كارين عبد النور - نداء الوطن
مهنياً، هناك بوادر معركة طاحنة وصامتة يقودها أصحاب المصالح الهندسية، ممثّلو شركات هندسة قد يقترن اسمها بمشاريع هندسية مقبلة على لبنان، أبرزها إعادة إعمار مرفأ بيروت. وسياسياً، لا تزال الأنظار مشدودة نحو حركة «أمل» التي لم «تمشِ» بعد بمرشح «التيار الوطني الحرّ» المدعوم من «حزب الله»، باعتباره مرشحاً باسيلياً، لا أكثر. عنوانان دخل على خطّهما قبول محكمة الاستئناف (الغرفة المدنية) الطعن المقدّم من المرشح نقولا شيخاني الذي رُفض ترشحه على خلفية عدم تسديد فروقات اشتراكات 2023. وثمة من يترقّب تداعيات ذلك، ترشّحاً واقتراعاً.
الصراع النقابي يتفرّع. المستقلّون والحزبيون، من جهة، ومرشّحا «القوات» و»التيار»، من جهة ثانية. البعض يصف الأجواء بغير الإيجابية في ظلّ ترشيحات تدّعي الاستقلالية إضافة لأخرى مخترَقة تحاول التشويش على بعض المرشحين المستقلّين. ويرى آخرون ضرورة إنقاذ النقابة من أشخاص يرون في مركز النقيب منصّة سياسية للاستمرار في ممارسات قديمة أوصلت البلد إلى ما هو عليه. فالنقابة بأمسّ الحاجة إلى إصلاح وتغيير فعليّين، وفق هؤلاء، ولا يخرجها من ركودها سوى نقيب يتمتّع بالخلفية الوطنية السيادية الإصلاحية الحقيقية، لا نقيب يرى في الانتخابات فرصة للعودة السياسية.
بالعودة إلى حركة «أمل»، يبدو أنها لا ترى في مرشح «التيار» ما يحقّق مصالحها رغم مساعي الأخير لتأمين تأييد «الثنائي» لمرشحه. وقد يكون الحديث عن خلافات داخلية في مكتب المهن الحرة في «الحركة» سبباً معرقلاً إضافياً. أما خطوة النقيب عارف ياسين هذا الأسبوع، توزيعاً لتعيينين (أحمد كركي رئيساً للدائرة الإدارية، ومهى صفا رئيسة لفرع النبطية) مناصفة بين «الحركة» و»الحزب»، فيُحكى أنها تندرج ضمن إطار «مصالحة» بين قطبَي «الثنائي» بعد تعطُّل التعيينات بسبب خلافهما عليها. كما أن رئيس «التيار»، جبران باسيل، يحاول استرضاء القاعدة الشيعية في ملفات تصبّ في مصلحة الانتخابات النقابية. وهنا ثمة تساؤلات يطرحها متابعون حول أهداف الزيارة التي قام بها النائب غسان عطالله قبل أيام إلى عين التينة.
التنكّر للأحزاب مذمّة لها
نتابع جولتنا على المرشحين لمركز النقيب مع المهندس جوزف مشيلح. كمهندس مدني وجيوتقني منذ 36 عاماً، انتُخب عضواً لهيئة المندوبين في دورتي 1998 و2018، ورئيساً لفرع المهندسين المدنيين الاستشاريين ونائب نقيب المهندسين في بيروت في 2021. يقول في حديث لـ»نداء الوطن» إنه انتسب إلى النقابة في 1988 وبدأ يخوض المعارك الانتخابية منذ 1996 ملتزماً بمسار مستقلّ. «الاستقلالية مسار تاريخي إيجابي أرسيته منذ فترة طويلة من خلال ممارستي النقابية وليست وليدة صدفة أو معركة انتخابية ظرفية. ورغم أنني أفرح لادّعاء بعض المرشحين الحزبيين الاستقلالية، لكن هذا الادّعاء يضع المصداقية على المحك. فمع احترامي الكامل لطريقة عمل هؤلاء داخل أحزابهم، لا يجب التنكّر لها لأن في ذلك مذمة للأحزاب. ليس منطقياً أن يكون المرشح مستقلاً في حين أن الأعمدة الأساسية في اللائحة أو تلك الداعمة له حزبية. جاءت «النقابة تنتفض» كردّ فعل على العمل الحزبي داخل النقابة. لكنها تُستثمر اليوم على نحو أصبح فيه الجميع يدّعي الاستقلالية لخوض معركة شبيهة لعام 2021».
