لا تزال قاعدة اتخاذ القرار في لبنان مهتزّة وغير مستقيمة لناحية التوجه شرقا او البقاء على التوجّه الغربي حصرا، لو انّ الصينّ تسجّل ارقاما لا بأس بها على صعيد التواجد الاقتصادي في الداخل اللبناني من خلال وجهة الصادرات اللبنانية من جهة، او التعاون الثقافي من جهة اخرى. ويربط كثيرون موقع لبنان على انّه همزة الوصل بين الشرق والغرب، وانّ تفعيل هذا الدور مع اعتماد سياسة النأي بالنفس قد تخلّص لبنان من هذه المعادلة التي يتناحر من اجلها مختلف الافرقاء اللبنانيين اليوم. فيما يرسم توجّه ثالث نحو ضرورة معالجة مكامن الخلل في النظام الاقتصادي والمالي في لبنان، ومواجهة اي عوائق تعتري طريق الاصلاحات ومكافحة الفساد كونها الشرط الوحيد لجذب سواء الشرق او الغرب.
فما الذي يضعف قرار لبنان في التوجه نحو الصين؟ وهل الصين قادرة فعلا على صنع المعجزات كما يرى البعض؟ وهل على لبنان ان يخاف من الصين؟
لبنان بوابة مهمّة للصين ولكن!
يرى رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية قاسم طفيلي في حديث لموقع VDLnews انّ "الظروف السياسية والتعطيل المتواصل للحركة الاقتصادية وعدم وجود رؤية تنموية واضحة قد ساهمت جميعها في تأخر لبنان عن لعب الدور الذي كان ينتظره في مجال مبادرة طريق وحزام، ومنها الاستفادة من مشاريع البنية التحتية على غرار العديد من دول المنطقة خلال هذه السنوات"، معتبرا انّ "الصين قد نظرت دائما الى لبنان على انه يملك امكانية ان يكون بوابة مهمة لها باتجاه اوروبا والمشرق العربي وحتى افريقيا، خصوصا بعد تجربته في المجال المالي والمصرفي وتطور المستوى العلمي والصحي والثقافي فيه".
ويؤكّد طفيلي انّ "الجدل القائم هذه الايام حول التوجه الى الشرق او التمسك بالعلاقة مع الغرب هو في غير محله"، مشيرا الى انّ "الشركات الصينية قد أبدت اهتماما دائما بالفرص الاستثمارية في لبنان من خلال المؤتمرات والوفود الصينية التي زارته خلال السنوات العديدة لاسيما عندما كانت هناك بوادر بشأن إعمار سوريا حيث طرح حينها ومرات عدة فكرة ان يكون لبنان قاعدة للشركات الصينية التي كانت مستعدة للعمل بهذه المشاريع".
ويعتبر انّ "الاصرارعلى تسجيل النقاط بين الاطراف اللبنانية بالاضافة الى التداخل مع العوامل الدولية التي تجلت ببعض التصريحات الاميركية في هذا المجال لن يخدما اهداف لبنان، ويجب ان تكون المصلحة اللبنانية هي الاساس".
وفي سياق الحديث عن التدخلات الأجنبية في لبنان، شدّد طفيلي على انّ "الصينيين دائما يعبرون وبشكل واضح عن أنّهم لا يؤيدون اي طرف ضد طرف اخر وهو امر يجب ان يُشكروا عليه ربما لأننا لم نتعود حتى الآن على هكذا سياسة من القوى الخارجية الاخرى"، معتبرا انّ "السياسة الصينية هي سياسة انفتاحية ومرنة وليست اقصائية بأي معنى من المعاني وهي تقوم على مبدأ التعاطي بحيادية تامة بين جميع الاطراف".
لبنان والصين وأزمة الدولار
يعاني لبنان اليوم من ازمة دولار متفاقمة ولا يبدو هناك بوادر حل قريبا، فكيف للصين في حال توجه لبنان اليها ان تستثمر بالدولار فيه مع الاحاديث عن قرار اميركي بمنع ادخال الدولار الى السوق اللبناني؟
يجيب طفيلي على هذا السؤال بأنّه لا يعتقد أن مشكلة لبنان تتعلق بالدولار فقط بل هي ازمة معقدة وتتطلب اعادة هيكلة الاقتصاد ودوره ككل، ناهيك عن ان الازمة تتصل بقرار أميركي بمنع ادخال الدولار الى السوق اللبناني على حدّ قوله.
ويلفت الى أنّ "تحديد العملة التي سوف تستثمر بها الشركات الصينية اذا ما توفرت الظروف والمعطيات المطلوبة لمباشرتها في هذه المشاريع هو امر يجب ان يترك للشركات الصينية في سياق دراستها للمشاريع المطروحة، وفي كل الأحوال لا اعتقد ان المطروح على الصين من قبل الحكومة لا يأتي على ذكر امور مثل ضخ الدولار او وضع ودائع في مصارفه".
وتابع: "ففي الوقت الذي ندعو فيه الى النظر بكل الجدية الى المشاريع التي يمكن ان تنفذها الصين فأننا ندعو الى عدم الافراط في التفاؤل و"تكبير الحجر" ووصف الصين بانها سوف تصنع المعجزات لذلك نحن نركز على التعاطي الواقعي والأمور لا تحصل كما نتمنى بكبسة زر".
