لينا فخرالدين - الأخبار
استنفر حزب القوات اللبنانيّة كلّ أدواته الطائفية لوضع يده على نقابة المهندسين، تماماً كما فعل منذ أشهر في نقابة المحامين. لكن الخطاب الطائفي أودى بمرشّحه إلى منصب النقيب بيار جعارة ولائحته، ولم يجد استثماره في مقتل مسؤول القوات في جبيل باسكال سليمان في عملية سطو لتأليب الناخبين المسيحيين ضدّ مرشّح التيّار الوطني الحر إلى منصب النقيب، فادي حنّا، باعتباره متحالفاً مع حزب الله وحركة أمل وجمعيّة المشاريع الخيريّة. صحيح أنّ ذلك ساهم في حشد الناخبين المسيحيين الذين وصل عددهم إلى أكثر من نصف الناخبين (10 آلاف)، غير أن حزب القوات فشل في انتزاع أكثر من نصفهم، كما ارتدّت هذه الحملة عليه بين المقترعين السُّنة الذين أحجموا عن المُشاركة الكثيفة، رغم التحالف مع «تيار المستقبل».الفشل «القواتي» قابله نجاح حزب الله في «تشبيك» تحالفٍ متين بين حركة أمل والتيّار، ونجاح الأخير في استنهاض جمهوره واقتسام الأصوات المسيحيّة (نحو 5 آلاف و300) «فيفتي فيفتي» مع خصومه. كذلك تمكّن «الثنائي» من القفز على الصعوبات في تأمين أصوات ناخبيه في الجنوب بفعل الاعتداءات الإسرائيليّة وحشد أكثر من 2500 ناخب، إضافة إلى أصوات «المشاريع». عليه، كانت معركة «على المنخار» وانتهت بفوزٍ كاسح للائحة حنّا التي نالت 4634 صوتاً مقابل 4129 صوتاً لجعارة، وفاز بالعضويّة كل من: بول ناكوزي (مستقل مقرب من أمل)، وأحمد نجم الدين (مشاريع) وهيثم إسماعيل (أمل) وحسن جواد (حزب الله) وفكتوريا دواليبي (تيار)، إضافة إلى فوز مرشحي اللائحة إلى عضوية لجنة إدارة الصندوق التقاعدي ولجنة المراقبة عليه، وهم سهير فواز وهشام الرهاوي ومحمد علي الجنون وسعيد غصن. سياسياً، انتهت المعركة إلى أربع خلاصات أساسية: أولاً، عودة التيار بقوة نقابياً بعد انكفاء طويل رافق حرب الإلغاء السياسية التي تعرّض لها منذ عام 2019؛ ثانياً تأكد التيار من أنه لا يعيش في جزيرة ومن أهمية عقد التفاهمات مع الحلفاء لتحقيق الفوز؛ ثالثاً اتساع الهوة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل الذي لم يستطع إقناع قاعدته بتأييد مرشح مدعوم من القوات رغم تنازل معراب عن ترشيح شخصية حزبية؛ ورابعاً انتهاء «التغييريين» الذين جاؤوا عقب «ثورة على أحزاب السلطة» ملحقين بحزب القوات اللبنانية
طوت نقابة المهندسين أمس تجربتين نقابيتين خفتت خلالهما سطوة الأحزاب. عهدا جاد ثابت وعارف ياسين اختُتما بـ«نكسات» متتالية جعلت «المعارضة» تتقبّل مصيرها بشيء من الاستسلام. المُعارضة التي استفادت من «مومنتم» الانتفاضة الشعبيّة والانهيار المالي سُرعان ما «أكلت نفسها» وخذلت من تدافعوا قبل 3 سنوات للتصويت لصالح ياسين، بسبب سوء أداء الرجل الذي حمل «كرة نار» من دون أن يكون مسلحاً بخطّة واقعية للنهوض بالنقابة وتحرير الودائع من المصارف.
كلّ ذلك، «شلّع» المعارضة وأنتج خلطاً في المفاهيم التطبيقيّة للانتفاضة على السّلطة، وقاد إلى انتهاء زمن «وحدة السّاحات والخيم» حتّى صار لكل تكتّل من المجموعات مرشّح. التشتّت داخل البيت الواحد وعودة الأحزاب إلى أدواتها أرخيا شيئاً من «القدريّة» على المُعارضين الذين كانوا يعرفون النتيجة مسبقاً، ومع ذلك قرّروا المواجهة. ولذلك، كان من الطبيعي أن يعمل «مصمّمون» لصالح اللائحة التي يرأسها روي داغر وكأنّها سُتمنح الفوز، تماماً كما فعل المرشّح لمنصب النقيب جوزيف مشيلح ومثله جورج غانم، فيما لم يتمكّنوا مجتمعين من تجيير أكثر من ألف صوت من أصل نحو 10 آلاف!
