دوللي بشعلاني - الديار
قدّم لبنان حتى الساعة 22 شكوى ورسالة الى مجلس الأمن الدولي ضدّ العدو الاسرائيلي، منذ بدء الإعتداءات "الإسرائيلية" عليه في 8 تشرين الأول الفائت. وكان آخرها الشكوى العاجلة الى المجلس المتعلّقة بالتشويش على أنظمة الملاحة وسلامة الطيران المدني في أجواء مطار بيروت الدولي منذ بدء الحرب على غزة. فما الجدوى من تقديم هذه الشكاوى بعد أن بلغ العدد الإجمالي للخروقات أكثر من 32 ألف خرق منذ صدور القرار 1701 وحتى يومنا هذا؟ وهل تبقى الشكاوى حبراً على ورق، ما دام المجلس لا يدعو الى جلسة طارئة، ولا يُصدر أي قرار بشأنها أو يعمل على إدانة الانتهاكات "الإسرائيلية" للسيادة اللبنانية، وعلى خرق القرار الأممي 1701؟ علماً بأنّ المجلس عقد بعد يوم واحد من الضربة "الإسرائيلية" على القنصلية الإيرانية في دمشق التي استهدفت قادة في الحرس الثوري الإيراني، جلسة طارئة بطلب من روسيا لإدانة "إسرائيل".
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أوضحت أنّ على لبنان دائماً تقديم الشكاوى لأنّه حقّ ديبلوماسي مشروع له، ليس فقط لتوثيقها لدى مجلس الأمن وحسب، إنّما للتعبير عن إدانته للاعتداءات "الإسرائيلية" على سيادته، كما عن خرق "إسرائيل" للقرارات الدولية، لا سيما منها القرار 1701 التي تطالب واشنطن احترامه والالتزام به وتطبيقه من قبل الطرفين. وهذه الشكاوى التي وصل عددها الى 22 منذ بدء المواجهات العسكرية بين حزب الله و "إسرائيل" بعد عملية طوفان الأقصى بيوم واحد أي منذ 8 تشرين الأول الفائت وحتى الآن، ضرورية لا سيما عند التوصّل الى إدانة "إسرائيل".
كذلك، فإنّ توثيق الخروقات والانتهاكات "الإسرائيلية" هو أمر مهم، على ما تابعت الاوساط، سيما أنّ لبنان يحصي عدد خرقات العدو الإسرائيلي للقرار 1701، ويُعبّر خلال الشكاوى والرسائل عن استيائه من عدم التزام "الإسرائيلي" بالقوانين والأنظمة الدولية، كما بالقانون الدولي الإنساني. كما يُحمّل "إسرائيل" المسؤولية الدولية وتبعات أي حادثة أو كارثة تتسبّب بها، ويطالبها بدفع التعويضات المالية في حال تطلّب الأمر ذلك. فضلاً عن أنّ بعض الشكاوى تضمّنت ردود لبنان المفصّلة على ادعاءات "إسرائيلية" تتهمه فيها بخرق القرار 1701، وهنا تكمن أهميتها الثانية. كما طرح لبنان في رسائله إلى مجلس الأمن الدولي "خارطة طريق"، وتصوّراً لتحقيق استقرار مستدام في الجنوب اللبناني، من خلال التطبيق الشامل والمتكامل للقرار 1701، وهذه أهمية ثالثة. وتجدر الإشارة هنا الى أنّ بعض الشكاوى قد صدرت على أساسها قرارات مهمّة جداً مثل الـ 425 و520 و1701.
ومن الضروري، وفق الأوساط، أن يأخذ مجلس الأمن بهذه الشكاوى والرسائل التي يرفعها لبنان إليه لحماية سيادته، ولحضّه المجلس على إدانة هذه الإعتداءات، والحيلولة دون نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. علماً بأنّ هذه الاعتداءات قد استهدفت قوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان أخيراً، ما أدّى الى إصابة 3 مراقبين دوليين ومترجم لبناني. كما سبق وأن استهدف العدو مسعفين في بلدة الهبارية جنوب لبنان. فمثل هذا الاستهداف لعناصر القوّة الدولية، كما لمسعفي الجرحى غير مقبول، ويؤكّد على عدم التزام العدو الإسرائيلي بالاتفاقيات والقوانين الدولية.
