ناصر زيدان - "الأنباء" الكويتية
الصعوبات الدستورية والمالية والمعيشية التي يعيشها لبنان تبدو عادية أمام خطرين كبيرين يهددان استقرار البلد المرهق. الأول ناتج عن العدوان الإسرائيلي في الجنوب، والذي قد يتوسع في أي لحظة ليصيب كل المناطق، والخطر الثاني ناتج عن أجواء مشحونة تهدد الوضع الداخلي باضطرابات أمنية واسعة، او ربما بحرب أهلية، وهي تذكر بأيام مؤلمة عاشها لبنان قبل ما يقارب النصف قرن، بدأت شرارتها في 13 ابريل 1975 واستمرت ما يزيد على 15 عاما.
وعلى أمل أن تكون حفلة التصعيد أخذت حدها بما جرى ليل الأحد خلال الرد الإيراني الواسع على عدوان إسرائيل على قنصلية بلادهم في دمشق مطلع الشهر الجاري، يترقب اللبنانيون بحذر الأجواء التي عكستها النداءات التي صدرت من عدة دول مهمة، تطلب من رعاياها عدم السفر إلى لبنان، بما فيها روسيا التي لم يسبق أن أطلقت مثل هذا النداء حتى في أوج الحرب الأهلية الماضية، ونقل كلام عن أحد الشخصيات الروسية الهامة، يفيد بأن الأجواء مهيأة لحصول حرب شاملة تطول لبنان بكامله على هامش التوتر القائم بين إسرائيل وايران، وسيكون لحزب الله دور كبير في هذا السياق، من جهة لأنه حليف لإيران وربما يطوله العدوان بقوة، ومن جهة ثانية لأن الحزب قد يشارك في العمليات النوعية المتطورة ضد المواقع الإسرائيلية. برغم أن أوساط أخرى متطلعة أشارت إلى أن حدود العمليات قد توضح، ولا يبدو أن تصعيدا شاملا سيحصل في أعقاب الهجوم الإيراني، حيث أعلنت إسرائيل أن الهجمات لم تتسبب بأذى كبير لها.
أما مصدر الخطر الثاني الكبير على لبنان فقد حملته الأجواء السلبية التي أعقبت عملية الاغتيال الشنيعة التي ذهب ضحيتها مسؤول منطقة جبيل في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان، ورافق الحادثة وقوع جريمة قتل محمد سرور المقرب من حزب الله في منطقة نفوذ القوات في بيت مري، وكذلك ما حصل من اعتداءات طالت مركز للحزب السوري القومي الاجتماعي في جديتا بالبقاع وحرق سيارة اسعاف تابعة للحزب في بلدة بيصور الجبلية.
ومع هذه الأحداث، جرت حملة شعواء طالت نازحين سوريين في بعض المناطق ذات الأغلبية المسيحية، كردة فعل على كون قتلة باسكال سليمان من السوريين، واعترفوا أنهم أدخلوا جثته إلى الأراضي السورية بهدف إخفاء معالم الجريمة، برغم أن التحقيقات الأولية التي أجراها الجيش اللبناني مع القتلة الخاطفين، لم تبين أي دوافع سياسية للجريمة، وتحدثت التحقيقات المسربة عن محاولات سرقة فاشلة استهدفت باسكال سليمان، وعملية قتله لم تكن عن سابق تصميم، برغم أنها أخطر من العمليات المحضرة، لأنها ألقت الضوء على وجود سلاح مع عصابات تتحرك براحتها عبر الحدود وعلى الأراضي اللبنانية، وهناك معلومات نقلها وزير المهجرين عصام شرف الدين ـ لا ندري مدى صحتها ـ تؤكد وجود أكثر من 20 ألف مسلح داخل مخيمات النازحين السوريين.
يشعر اللبنانيون عامة، والمسيحيون على وجه الخصوص بخطر أمني محدق من جراء هذه المعطيات. وبالفعل فقد تجاوزت بعض القيادات البلدية والسياسية منهم حدود الانتقاد والاستنكار، ليصل الأمر بها إلى تعميم رسائل صوتية تدعوا لمواجهة النازحين، وفيها تهجمات واضحة على حزب الله، لأنه متهم من قبل الأحزاب المسيحية الرئيسية بحماية المتجاوزين للقانون، وهو يسهل عمليات التهريب على الحدود، إضافة إلى كونه يهمش دور المسيحيين ويريد تغيير معادلة الحكم القائمة على المناصفة، ويأخذ البلاد إلى حرب مدمرة مع العدو الإسرائيلي، من دون أن يكون للبنان أي صلة بما يجري في قطاع غزة ضد الفلسطينيين.
عقلاء كثر دخلوا على خط التهدئة، ودعوا للحوار كسبيل وحيد للخروج من المأزق، بينما تدخل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بقوة مع سفراء الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن لتجنيب الساحة اللبنانية أخطارا لا تتحملها.