمير جعجع سوى ستة نواب، و"الكتائب" ثلاثة نواب، وكان قانون الإنتخاب مبتوراً، بحيث أن نصف المجلس مستولد بكنف الطوائف الأخرى، قلنا لهم أن هذا يمثل المسيحيين فليكن موجوداً، رفضوا بإجتماع رسمي في بكركي ووقع عليه رؤساء الأحزاب وممثلوهم، وكنت موجوداً أنا والوزير عبدالله بوحبيب، وتم الإتفاق على أنه من يصل من الأسماء الأربعة هو شرعي في تمثيل المسيحيين، ولكن اليوم غيّروا هذا الواقع ، لأنهم ظنّوا أن أكثرية المسيحيين تحول دون وصول سليمان فرنجية، وليس بسبب أن سليمان قادر أن يبحث بمسألة السلاح والنازحين السوريين والحدود مع سوريا، وقادر أن يقول لا نريد أن يكون لبنان ممراً، وأن يتحدّث بالطائف وينتج علاقات قوية مع السعودية والخليج، وبالتالي هو قادر أن يقوم بمهمات يعجز كل المرشحين المطروحين عن القيام بها، ولا يملكون المواصفات التي تخوّلهم أن يكونوا مستقلين".