اقتصاد سكاي نيوز عربية
فيما يبحث مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن بوصلة بين المؤشرات الاقتصادية وأهمها بيانات التضخم لحسم توجهه في البدء بخفض معدلات الفائدة في النصف الثاني من العام الجاري، يتساءل مستثمرون ومهتمون.. ماذا لو اختار الفيدرالي عدم خفض أسعار الفائدة هذا العام؟ وخصوصاً مع ظهور أصوات من أعضاء بمجلس المحافظين الاحتياطي تدعو إلى عدم الاندفاع لخفض الفائدة.
فمع بداية العام الجاري كانت مداولات مجلس الاحتياطي الفيدرالي تلمح مراراً إلى خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة بدءاً من يونيو وبمعدل ثلاث مرات في 2024، بعد وصول معدل التضخم إلى مستويات قريبة من النسبة المستهدفة، نزولاً من أعلى مستويات سجلها في أكثر من 40 عاماً عند 9.1 بالمئة في يونيو 2022.
ولكن الخوف من عودة "الرياح التضخمية" عكرت صفو هذه المداولات في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة والبنزين وارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 3.2 بالمئة على أساس سنوي في فبراير الماضي، بعكس توقعات بأن يظل دون تغيير عن مستواه في يناير عند 3.1 بالمئة.
هذا الواقع جعل تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول تتمحور حول نقطة محددة مفادها أن موعد خفض الفائدة يعتمد على مسار الاقتصاد مع التركيز على الحد الأقصى من التوظيف واستقرار الأسعار، حتى أن عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر صرح أخيراً أنه "لا يوجد داع للاندفاع لخفض أسعار الفائدة".
وشدد والر في حديثه خلال اجتماع للنادي الاقتصادي في نيويورك على أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تستدعي تأخير أو تقليل عدد التخفيضات التي سنشهدها هذا العام، بل ومن الحكمة بقاء الفيدرالي عند موقفه التقييدي الحالي ربما لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقاً للمساعدة في إبقاء التضخم على مسار مستدام نحو 2 بالمئة.
وكان الاحتياطي الفيدرالي قد أبقى أسعار الفائدة في 20 مارس الماضي للمرة الخامسة على التوالي، دون تغيير، لتظل عند مستوى يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، وهو الأعلى منذ 23 عاماً، بينما توقف عن رفع الفائدة للمرة الأولى في سبتمبر 2023 وأبقى عليها دون تغيير، وذلك بعد زيادتها 11 مرة منذ مارس 2022.
فرضية عدم تخفيض الفائدة غير واقعية
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": "من الواضح أن سلوك الأسواق يعكس قولاً معروفاً في الأسواق المالية وهي الشراء على الإشاعة والبيع على الحقيقة، وهذا ينطبق أساساً على الأصول العالية المخاطر ومؤشرات الأسهم في الأسواق المتقدمة التي تحقق مكاسب قياسية منذ بداية العام الجاري مع الوصول الى مستويات قياسية (ناسداك 8.7 بالمئة في 2024، ستاندرد آند بورز 10 بالمئة، داكس الألماني 10.4 بالمئة، نيكي الياباني 20 بالمئة)".
ولكن السؤال الآن.. هل تعكس هذه المكاسب القياسية الثقة بأداء الاقتصادات أو مجرد شراء للوقت؟
يجيب سلهب على التساؤل بقوله: "هذه المكاسب تعكس فرضيتين مهمتين الأولى أن تخفيض الفائدة سيحصل في النصف الثاني من العام الجاري في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وبريطانيا وهذا بدوره سيكون لصالح الأسهم، أما الثانية فتتجلى في أن الاقتصاد الأميركي لايزال يظهر أداءً ممتازاً ومرونة فاجأت الجميع وهذا يبرر بعض الارتفاعات وليس جميعها وخاصةً الارتفاعات القياسية غير المبررة في قطاع التكنولوجيا".