مشيلح ارتبط اسمه بـ»النقابة تنتفض» في الانتخابات السابقة. واعتبر أن الماكينة الانتخابية التي كانت تعمل في وجه الأخيرة نجحت في تظهير الإخفاقات، لا بل بَنَت معاركها المستقبلية عليها، في حين أنها لم تضئ على الإيجابيات. «هذا لا يعني أن «النقابة تنتفض» لم تخفق لكنها نجحت في فرض ممارسة مختلفة عن ممارسة الأحزاب. وإذا كان النقيب أخطأ في قيادة السفينة، فهذا لا يعني أن جميع الأعضاء فشلوا. كنت أول من اختلف ضمن البيت الواحد مع ممارسة النقيب وبعض الأعضاء، لكن أخطاءهم لم تكن لتأمين مصالح شخصية إنما لنقص في الخبرة». وأسف مشيلح لأن يكون من صنعوا «النقابة تنتفض» هم أنفسهم من يحاولون إنهاءها، إذ إن البعض انقلبوا عليها وتلوّنوا بأسماء أخرى في محاولة لتبديل القناع. «أتى النقيب ياسين بتجييش وبمناظرة أقل ما يقال عنها إنها غير موضوعية. وكان هناك نقابة ظلّ ليلاً ونقابة أخرى نهاراً. لذا انتهى النقيب حيث بدأ الذين يدعّون عدم الرضى عن أدائه. هذا الأداء هو أداؤهم. هم الذين تحوّلوا الآن إلى أسماء أخرى منسّقين مع بعض الأحزاب».
من الأوفر حظاً؟
ينقسم برنامج مشيلح الانتخابي إلى محورين. داخلياً، لفت إلى ضرورة ترشيد الهيكلية الإدارية بما يتناسب مع عصرنة النقابة، كما تعديل القانون رقم 636 بما يتلاءم مع عملية التحديث هذه. «من أبرز إخفاقات النقيب ياسين تعيين لجنة عملت لمدة تسعة أشهر على تعديل القانون 636 ولم يناقش حتى تاريخه في مجلس النقابة. هذا التصرّف ينمّ عن تعاطٍ ظرفي غير جدّي مع الملفات الأساسية». وذكر ضرورة تفعيل دور مجلس النقابة في الإشراف على أجهزتها، كما إعادة التوازن إلى صناديق النقابة والتقديمات الاجتماعية والتقاعد إضافة إلى ترشيد إدارة الصناديق. وتطرّق إلى أهمية تطوير الأداء الوظيفي ومركز التدريب والبدء بالعمل بمركز التوجيه والإرشاد المهني. أما خارجياً، فيتضمّن البرنامج تفعيل دور اتحاد المهندسين اللبنانيين والتأكيد على دور النقابة في كافة القوانين والأنظمة المتعلقة بمهنة الهندسة كما تثبيت حق النقابة بأموالها المحتجزة في المصارف ووضع ضوابط علمية لتدريس الاختصاصات الهندسية ولانتساب الخريجين إلى النقابة.
عن المعركة الانتخابية يقول: «الناخبون يعرفونني قبل «النقابة تنتفض» لأنني ترشحت عدة مرات ولدي برنامج عمل طويل. جلّ ما في الأمر أنني قدت معاركي بتبنّ من رابطة خريجي كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية – رومية، والتي أشكرها قلبياً خصوصاً أنها شكّلت الرافعة التي سمحت لروابط الخريجين الأخرى التعاطي بالشأن الانتخابي النقابي أيضاً». الأوفر حظاً يحدّده الناخبون كون العملية الانتخابية تخضع لمزاج المهندسين، بحسب مشيلح، رغم أن الماكينات الحزبية لديها انتشار أوسع وأقوى. «يحزّ في قلبي التعاطي مع المستقلّين وكأنهم بحاجة لأحد الحزبين المسيحيّين لخوض المعركة رغم تمتّعهم بالكفاءة والخبرة. حين دخلت إلى النقابة اعتبرت أنها هي من تبنّتني ولست بحاجة إلى أي تبنّ آخر. ألم نرَ ما فعلوه بأنفسهم وبلبنان كي نعطيهم الحصرية في العمل النقابي؟»، يتساءل مشيلح ختاماً مؤكداً أن ترشيحه مبدئيّ ونهائي ضمن لائحة مستقلّة. «لا نخجل من دعم أحد في حال وجد فينا القدرة على خدمة كافة المهندسين، فنصرنا لن يهدى إلّا لكلّ مهندس سيتكبّد مصاريف التنقلات للمشاركة في العملية الانتخابية».
الإنتماء للمجتمع المدني
المرشح لمركز النقيب، المهندس بيار جعارة، شكر بدوره عبر «نداء الوطن» «القوات» و»المستقبل» لدعمهما ترشيحه إلى جانب مجموعات مستقلّة كثيرة، مشيراً إلى سعيه لكسب تأييد مجموعات أخرى. نسأله ما إذا كان الإصرار على ترشحه كمستقلّ بعيداً عن صبغة الأحزاب هو محاولة لحصد ما حصدته المجموعات المستقلّة في الانتخابات السابقة، لا سيّما أنه كان ينتمي إلى حزب «الوطنيين الأحرار»، فيجيب: «استقلت من «الوطنيين الأحرار» الذي أحترم وأجلّ في تموز 2021 لأسباب عدة لست بوارد الحديث عنها، وانتمائي للمجتمع المدني ليس بجديد. فقد كنت في صميم الثورة ومواقفي موثّقة وواضحة. وبرنامجي الانتخابي خير تعبير عن ذلك، وقوامه ثلاثية «النقابة، المهندس والمهنة». لكلّ فرد في لبنان آراؤه السياسية. قد يقترب من هذا الحزب أو يبتعد عن ذاك بحسب قناعاته ومواقفه من السردية السياسية في لحظة ما».
