بولا مراد - الديار
خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مؤخرا ليتحدث عن انتخابات رئاسية قريبة. لم يحدد موعدا او مهلة زمنية، ولم يتحدث عن المعطيات التي تجعله متفائلا وسط هذا الكم من التشاؤم والتعقيدات. ففي خضم جهود ديبلوماسية غير مسبوقة تُبذل لتجنيب لبنان توسع رقعة الحرب، وجد ميقاتي مكانا للتفاؤل بانتخاب رئيس، رغم التعقيدات الشتى التي لا تزال محيطة بكل جوانب الملف.
بحسب المعلومات، تفاؤل ميقاتي مرتبط باقتناعه بأن الحل الذي يعمل عليه الموفد الاميركي آموس هوكشتاين بين لبنان و"اسرائيل"، والذي يقول بانسحاب العدو من الأراضي اللبنانية المحتلة، مقابل عودة حزب الله الى شمالي الليطاني، لا يمكن ان يصبح قيد التنفيذ بغياب رئيس للجمهورية يقود المفاوضات، كما حصل بملف الحدود البحرية. يعتقد ميقاتي ان الحل للازمة الرئاسية اسهل بكثير مما يعتقد البعض، وانه بسحر ساحر وبعد تفاهم اقليمي- دولي سيكون مرتبطا بالتسوية الكبرى، التي يتم إنضاجها قي المنطقة لانهاء حرب غزة، ستتجه الكتل السياسية الى المجلس النيابي لتنفيذ تعليمات خارجية واضحة. لكن الامور لمن يدقق بها، اكثر تعقيدا هذه المرة في ظل التنوع غير المسبوق داخل البرلمان، بحيث يتألف المجلس النيابي من مجموعات صغيرة، بحيث ان نائبين باتا يشكلان تكتلا يتمايزان به عن باقي التكتلات.
وتعتبر مصادر معنية بالملف ان "تأمين انتخاب اي من المرشحين الاساسيين الحاليين، اي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية او قائد الجيش العماد جوزيف عون، لن يكون بالسهولة التي يعتقدها كثيرون، حتى ولو كان هناك تفاهم خارجي على السير بأحدهما" ، لافتة الى انه "لو افترضنا ان التسوية اقتضت انتخاب فرنجية، فيبدو واضحا ان كل الضغوط الدولية لن تتمكن من تأمين الاصوات المسيحية اللازمة لانتخابه، بحيث ان رئيس حزب "القوات" سمير جعجع استبق اي سيناريو مماثل بحملة حاسمة، تؤكد رفض ان تؤدي اي تسوية لتقديم رئاسة الجمهورية جائزة ترضية لمحور المقاومة. اي يمعنى آخر يقول لحلفائه الإقليميين والدوليين انه لن يتراجع عن موقفه الرئاسي، وانه لم ينتخب فرنجية ايا كان الثمن".
وتضيف المصادر"تشدد جعجع يقابله تشدد اكبر من جهة رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي ابلغ حزب الله قبل مدة بأن كل الجهود المبذولة لاقناعه بالسير بفرنجية لن تفلح. حتى ان مسار التفاوض الذي كان انطلق بينهما للمقايضة بين الرئاسة والصندوق الائتماني واللامركزية الموسعة وصل الى نهاياته سريعا، وتشير كل المعطيات الا نية على الاطلاق لتفعيله من جديد، سواء تم ذلك بمسعى داخلي او باطار ضغوط خارجية، خاصة ان باسيل لا ينفك يردد ان لا احد يمون عليه خارجيا".
وطالما لا غطاء مسيحيا لانتخاب فرنجية ،فانتقاله الى قصر بعبدا لن يتم حتى ولو حصل تفاهم دولي، لان الرئاسة في لبنان يجب ان تكون مجدداً من حصة حزب الله.
بالمقابل، فان تنفيذ بنود تسوية خارجية تأتي بالعماد جوزيف عون رئيسا للبلاد سيكون اسهل بكثير، باعتبار ان حزب "القوات" سيؤمن لا شك الغطاء المسيحي لانتخابه، وحينها لن يحرم الثنائي الشيعي قائد الجيش الاصوات الشيعية، طالما تبين بعد تأجيل تسريحه ان لا "فيتو" عليه. وتقول المصادر: "لكن العقبة هنا هي بالوصول الى تفاهم دولي بهذا الخصوص، خاصة وان حزب الله ربط وبوضوح اي حديث معه بحلول سياسية، تقضي بعودته للالتزام بالـ ١٧٠١ بوقف الحرب في غزة. وطالما العدو انتقل الى المرحلة الثالثة من حربه، والتي تقوم على الاغتيالات والعمليات الامنية الخاطفة، فان هذه المرحلة قد تمتد اشهرا، ما يعني تلقائيا تمديد فترة الشغور الرئاسي اشهرا اضافية".
بالمحصلة، اذا كان الملف الرئاسي معقد قبل السابع من تشرين، تاريخ عملية "طوفان الأقصى"، فان تعقيداته تفاقمت عشرات المرات بعد هذه العملية واندلاع الحرب في غزة.. ومن يعتقد ان اي حل لهذه الازمة ممكن قبل تبلور ملامح تسوية كبيرة تطال المنطقة بأسرها، فهو واهمٌ واهم.