أمّا لماذا لا يدعو مجلس الأمن الى أي جلسة طارئة إثر كلّ اعتداء "إسرائيلي" على السيادة اللبنانية، أو عندما يكون فاضحاً على غرار ما قامت به من اغتيال للقيادي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في كانون الثاني الماضي، أو من استهداف لقوّات "اليونيفيل" في الجنوب، ويتخذ بالتالي قراراً يُلزمه بوقف الاعتداءات والالتزام بالقوانين والقرارات الدولية، فتُجيب الاوساط بأنّ اجتماع مجلس الأمن في جلسة عاجلة أو طارئة، يتطلّب دعوة من قبل الدولة نفسها المقدّمة للشكوى، أو من أي من الدول الأعضاء في مجلس الأمن للانعقاد. فتقديم الشكوى شيء، وطلب انعقاد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي شيء آخر.
ولا يطلب لبنان مع كلّ شكوى يقوم بتقديمها، على ما أوضحت الاوساط، انعقاد جلسة لمجلس الأمن، كونه يعلم سلفاً أنّ الولايات المتحدة التي هي إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس ستستخدم حقّ النقض "الفيتو"، ما يعطّل أي قرار ويحول دون إدانة العدو. غير أنّ هذا الأمر لا يمنع لبنان من حضّ أعضاء المجلس على إدانة هذه الاعتداءات الكثيرة والموثّقة، ويطالبها بلجم الانتهاكات "الإسرائيلية" للسيادة اللبنانية. وفي ما يتعلّق بالجلسة العاجلة التي عقدها مجلس الأمن يوم الثلاثاء لاتخاذ قرار بشأن الضربة "الإسرائيلية" على القنصلية الإيرانية في دمشق، فقد دعت اليها روسيا كونها من الدول الخمس الدائمة العضوية، ولهذا انعقدت على وجه السرعة.
كذلك، فإنّ بإمكان لبنان الضغط ديبلوماسياً أيضاً، وفق المصادر عينها، من خلال تقديم الشكاوى ضدّ "إسرائيل" للجان التابعة التابعة للأمم المتحدة، التي يمكنها الاجتماع وإصدار القرارات، والطلب من الدولة المعتدية دفع التعويضات المالية الى الدولة المعتدى عليها. الأمر الذي يجعلها مفضوحة أمام المجتمع الدولي، ويضع سمعتها على المحكّ. لهذا يجب العمل على جميع الخطوط بشكل متلازم.
ولكن هل يمكن طلب تعويض مادي من "إسرائيل"؟ وماذا إن لم تدفع كونها لا تلتزم لا بالقرارات الدولية ولا بما تنصّ عليه، تشير الأوساط عينها الى أنّه بإمكان لبنان طلب تعويض مادي عمّا يرتكبه العدو الإسرائيلي من اعتداءات تستهدف القرى والبلدات الجنوبية، لا سيما المدنيين فيها، والتي توسّعت أخيراً الى البقاع وبعلبك. غير أنّ الجهات الصالحة لمثل هذه الشكوى هي اللجان التابعة للأمم المتحدة، ولا سيما اللجنة الاقتصادية التي سبق وأن أقرّت تعويضاً مالياً ليس كبيراً للبنان من "إسرائيل" في العام 2006، لم تدفعه حتى الآن. غير أنّ هذا الأمر يبقى مبدئياً أكثر منه مادياً، إذ يمكن استخدامه كأداة ضغط في يدّ المفاوض اللبناني عندما يتحدّث مع بقية دول العالم، ويقول انّ له لدى "إسرائيل" مبالغ معيّنة أو قرارات دولية عليها تطبيقها، وهي موثّقة على هذا النحو. ما يجعل المفاوض اللبناني مسلّحاً أكثر بالحجج القانونية، وإن كانت فعلياً لا تُنفّذ أو تُصرف على أرض الواقع، إلّا أنّها تساعد بشكل ملحوظ في الجهود الديبلوماسية الضاغطة على "إسرائيل".