جعارة أشار إلى أن كلّ الملفات النقابية بحاجة إلى إعادة نظر خصوصاً أن النقابة اليوم في غرفة العناية الفائقة نتيجة التقاعس عن الإصلاحات الإدارية وتعديل الأنظمة المتعلقة بالعمل النقابي المُنتظم والعلمي. لذا، لا بدّ من تسهيل الإجراءات الإدارية، العمل على مخطط تنظيمي حديث للنقابة كما على التوزيع الوظيفي، التدقيق المالي الجنائي والشفافية. يضاف إلى ذلك تطوير المهنة، فتح أسواق العمل للمهندسين إقليمياً وخليجياً عبر إطلاق منصات مختصة، الاستعداد والتحضير لولوج عالم التكنولوجيا الحديثة (الذكاء الاصطناعي بالتحديد)، تعزيز برامج التدريب المستمر للمهندسين (ورش العمل المتقدمة – Master Class) التي يقودها خبراء في مختلف المجالات ومنها المتخصصة، إيجاد آليات فعّالة لحل النزاعات (Arbitrage) بين المهندسين وبينهم وبين القطاع العام (المشاريع العامة)، وتحرير أموال النقابة المحجوزة في المصارف.
دروس فشل العمل النقابي
على صعيد آخر، رأى جعارة أن أكثر النقاط أهمية لجهة ضمان حقوق المهندسين وكرامتهم هي التضامن والمعاش التقاعدي، كما مشروع الصناديق الاستثمارية والتأمين الاستشفائي. وهنا تبرز أهمية استثمار أملاك النقابة لتأمين عائدات تغني عن زيادة الاشتراكات. «أريد التطرق إلى عنوان كبير لم يُعطَ حقه أو تمّ تجاهله، وهو المنصّة التفاعلية اليومية بين النقابة، المهندس واللبنانيين. أتحدث هنا عن تطوير منصّة وبرامج لحلّ مشاكل المواطنين اليومية عبر مروحة من البرامج والمشاريع والاقتراحات. وأذكر مثلاً: إدارة ملف النفايات، تلوث الهواء، الكسارات، نسبة المساحات الخضراء للفرد، البنية التحتية للصرف الصحي ومحطات تكرير المياه المبتذلة، المياه الجوفية ومياه الشفة، التخطيط المدني الحضري، الطرق والجسور، المحطات الكهربائية، المخطط التوجيهي لبيروت وبالتحديد لمنطقة المرفأ (بعد انفجار 4 آب)، وقضايا أخرى ملحّة».
أما النقطة الأهم، من وجهة نظر جعارة الذي شدّد على سعيه لنقابة تخدم الوطن والمواطن، فهي أن تكون النقابة «الكلمة الفصل» في مختلف المشاريع مع «حق الفيتو» لقطع الطريق أمام الفساد والهدر والزبائنية السياسية. من شأن هذا النهج تعزيز دور المهندسين كعاملين أساسيين في بناء مجتمعهم وتحسين جودة حياة الناس، ما يعكس التزامهم الاجتماعي والوطني. شعار «النقابة تعرفني، العمل النقابي يعرفني» يحتّم أيضاً خبرة مشهودة في العمل النقابي، كما الشفافية والشجاعة في طرح الأمور وفي تشخيص المشاكل الملحّة وطرح الحلول. أما في البحث عن ضمانات تنفيذ هذه المشاريع، فلخّصها جعارة تحت عنوان واحد يفيد بإبقاء السياسة خارج النقابة وعدم تصفية الحسابات. «أن تكون نقيباً، فأنت نقيب لجميع المهندسين. لا مكان للكيدية. تعمل للجميع على السواء ولكلّ مهندس دون النظر إلى «مربض خيله»، طالما وعى لقيمة عمله والتزامه للمهنة، للنقابة وللوطن».
في ظلّ ضبابية المشهد الانتخابي يبقى الأوفر حظاً هو من سيختاره المهندس بعد أن يحكّم ضميره بعيداً عن غوغائية الالتزام الطائفي، المناطقي وحتى الحزبي بالمعنى الضيق. «أحزاب»، «مستقلّون»، «نقابة تنتفض سابقاً» جميعها عناوين ستفقد بريقها عندما يصوّت المهندس حصراً للعمل النقابي كما للمهنة ولقضيته. «عندها، سيُحمَّل النقيب العتيد مسؤولية هذا البرنامج أو هذه الثلاثية الذهبية. فلا نكون أمام تجديد لفشل العمل النقابي وللكيدية والمماحكات وتصفية الحسابات. عندها ترانا نستشرف الحلول لمستقبل واعد ومشرق دون البحث عن هوية الأوفر حظاً»، كما يختم جعارة.