النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
كتب محمود درويش قصيدة أنا يوسف يا أبي، واقتبس من ثقافته القرآنية نصّاً أدخله إلى أصل القصيدة التي أعجب بها الفنان مرسيل خليفة فلحّنها وغنّاها، وقال: "إني رأيت أحد عشر كوكباً" فانبرت جهات تتّهمه بالازدراء بالدين لأنه تجرّأ على تلحين القرآن الكريم. أحيل الرجل إلى المحكمة، وكان لي، باقتراح من أخي النقيب أنطوان قليموس، شرف ترؤس لجنة مشتركة من نقابتَي المحامين للدفاع عنه أمام القاضية الجزائية في بيروت، الرئيسة المحترمة غادة بو كروم. وأذكر أنني قلت في مرافعتي: "عرفته الآذان يحنّ إلى خبز أمه وقهوة أمه، وعرفته الأعين متقدّماً مواكب الشهداء، يزفّهم في أعراسهم إلى أمّهم الأرض"، وقلت أيضاً فيما قلت: "لقد أوحت سورة يوسف إلى الفنانين والشعراء كثيراً من الصور والعبر، تبدأ بالتسامح، وصمود الفضيلة في وجه الغواية، وربّما كان فيها الدرس الأول في الأدلة الجنائية عندما بُرّىء يوسف من تهمة محاولة الاعتداء على امرأة عزيز مصر، عندما ثبت أن قميصه مُزّقت من خلف لا من أمام." وختمت قائلاً: "بالأخضر زيّناه، بالأحمر زيّناه، بالأسود زيّناه، بالأبيض زيّناه، بألوان العروبة جلّلناه، وبحكمكم تُزيّن العدالة". ولقد تزيّنت العدالة فعلاً بالحكم العادل والجريء بكفّ التعقبات عن مرسيل لعدم وجود جريمة. ما دعاني للعودة إلى تلك القضية أن أبناء يعقوب قد أتوا حسب النص، إلى أبيهم بثوب يوسف الذي لطخوه بدم كذب بعد أن رموه في غيابة الجب، وزعموا أن الذئب قد أكله في غفلة منهم، والذئب بريء من ذاك. أما حفدتهم، فيلوّثون الإنسانية والتاريخ بشلالات من الدم الحقيقي الذي يلطّخ ثوب الأمم وضمير البشرية، وهم مستمرون في جرائمهم والعالم يواكبهم بين مشارك ومؤيد وساكت ومشيح، في حين يؤكد أهل فلسطين كل يوم صحة قول نزار قباني: فإن سحقتم وردة فسوف يبقى العطرْ لن تجعلوا من شعبنا شعب هنودٍ حمرْ.. فنحن باقون هنا.. في هذه الأرض التي تلبس في معصمها إسوارةً من زهرْ فهذه بلادنا، فيها وجدنا منذ فجر العمرْ فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعرْ باقون كالحفر على صلبانها باقون في نبيها الكريم، في قرآنها.. وفي الوصايا العشر.. لقد اكتشفت أن فلسطين قصيدة بدأتِ الدنيا كتابتها منذ فجر الدين، من غير أن تنتهي أبياتاً ابداً، ففي كل ثانية تضاف إليها أبيات جديدة تعلَّقُ على حيطان الأقصى والقيامة وتنساب في جداول اليرموك والأردن، فهما نهران من عسل وخمر يجريان في عطر يوسف الصديق الفائح من براعم الليمون . أستأذنكم لأسمعكم في هذا المعنى أبياتاً قليلة أسميتها (أولاد يعقوب) قلت فيها: أولادُ يعقوب لَيْسَتْ دِماءً مِنْ كَذِبْ فالذِّئْبُ بَرَّاهُ... كَلامٌ مُقْتَضَبْ غَيابةُ الجُبِّ غَدَتْ لِكلِّ حَرْفِ نازفٍ أُمَّ الكُتُبْ أوْلادُ يَعْقوبَ على ما جُبِلوا... يَسْتَنْزِفونَ اليوسُفَ اللَّيْمونَ... والزّيْتونَ والتِّينَ... وَجَفْناتِ العِنَبْ إنْ أهَرَاقوا خَمْرهَا... فَمِنْ مِياهٍ طَابَتِ الخمْرُ بِقَانا... مَذْ أتَتْ ساعَتُها مِنْ أمْرِ رَبْ جَداوِلُ الأرْدُنِّ واليَرْموكِ... أَتْرَعَتْ ضِفافَها منذُ الينابيعِ إلى... أقْصى الـمَصَبْ نَهْرانِ..؟؟ أمْ دَهْرانِ مِنْ راحٍ... وأرْواحِ حِقَبْ؟؟ يا يوسُفَ الحُسْنِ.. أقَرْنٌ من عجافِ.. فَمتَى تأتي السِّمانُ... بالعربْ؟!
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا