وليد شقير - نداء الوطن
يميل المسؤولون الأميركيون إلى توقع تجنب إيران الرد على ضربة إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق ولقيادات في «حرس الثورة» و»قوة القدس» فيها، باستهداف الوجود الأميركي. وهم واثقون من أنّ طهران ستلتزم قرار وقف قصف أذرعها للقوات الأميركية في العراق وسوريا، بعد التحذير الذي وجهته واشنطن إليها منذ شهر شباط الماضي، من مواصلة التعرض للقواعد الأميركية في البلدين.
فَعَل التحذير، الذي وجهته واشنطن إلى طهران في محادثات مع مسؤولين إيرانيين في سلطنة عُمان، فِعلَه في حينها. فواشنطن هددت بالرد في قلب إيران نفسها. وسبق لوكالة «رويترز» أن بثت تقريراً عن التوجيهات التي نقلها قائد «قوة القدس» اسماعيل قاآني إلى الميليشيات التي يرعاها ومنها «حزب الله» في هذا الصدد بحجة أنّ طهران لا تريد الانجرار إلى الحرب بسبب الضربات التي تتعرض لها القوات الأميركية. ويعتقد رجال إدارة الرئيس جو بايدن أن لا ضرورة لتكرار التحذير لأنه ما زال ساري المفعول، على رغم الاتهامات التي وجهها مسؤولون إيرانيون إلى الجانب الأميركي بأنه مسؤول عن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق نظراً إلى الدعم الذي تتلقاه إسرائيل منه.
سارعت واشنطن إلى التبرؤ من الضربة الإسرائيلية نافية أن تكون علمت بها إلا قبل دقائق من تنفيذها، أو فيما كان يتم التنفيذ. يشبه النفي الأميركي هذا نفي طهران أن تكون لها علاقة بضربة حليفتها «حماس» في 7 تشرين الأول الماضي ضد إسرائيل بعملية «طوفان الأقصى». وقد لاقت إدارة بايدن النفي الإيراني في حينها بتبرئة طهران من تلك العملية... في وقت يمكن تصنيف ضربة إسرائيل للقنصلية وقتل قادة «قوة القدس» في سوريا ولبنان، أثناء اجتماعهم في مبناها على أنها بالتعريف السياسي ضربة أميركية لإيران، جرى تصنيف «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر على أنها ضربة إيرانية للمحمية الأميركية وحجر رحى النفوذ الأميركي في المنطقة.
قليل من الواقعية والتعمق في واقع المنطقة الجيو-سياسي يفضي إلى اعتبار الضربتين تأتيان في سياق المواجهة بالواسطة بين الدولتين، اللتين تريدان، كل لأسبابها ولظروفها تفادي الصدام المباشر بينهما. قيادتا أميركا وإيران تتقنان تبادل التخفي والمواربة في المواجهة بينهما، وفي لعبة التنافس على النفوذ الإقليمي، فلا تفصحان عما تضمر كل منهما، إلا حين تجلسان الى طاولة التفاوض الصعبة والمتعددة العناوين. ولطالما كانت وسائل المواجهة بينهما عبر أذرع كل منهما. أميركا عبر إسرائيل، وعبر صلاتها الاستخبارية مع الجهات الإيرانية المعارضة التي أقلقت حكام طهران في الداخل، بالانتفاضات والثورات ضد الواقع الاقتصادي المزري أو التمييز العرقي والطائفي، وعن طريق حلفائها الخليجيين أحياناً... وإيران عن طريق الميليشيات الحليفة لا سيما في لبنان والعراق وسوريا والحوثيين في اليمن، كما هو حاصل حالياً في البحر الأحمر.
إستبعاد استهداف طهران لأميركا في ردها على ضربة قنصلية دمشق، حتى إشعار آخر يبقي العملية في إطارها الميداني، أي بين إيران وإسرائيل. لكن هناك الكثير من المتابعين والخبراء الذين يستبعدون أن تتولى إيران نفسها هذا الرد، وأن توكل الأمر إلى أذرعها مرة أخرى، تفادياً لارتداده عليها بمزيد من الخسائر.
الجبهات المفتوحة والمتاحة بينها وبين الدولة العبرية متعددة، من العراق حيث تزودت الميليشيات الموالية لها بصواريخ ومسيرات يمكنها بلوغ حيفا وإيلات، كما حصل قبل ساعات من ضربة القنصلية، إلا إذا حال اعتراض الحلفاء العراقيين في «الإطار التنسيقي» الرافضين لتوريط بغداد في الحرب، دون ذلك، إلى الميليشيات الحليفة في سوريا، التي تقصف المواقع الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، بين الفينة والأخرى. لكن هذا الخيار يخضع لحسابات العلاقة مع الحليف الروسي الذي يحرص وما زال، على تجنيب الساحة السورية الانزلاق إلى تفاعلات حرب غزة منذ البداية. هذا فضلاً عن أن النظام السوري نفسه يحاذر منذ «طوفان الأقصى» التورط في مقتضيات وحدة الساحات.
أما «حزب الله» في لبنان، الذي يكفيه ما يتكبده من تضحيات جراء توليه جبهة مساندة غزة، فالأرجح أن يسعى إلى إبعاد هذه الكأس عنه، إلا إذا فرض عليه المرشد أن يتكفل بالرد. يبقى الحوثيون، المستعدون للمقامرة والمغامرة بنفسهم المراهق، والفضاء العالمي إذا أرادت طهران الانتقام من إحدى البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية أينما كان.
يتطلب انتقام «حرس الثورة» الكثير من الحسابات ويجب ألا نستغرب أن يتأخر إلى أن تحين الفرصة.