ومن هنا يرى كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" أن "فرضية عدم تخفيض الفائدة غير منطقية وغير واقعية لأن التضخم فعلاً تراجع ووصل إلى 3 بالمئة حالياً في أميركا متراجعاً من مستويات قياسية في منتصف عام 2022 وهذا يعني أن بعضاً من كلام الفيدرالي الأميركي بشأن التضخم المؤقت كان صحيحاً إلى حد ما".
لن يغامر الفيدرالي الأميركي بإرسال الاقتصاد البلاد إلى الركود في حال الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة، إذ لا يحتاج الاقتصاد الأميركي لفائدة مرتفعة أعلى من 5 بالمئة في وقت يستمر فيه الدين الأميركي بالارتفاع لمستويات قياسية جديدة (34 تريليون دولار وخدمة هذا الدين من فوائد تتجاوز تريليون دولار سنوياً، وفقاً لسلهب.
السوق العقاري لن يتحمل المزيد من ضغط الفائدة
ورداً على سؤال حول التوقعات المحتملة فيما لو اختار الفيدرالي الأميركي عدم خفض أسعار الفائدة هذا العام قال خبير الأسواق سلهب: "في حال عدم تخفيض الفائدة سيحصل تصحيح قاسي في مؤشرات الأسهم التي قد تخسر أكثر من 20 بالمئة في عدة جلسات، كما أن السوق العقاري الأميركي لن يتحمل المزيد من ضغط الفائدة في أسعار المنازل حيث أصبحت تكاليف الإسكان تشكل 70 بالمئة إلى 80 بالمئة من الدخل الشهري للكثير من الأميركيين وفقاً لعدة شركات ووسطاء عقارات (كانت عادةً عند 30 – 40 بالمئة)".
وقد لا ترتفع عوائد السندات الأميركية كما هو متوقع (بتأثير من بقاء الفائدة مرتفعة) بل ستتراجع متأثرة بمعايير ارتفاع المخاطر، لاسيما أن العوائد لاتزال مرتفعة حالياً وتعطي فرصة لشراء السندات بسعر أرخص، بحسب سلهب الذي أكد أن عدم تخفيض الفائدة سيرسل الاقتصاد الأميركي إلى الركود أو يجبره على الركود حتى يكون الفيدرالي في وضع يسمح له بتخفيض التضخم وهذا رهان صعب اقتصادياً، ومتعب سياسياً في موسم الانتخابات".
حالة عدم اليقين تخيم على الأسواق
بدوره، قال محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا تزال حالة عدم اليقين تخيم على الأسواق، حتى مع نبرة جيروم باول المتفائلة حول امكانية تخفيض أسعار الفائدة، إلا أن أعضاء الفيدرالي لايزالون منقسمون حول عدد تخفيضات الفائدة في عام 2024 بين مرة إلى ثلاث مرات، كما أن بعض أعضاء الفيدرالي ينظرون إلى أن تخفيض الفائدة قد يكون مبكر وسيكون له ضرر وآلم كبير على الاقتصاد".
ويرى عزام أن الفيدرالي الأميركي من الممكن أن يخفض الفائدة لمرة أو مرتين في العام الحالي ثم يجد عودة ارتفاع التضخم مرة أخرى تدفعه للتوقف عن المزيد من عمليات خفض الفائدة، لكن عدم الشروع بعمليات تخفيض الفائدة أبداً في عام 2024 سيكون له تأثير كبير على أدوات الرهن العقاري وبطاقات الائتمان وحتى أدوات الاستثمار.
وقد تكون عوائد السندات الأميركية هي أكبر المستفيدين في حال عدم تخفيض الفائدة ما قد يعطي الأسواق إمكانية إيجاد اتساع في انقلاب منحنى العوائد بين عامين وعشر أعوام، كما أن ارتفاع عائد السندات قد يعيد القوة للدولار الأمريكي من ناحية أخرى.