هؤلاء وقفوا يُشاهدون كيف انقلبت اللحظة السياسيّة عليهم وراقبوا عودة الأحزاب إلى النقابة بانقسامها العمودي المعتاد بين «8 و14 آذار»؛ التيّار الوطني الحر مع حزب الله وحركة أمل وجمعيّة المشاريع والحزب السوري القومي الاجتماعي يدعمون لائحة يرأسها فادي حنّا مرشّحاً لمنصب النقيب في مواجهة لائحة يرأسها مرشّح القوات اللبنانية بيار جعارة مدعوماً من تيار المستقبل والكتائب. واستشعر الحزب التقدمي الاشتراكي باكراً هذا الانشطار ما جعله يبحث عن خيارٍ مستقل: جورج غانم إثر انسحاب مرشحيه إلى عضوية الهيئة العامّة. لكنّ المختارة لم تترك «الثنائي» نهائياً، فرجّحت كفّة مرشحيه إلى الهيئة العامّة ولجان الصندوق التقاعدي من دون أن تُجيّر للقوات في المقابل، باعتبار أنّ «الاشتراكيين» كانوا أقرب إلى لائحة حنّا، لكن الشروط السياسيّة التي طرحها المسؤولون الحزبيون خارج النقابة جعلت التحالف مستحيلاً.
التحالفات في الأصل كانت بالسياسة. لذلك حمل حزب الله لائحة حنّا على كتفيْه وضحّى بمرشّحه في الفرع السابع وارتضى بمرشّحٍ واحد إلى عضوية مجلس النقابة و«شبّك» تحالفاً من دون تشطيب بين التيار وأمل، لم يهزه تسريب تسجيلات صوتيّة لمسؤول ماكينة التيّار في محاولة لتأليب جمهور أمل على حنّا الذي خرج من المفاوضات بوعدٍ بالحصول على أمانة السر وترشيح مسيحي مستقل من حصّته، هو بول ناكوزي الذي انقلب في الساعات الأخيرة من لائحة مشيْلح المدعومة من المستقلين إلى لائحة «الثنائي». سُلّفت «عين التينة» انتصارات في توزيع الحصص ما سهّل على جمهورها دعم التيّار، خصوصاً في ظل خطاب القوات التحريضي.
حمل «القوات» الثقيل
في المقابل، حملت «القوّات» بقوّتها الناخبة لائحة بتحالفات لم تكن على قدر آمالها، إذ إنّ الكتائب لم يزد إلى غلّتها الكثير، ولم يتمكن تيّار المستقبل وجمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة من رفدها بأكثر من 800 صوت (من أصل 1300 سني). كما أن المُقايضة بين القوات والمستقبل في نقابتي بيروت والشمال، هشّمت صورة التيّار الأزرق الذي خرج خالي الوفاض في طرابلس، وعرّى نفسه في العاصمة بعد التأكّد من فقدانه القدرة على الحشد السني.
وخاض حزب القوات الاستحقاق بعناوين سياسيّة، وعمل على استنهاض الشّارع المسيحي مستثمراً في دم مسؤوله في جبيل باسكال سليمان، مستخدماً صورة زوجة الأخير وهي تقترع صباحاً، وصوّر المعركة بأنها ضد «القتلة» الذين يتحالف حنّا معهم. ومكّن ذلك القواتيين من تأمين حشدٍ مسيحي وصل إلى أكثر من 5 آلاف ناخب. وبالفعل كادت النتيجة ترجّح لمصلحة جعارة قبل أن تقلب ماكينة «الثنائي» المعادلة في فترة ما بعد الظهر التي شهدت مشاركة واسعة من مهندسي الجنوب، فارتفعت المشاركة الشيعيّة إلى نحو 2700 ناخب، غالبيتهم العظمى من حصة «الثنائي».
أمّا التيّار الوطني فكان حاسماً لجهة تمكّنه من حشد جمهوره ليقتسم الأصوات المسيحيّة مناصفةً - تقريباً - مع «القوّات»، بعدما أكّدت ماكينته أنّه قادر على تجيير أكثر من 2200 ناخب مسيحي وهو ما حصل فعلاً.
في النتيجة، فاز «التيّار» وإلى جانبه وقف «الثنائي»، وجمعيّة المشاريع يرفعون شارة النّصر: نقيب من «لونهم» السياسي ومعه أكثريّة في مجلس النقابة تؤهله لبسط سلطته على مدى السنوات الثلاث المقبلة. في حين جرجرت «القوات» خيبتها بعدما أخفقت في حصد غالبية مسيحية، وكانت هزيمتها مدوّية أكثر في الحصول على الصوت الإسلامي بعدما تقوقعت في خطابٍ طائفي.