أما اذا كان هناك امكانية للتعاون المالي بين الصين ولبنان، فيشير رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية الى انّ "هذا الامر ممكن ان يكون متاحا لاسيما في ظل اتجاه الصين لتجربة العملات الرقمية واستمرار سعيها لتوسيع التعامل باليوان الصيني. وربما يكون هناك امكانية اذا توفرت الظروف والشروط المناسبة لاقامة مصرف عربي صيني في لبنان وهو من احد المشاريع التي طرحت بين الجانبين العربي والصيني وبمشاركة من لبنان".
ويضيف: "عدم وضوح الخطط والبرامج وعدم اليقين كانت على الدوام ما يعيق اي تقدم في اية مشاريع خلال السنوات الاخيرة وهو ما عبر عنه العديد من الشركات الصينية التي زارت لبنان".
هل اهتمام الصين بلبنان ردّ على انصياع نتنياهو لقرار ترامب؟!
لا يعتقد طفيلي انّ "من المصلحة اللبنانية تظهير العلاقة مع الصين وكأنها كتعويض عن علاقات الكيان الاسرائيلي مع الصين وهي علاقات مستمرة في مجالات مختلفة ولم تنقطع بل يمكن ان تكون قد تاثرت بفعل الضغوط الاميركية"، مشدّدا على أنّ "التعامل مع العلاقات اللبنانية الصينية يجب ان يكون من زاوية المصلحة اللبنانية الصافية وهي بالتعريف لا تتناقض مع السياسة الصينية العامة بل تتقاطع معها خصوصا في اطار مبادرة الحزام والطريق".
"فخاخ" الديون الصينية!
ويرى طفيلي ان "لبنان يجب ان لا يتخوف من التعامل مع الصين خصوصا إنه ليس لديها اية اهداف استعمارية او استغلالية. واشيع على غير وجه حق ولأهداف سياسية معروفة تحت تسمية "فخاخ" الديون فيمكن القول ان السياسة الصينية واضحة في هذا المجال وهي تقوم اساسا على الالتزام بالمعايير والقواعد المالية الدولية التي تعنى بمكافحة الفساد والرشوة، ناهيك عن ان الجانب الصيني لا يضع اية شروط سياسية على القروض التي يقدمها ومن البديهي القول ان كل مشاريع الاستثمار تأتي بالتوافق مع الدول المستفيدة وبحسب حاجاتها وظروفها؛ لذلك يجب ان يكون لدى لبنان رؤية وخطط تنمية شاملة وسياسات محددة وهو ما كان يفتقده الجانب الصيني دائما".
وعن احتمالية ان يبقى الوضع في لبنان كما هو عليه بعد التعاون الصيني كما حصل في جيبوتي، يعتبر طفيلي أن "كل ما يثار من هنا وهناك من شكوك حول هذه الدولة او تلك لا يعدو كونه فقاعات تستخدم في اطار تشويه صورة الصين في ظل العجز عن موازاة ما تقوم به في اطار الدول المنضوية تحت مبادرة الحزام والطريق. وفي كل الاحوال فإن لبنان يجب ان يطرح هواجسه ومعطياته المختلفة في سياق أية مفاوضات اذا حصلت وهذا امر متوقع ومطلوب في أية مفاوضات لتنفيذ أية مشاريع مع الصين وغيرها".
هل يمكن ان يتحقق مبدأ التبادلية بين لبنان والصين؟
أما في مجال امكانية تحقيق مبدأ التبادلية او تخفيف الميزان التجاري بين لبنان والصين، يرى طفيلي انّ "علينا من باب الانصاف ان نذكر عدة معطيات مفيدة ومشجعة: الجانب الصيني يقدم المساعدة الممكنة للبنان في مجالات مختلفة بما فيها المساعدات الانسانية المستمرة. كما اننا يجب ان نذكر الهبة الصينية التي تعتبر فريدة على صعيد المنطقة العربية وتؤشر الى تقدير مميز لدى الصين لموقع لبنان ودوره الثقافي. وهذه الهبة تتصل بالمشروع الثقافي المتكامل وبناء المقر الجديد للمعهد الوطني العالي للموسيقى على نفقة الحكومة الصينية".
وتجدرالاشارة هنا الى ان تشجيع التصدير الى الصين يأتي في اطار سياسة عامة تنتهجها الصين لفتح اسواقها لا سيما امام الدول المنضوية في اطار مبادرة والحزام والطريق.
لذلك يرى طفيلي أن "لبنان هو امام تحدي انتاج اكبر كميات متنوعة وبنوعية جيدة قادرة على المنافسة وقد بدأت بعض المصانع اللبنانية في تحقيق نتائج مشجعة يمكن البناء عليها وهو ما يتطلب خطة وطنية واضحة في هذا المجال، معتبرا أن "تحقيق بعض التوازن ولو نسبيا يقع على عاتق لبنان لان الفرصة سانحة في ظل سياسة تشجيع الاستيراد الى الصين وهي فرصة مهمة يجب على لبنان ان يستفيد منها لكي لا تضيع كباقي الفرص الضائعة".