وقد ينخفض الطلب على أصول المخاطرة كالعملات الرقمية والأسهم ما قد يواجهان بعض التصحيحات السعرية، حيث إن توجه المستثمرون قد يكون أوضح لأسواق الدخل الثابت أو حتى الودائع البنكية، بينما قد يواجه الذهب بعض التقلبات السعرية، لكن يبقى التحرك في ظل عدم تخفيض الفائدة حول قدرة استمرار تحوط البنوك المركزية بشراء الذهب، بحسب عزام.
وأضاف محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي: "نظرًا لأن معظم بطاقات الائتمان لها معدل فائدة متغير، فهناك اتصال مباشر بمعيار بنك الاحتياطي الفيدرالي. بسبب دورة رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي، ارتفع متوسط سعر بطاقة الائتمان من 16.34 بالمئة في مارس 2022 إلى ما يقرب من 21 بالمئة اليوم - وهو أعلى مستوى على الإطلاق. وعدم تخفيض الفائدة قد يترك الفائدة على بطاقات الائتمان حول أعلى أرقامها التاريخية ما قد يدفع معظم الناس للشعور بالتوتر بسبب ارتفاع الأسعار".
كما إن أسعار الفائدة على الرهن العقاري لمدة 15 عاماً و30 عاماً ثابتة، وترتبط بعوائد سندات الخزانة والاقتصاد، ولكن أي شخص يشتري منزل جديد يخسر قدراً كبيراً من القوة الشرائية، وهو ما يرجع جزئياً إلى التضخم والسياسة النقدية المتشددة.
فأسعار الفائدة هي بالفعل أقل بكثير منذ أن وصلت إلى 8 بالمئة في أكتوبر بينما يبلغ متوسط سعر الرهن العقاري بسعر ثابت لمدة 30 عاماً نحو 7 بالمئة، ارتفاعاً من 4.4 بالمئة عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في مارس 2022، و3.27 بالمئة بالمئة في نهاية عام 2021 ما قد يجعل الفائدة على الرهن العقاري أعلى لفترة أطول من الزمن، وقد يجعل الطلب على العقار يسجل انخفاضاً تدريجياً، بحسب تعبيره.
قروض السيارات تواجه نفس مصير الرهن العقاري
وفي نفس السياق، أشار عزام إلى أن قروض السيارات تواجه نفس الوضع مع الرهن العقاري، حيث إن الأسعار لاتزال تسجل ارتفاعات وأن الأقساط الشهرية للقروض البنكية قد سجلت الارتفاعات كذلك. وإن تثبيت الفائدة يعني أن الفائدة المرتفعة على قروض السيارات ستبقى ثابتة.
ويبلغ متوسط سعر الفائدة على قرض السيارة الجديدة لمدة خمس سنوات الآن أكثر من 7 بالمئة، ارتفاعاً من 4 بالمئة عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة.
من جهته قال ستيفن بليتز، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في "تي إس لومبارد": "ستستمر الأسواق في الارتفاع، حتى لو اختار بنك الاحتياطي الفيدرالي عدم خفض أسعار الفائدة هذا العام، بل لا يوجد سبب لهبوط الأسواق، بحسب شبكة (سي إن بي سي).
ويأتي تصريح بليتز في الوقت الذي ينتظر فيه المستثمرون صدور المزيد من البيانات الاقتصادية الأميركية ويراقبون عن كثب أدلة من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي حول العدد المتوقع لتخفيضات أسعار الفائدة في عام 2024.
ويضع المتداولون حالياً فرصة بنسبة 55 بالمئة تقريباً لخفض سعر الفائدة الفيدرالي لأول مرة في يونيو، وفقاً لأداة CME FedWatch.
وهذا أقل من نحو 70 بالمئة الأسبوع الماضي.
أما رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، فتوقع خفضاً واحداً فقط لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية هذا العام، بانخفاض عن التخفيضين اللذين توقعهما سابقاً.